أراد أن النساء ينفرن من ذي الشيب و يفارقنه كما يفارق الفرخ البيضة فلا يعود إليها بعد خروجه منها أبدا و روي عن عمر أنكم إذا رأيتم العمرة في أشهر الحج كافية من الحج خلت مكة من الحجاج فكانت كبيضة فارقها فرخها قوله إني لأرتع فأشبع و أسقى فأروي مثل مستعار من رعيت الإبل أي إذا أرتعت الإبل أي أرسلتها ترعى تركتها حتى تشبع و إذا سقيتها تركتها حتى تروي. و قوله أضرب العروض العروض الناقة تأخذ يمينا و شمالا و لا تلزم المحجة يقول أضربها حتى تعود إلى الطريق و مثله قوله و أضم العنود. و العجول البعير يند عن الإبل يركب رأسه عجلا و يستقبلها. شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 123قوله و أؤدب قدري أي قدر طاقتي. و قوله و أسوق خطوتي أي قدر خطوتي. و اللفوت البعير يلتفت يمينا و شمالا و يروغ. و قوله و أكثر الزجر و أقل الضرب أي أنه يقتصر من التأديب في السياسة على ما يكتفي به حتى يضطر إلى ماو أشد منه و أغلظ. و قوله و أشهر بالعصا و أدفع باليد يريد أنه يرفع العصا يرهب بها و لا يستعملها و لكنه يدفع بيده. قوله و لو لا ذلك لأعذرت أي لو لا هذا التدبير و هذه السياسة لخلفت بعض ما أسوق و يقال أعذر الراعي الشاة و الناقة إذا تركها و الشاة العذيرة و عذرت هي إذا تخلفت عن الغنم. قال ابن قتيبة و هذه أمثال ضربها و أصلها في رعية الإبل و سوقها و إنما يريد بها حسن سياسته للناس في الغزاة التي ذكرها يقول فإذا كنت أفعل كذا في أيام رسول الله ص مع طاعة الناس له و تعظيمهم إياه فكيف لا أفعله بعده. و عندي أن ابن قتيبة غالط في هذا التأويل و ليس في كلام عمر ما يدل على ذلك و ليس عمر في غزاة قرقرة الكدر يسوس الناس و لا يأمرهم و لا ينهاهم و كيف و رسول الله ص حاضر بينهم و لا كان في غزاة قرقرة الكدر حرب و لا ما يحتاج فيه إلى السياسة و هل كان لعمر أو لغير عمر و رسول الله ص حي أن يرتع فيشبع و يسقي فيروي و هل تكون هذه الصفات و ما بعدها إلا(13/101)


للرئيس الأعظم و الذي اراده عمر ذكر حاله في خلافته رادا على عمران بن سوادة في قوله إن الرعية يشكون منك عنف السياق و شدة النهر فقال ليشكون فو الله إني لرفيق بهم و مستقص في سياستهم شرح نهج البلاغة : 12 ص : 124و لا ناهك لهم عقوبة و إني لأقنع بالهيبة و التهويل عليهم و لا أعمل العصا حيث يمكنني الاكتفاء باليد و إني أرد الشارد منهم و أعدل المائل إلى غير ذلك من الأمور التي عددها و أحسن في تعديدها. و إنما ذكر قوله أنا زميل رسول الله ص في غزاة قرقرة الكدر على عادة العرب في الافتخار وقت المنافرة و عند ما تجيش النفس و يحمى القلب كما كان علي ع يقول وقت الحاجة أنا عبد الله و أخو رسوله فيذكر أشرف أحواله و المزية التي اختص بها عن غيره و كان رسول الله ص في غزاة قرقرة الكدر أردف عمر معه على بعيره فكان عمر يفخر بها و يذكرها وقت الحاجة إليها. و في حديث عمر أنه خرج من الخلاء فدعا بطعام فقيل له أ لا تتوضأ فقال لو لا التنطس ما باليت ألا أغسل يدي. قال أبو عبيد القاسم بن سلام قال ابن علية التنطس التقذر و قال الأصمعي هو المبالغة في التطهر فكل من أدق النظر في الأمور فاستقصى علمها فهو متنطس و منه قيل للطبيب النطاسي و النطيس لدقة علمه بالطب. و في حديث عمر حين سأل الأسقف عن الخلفاء فحدثه حتى إذا انتهى إلى الرابع فقال صدع من حديد و قال عمر وا دفراه. قال أبو عبيدة قال الأصمعي كان حماد بن سلمة يقول صدأ من حديد و هذا أشبه بالمعنى لأن الصدأ له دفر و هو النتن و الصدع لا دفر له و قيل للدنيا أم دفر لما فيها من الدواهي و الآفات فأما الذفر بالذال المعجمة و فتح الفاء فهو الريح الذكية من طيب أو نتن.(13/102)


شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 125و عندي في هذا الحديث كلام و الأظهر أن الرواية المشهورة هي الصحيحة و هي قوله صدع من حديد و لكن بفتح الدال و هو ما كان من الوعول بين العظيم و الشخت فإن ثبتت الرواية بتسكين الدال فغير ممتنع أيضا يقال رجل صدع إذا كان ضربا من الال ليس برهل و لا غليظ. و رابع الخلفاء هو علي بن أبي طالب ع و أراد بالأسقف مدحه. و قول عمر وا دفراه إشارة إلى نفسه كأنه استصغر نفسه و عابها بالنسبة إلى ما وصفه الأسقف من مدح الرابع و إطرائه. فأما تأويل أبي عبيدة فإنه ظن أن الرابع عثمان و جعل رسول الله ص معدودا من الجملة ليصح كون عثمان رابعا و جعل الدفر و النتن له و صرف اللفظ عن الرواية المشهورة إلى غيرها فقال صدأ حديد ليطابق لفظه النتن على ما يليق بها فغير خاف ما فيه من التعسف و رفض الرواية المشهورة. و أيضا فإن رسول الله ص لا يجوز إدخاله في لفظ الخلفاء لأنه ليس بخليفة لأن الخليفة من يخلف غيره و رسول الله ص مستخلف الناس كلهم و ليس بخليفة لأحد. و في حديث عمر قال عند موته لو أن لي ما في الأرض جميعا لافتديت به من هول المطلع. قال أبو عبيد هو موضع الاطلاع من إشراف إلى انحدار أو من انحدار إلى إشراف و هو من الأضداد فشبه ما أشرف عليه من أمر الآخرة. شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 126و في حديث عمر حين بعث حذيفة و ابن حنيف إلى السواد ففلجا الجزية على أهله. قال أبو عبيد فلجا أي قسما بالفلج و أصله من الفلج و هو المكيال الذي يقال له الفلج لأن خراجهم كان طعاما. و في حديث عمر حيقال له حذيفة إنك تستعين بالرجل الذي فيه و بعضهم يرويه بالرجل الفاجر فقال أستعمله لأستعين بقوته ثم أكون على قفانه. قال أبو عبيد عن الأصمعي قفان كل شي ء جماعه و استقصاء معرفته يقول أكون على تتبع أمره حتى أستقصي عمله و أعرفه. قال أبو عبيد و لا أحسب هذه الكلم عربية و إنما أصلها قبان و منه قول العامة فلان قبان على فلان إذا كان(13/103)


بمنزلة الأمين عليه و الرئيس الذي يتتبع أمره و يحاسبه و به سمي هذا الميزان الذي يقال له القبان. و في حديث عمر حين قال لابن عباس و قد شاوره في شي ء فأعجبه كلامه نشنشة أعرفها من أخشن هكذا ارواية و أما أهل العلم فيقولون شنشنة أعرفها من أخزم. و الشنشنة في بعض الأحوال قد تكون بمعنى المضغة أو القطعة تقطع من اللحم و القول المشهور أن الشنشنة مثل الطبيعة و السجية فأراد عمر أني أعرف فيك مشابه من أبيك في رأيه و يقال إنه لم يكن لقرشي مثل رأي العباس. قال و قد قال أبو عبيدة معمر بن المثنى يجوز شنشنة و نشنشة و غيره ينكر نشنشة.(13/104)


شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 127و في حديث عمر يوم السقيفة قال و قد كنت زورت في نفسي قاله أقوم بها بين يدي أبي بكر فلم يترك أبو بكر شيئا مما زورته إلا تكلم به. قال أبو عبيد التزوير إصلاح الكلام و تهيئته كالتزويق. و في حديث عمر حين ضرب الرجل الذي أقسم على أسلمة ثلاثين سوطا كلها تبضع و تحدر. قال أبو عبيد أي تشق و تورم حدر الجلد يحدره و أحدره غيره. و في حديثه أنه قال لمؤذن بيت المقدس إذا أذنت فترسل و إذا أقمت فاحذم. قال أبو عبيدة الحذم بالحاء المهملة الحدر في الإقامة و قطع التطويل و أصله في المشي و هو الإسراع فيه و أن يكون مع هذا كأنه يهوي بيده إلى خلفه و الجذم بالجيم أيضا القطع و كذلك الخذم بالخاء المعجمة. و في حديثه أنه قال لا يقر رجل أنه كان يطأ جاريته إلا ألحقت به ولدها فمن شاء فليمسكها و من شاء فليرسلها. قال أبو عبيد هكذا الرواية بالسين المهملة و المعروف أنه الإرشال بالشين المعجمة و لعله حول الشين إلى السين كما يقال سمت العاطش أي شمته و في حديثه كذب عليكم الحج كذب عليكم العمرة كذب عليكم الجهاد ثلاثة أسفار كذبت عليكم. شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 128قال أبو عبيد معنى كذب عليكم الإغراء أي عليكم به و كان الأصلي هذا أن يكون نصبا و لكنه جاء عنهم بالرفع شاذا على غير قياس و مما يحقق أنه مرفوع قول الشاعر
كذبت عليك لا تزال تقوفني كما قاف آثار الوثيقة قائف
فقوله كذبت عليك إنما أغراه بنفسه أي عليك بي فجعل نفسه في موضع رفع أ لا تراه قد جاء بالباء فجعلها اسمه. و قال معقر بن حمار البارقي
و ذبيانية وصت بنيها بأن كذب القراطف و القروف(13/105)

35 / 147
ع
En
A+
A-