و من كلام عمر إياكم و هذه المجازر فإن لها ضراوة كضراوة الخمر. و قال إياكم و الراحة فإنها غفلة. و قال السمن غفلة. و قال لا تسكنوا نساءكم الغرف و لا تعلموهن الكتابة و استعينوا عليهن بالعرى و عودوهن قول لا فإن نعم تجرئهن على المسألة. و قال تبين عقل المرء في كل شي ء حتى في علته فإذا رأيته يتوقى على نفسه الصبر عن شهوته و يحتمي من مطعمه و مشربه عرفت ذلك في عقله و ما سألني رجل عن شي ء قط إلا تبين لي عقله في ذلك. و قال إن للناس حدودا و منازل فأنزلوا كل رجل منزلته و ضعوا كل إنسان في حده و احملوا كل امرئ بفعله على ره. و قال اعتبروا عزيمة الرجل بحميته و عقله بمتاع بيته قال أبو عثمان الجاحظ لأنه شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 117ليس من العقل أن يكون فرشه لبدا و مرقعته طبرية. و قال من يئس من شي ء استغنى عنه و عز المؤمن استغناؤه عن الناس. و قال لا يقوم بأمر الله إلا من لصانع و لا يصارع و لا يتبع المطامع. و قال لا تضعفوا همتكم فإني لم أر شيئا أقعد برجل عن مكرمة من ضعف همته و وعظ رجلا فقال لا تلهك الناس عن نفسك فإن الأمور إليك تصل دونهم و لا تقطع النهار سادرا فإنه محفوظ عليك فإذا أسأت فأحسن فإني لم أر شيئا أشد طلبا و لا أسرع إدراكا من حسنة حديثة لذنب قديم. و قال احذر من فلتات السباب و كل ما أورثك النبز و أعلقك اللقب فإنه إن يعظم بعده شأنك يشتد على ذلك ندمك. و قال كل عمل كرهت من أجله الموت فاتركه ثم لا يضرك متى مت. و قال أقلل من الدين تعش حرا و أقلل من الذنوب يهن عليك الموت و انظر في أي نصاب تضع ولدك فإن العرق دساس. و قال ترك الخطيئة أسهل من معالجة التوبة. و قال احذروا النعمة حذركم المعصية و هي أخفهما عليكم عندي. و قال احذروا عاقبة الفراغ فإنه أجمع لأبواب المكروه من السكر. و قال أجود الناس من يجود على من لا يرجو ثوابه و أحلمهم من عفا بعد القدرة و أبخلهم من بخل بالسلام و أعجزهم من عجز في دعائه.(13/96)
و قال رب نظرة زرعت شهوة و رب شهوة أورثت حزنا دائما. شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 118و قال ثلاث خصال من لم تكن فيه لم ينفعه الإيمان حلم يرد به جهل الجاهل و ورع يحجزه عن المحارم و خلق يداريه الناس
أخبار عمر مع عمرو بن معديكرب
و ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتاب مقاتل الفرسان أن سعد بن أبي وقاص أوفد عمرو بن معديكرب بعد فتح القادسية إلى عمر فسأله عمر عن سعد كيف تركته و كيف رضا الناس عنه فقال يا أمير المؤمنين هو لهم كالأب يجمع لهم جمع الذرة أعرابي في نمرته أسد في تامورته نبطي في جبايته يقسم بالسوية و يعدل في القضية و ينفر في السرية. و كان سعد كتب يثني على عمرو فقال عمر لكأنما تعاوضتما الثناء كتب يثني عليك و قدمت تثني عليه فقال لم أثن إلا بما رأيت قال دع عنك سعدا و أخبرني عن مذحج قومك. قال في كل فضل و خير قال ما قولك في علة بن خالد قال أولئك فوارس أعراضنا أحثنا طلبا و أقلنا هربا قال فسعد العشيرة قال أعظمنا خميسا و أكبرنا رئيسا و أشدنا شريسا قال فالحارث بن كعب قال حكمة لا ترام قال فمراد قال الأتقياء البررة و المساعير الفجرة ألزمنا قرارا و أبعدنا آثارا. شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 9قال فأخبرني عن الحرب قال مرة المذاق إذا قلصت عن ساق من صبر فيها عرف و من ضعف عنها تلف و إنها لكما قال الشاعر(13/97)
الحرب أول ما تكون فتية تسعى بزينتها لكل جهول حتى إذا استعرت و شب ضرامها عادت عجوزا غير ذات حليل شمطاء جزت رأسها و تنكرت مكروهة للشم و التقبيقال فأخبرني عن السلاح قال سل عما شئت منه قال الرمح قال أخوك و ربما خانك قال النبل قال منايا تخطئ و تصيب قال الترس قال ذاك المجن و عليه تدور الدوائر قال الدرع قال مشغلة للراكب متعبة للراجل و إنها لحصن حصين قال السيف قال هناك قارعت أمك الهبل قال بل أمك قال بل أمي و الحمى أضرعتني لك. عرض سليمان بن ربيعة الباهلي جنده بأرمينية فكان لا يقبل من الخيل إلا عتيقا فمر عمرو بن معديكرب بفرس غليظ فرده و قال هذا هجين قال عمرو إنه ليس بهجين و لكنه غليظ قال بل هو هجين فقال عمرو إن الهجين ليعرف الهجين فكتب بكلمته إلى عمر فكتب إليه أما بعد يا ابن معديكرب فإنك القائل لأميرك ما قلت فإنه بلغني أن عندك سيفا تسميه الصمصامة و أن عندي سيفا أسميه مصمما و أقسم بالله لئن وضعته بين أذنيك لا يقلع حتى يبلغ قحفك. شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 120و كتب إلى سليمان بن ربيعة يلومه في حلمه عنه فل قرأ عمرو الكتاب قال من ترونه يعني قالوا أنت أعلم قال هددني بعلي و الله و قد كان صلى بناره مرة في حياة رسول الله ص و أفلت من يده بجريعة الذقن و ذلك حين ارتدت مذحج و كان رسول الله ص أمر عليها فروة بن مسيك المرادي فأساء السيرة و نابذ عمرو بن معديكرب ففارقه في كثير من قبائل مذحج فاستجاش فروة عليه و عليهم رسول الله ص فأرسل خالد بن سعيد بن العاص في سرية و خالد بن الوليد بعده في سرية ثانية و علي بن أبي طالب ع في سرية ثالثة و كتب إليهم كل واحد منكم أمير من معه فإذا اجتمعتم فعلي أمير على الكل فاجتمعوا بموضع من أرض اليمن يقال له كسر فاقتتلوا هناك و صمد عمرو بن معديكرب لعلي ع و كان يظن أن لا يثبت له أحد من شجعان العرب فثبت له فعلا عليه و عاين منه ما لم يكن يحتسبه ففر من بين يديه هاربا ناجيا(13/98)
بحشاشة نفسه بعد أن كاد يقتله و فر معه رؤساء مذحج و فرسانهم و غنم المسلمون أموالهم و سبيت ذلك اليوم ريحانة بنت معديكرب أخت عمرو فأدى خالد بن سعيد بن العاص فداءها من ماله فأصابه عمرو أخوها الصمصامة فلم يزل ينتقل في بني أمية و يتداولونه واحدا بعد واحد حتى صار إلى بني العباس في أيام المهدي محمد بن المنصور أبي جعفر
فصل فيما نقل عن عمر من الكلمات الغريبة
فأما ما نقل عن عمر من الألفاظ الغريبة اللغوية التي شرحها المفسرون فنحن نذكر من ذلك ما يليق بهذا الكتاب. شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 121قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تاريخه روى عبد الرحمن بن أبي زيد عن عمران بن سودة الليثي قال صليت الصبح مع عمر فقرأ حان و سورة معها ثم انصرف فقمت معه فقال أ حاجة قلت حاجة قال فالحق فلحقت فلما دخل أذن فإذا هو على رمال سرير ليس فوقه شي ء فقلت نصيحة قال مرحبا بالناصح غدوا و عشيا قلت عابت أمتك أو قال رعيتك عليك أربعا قال فوضع عود الدرة ثم ذقن عليها هكذا روى ابن قتيبة و قالأبو جعفر فوضع رأس درته في ذقنه و وضع أسفلها على فخذه و قال هات قال ذكروا أنك حرمت المتعة في أشهر الحج و زاد أبو جعفر و هي حلال و لم يحرمها رسول الله ص و لا أبو بكر فقال أجل إنكم إذا اعتمرتم في أشهر حجكم رأيتموها مجزئة عن حجكم فقرع حجكم و كانت قابية قوب عامها و الحج بهاء من بهاء الله و قد أصبت قال و ذكروا أنك حرمت متعة النساء و قد كان رخصة من الله نستمتع بقبضة و نفارق عن ثلاث قال إن رسول الله ص أحلها في زمان ضرورة و رجع الناس إلى السعة ثم لم أعلم أحدا من المسلمين عاد إليها و لا عمل بها فالآن من شاء نكح بقبضة و فارق عن ثلاث بطلاق و قد أصبت. و قال ذكروا أنك أعتقت الأمة إذا وضعت ذا بطنها بغير عتاقة سيدها قال ألحقت حرمة بحرمة و ما أردت إلا الخير و أستغفر الله. قال و شكوا منك عنف السياق و نهر الرعية قال فنزع الدرة ثم مسحها حتى أتى(13/99)
على سيورها و قال و أنا زميل محمد رسول الله ص في غزاة قرقرة شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 122الكدر فو الله إني لأرتع فأشبع و أسقي فأروي و إني لأضرب العروض و أزجر العجول و أؤدب قدري و أسوق خطوتي و أرد اللفوت و أضم العنود و أكثر الضجر و أقل الضرب و أشهر بالعصا و أدفع باليد و لو لا ذلك لأعذرت.ال أبو جعفر فكان معاوية إذا حدث بهذا الحديث يقول كان و الله عالما برعيته. قال ابن قتيبة رملت السرير و أرملته إذا نسجته بشريط من خوص أو ليف. و ذقن عليها أي وضع عليها ذقنه يستمع الحديث. و قوله فقرع حجكم أي خلت أيام الحج من الناس و كانوا يتعوذون من قرع الفناء و ذلك ألا يكون عليه غاشية و زوار و من قرع المراح و ذلك ألا يكون فيه إبل. و القابية قشر البيضة إذا خرج منها الفرخ. و القوب الفرخ قال الكميت
لهن و للمشيب و من علاه من الأمثال قابية و قوب(13/100)