أنا مريض و أنت و الله قاتلي فلم يرق له حتى استوفى الحد و حبسه ثم مرض شهرا و مات. و روى الزبير بن بكار قال خطب عمر أم كلثوم بنت علي ع فقال له إنها صغيرة فقال زوجنيها يا أبا الحسن فإني أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد فقال أنا أبعثها إليك فإن رضيتها زوجتكها فبعثها إليه ببرد و قال لها قولي هذا البرد الذي ذكرته لك فقالت له ذلك فقال قولي له قد رضيته رضي الله عنك و وضع يده على ساقها فقالت له أ تفعل هذا لو لا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك ثم جاءت أباها فأخبرته الخبر و قالت بعثتني إلى شيخ سوء قال مهلا يا بنية إنه زوجك فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين في الروضة و كان يجلس فيها المهاجرون الأولون فقال رفئوني رفئوني قالوا بما ذا يا أمير المؤمنين قال تزوجت أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب
سمعت رسول الله ص يقول كل سبب و نسب و صهر ينقطع يوم القيامة إلا سببي و نسبي و صهري(13/86)
و كتب عثمان إلى أبي موسى إذا جاءك كتابي هذا فأعط الناس أعطياتهم و احمل ما بقي إلي ففعل و جاء زيد بن ثابت بالمال فوضعه بين يدي عثمان فجاء ابن لعثمان فأخذ منه أستاندانة من فضة فمضى بها فبكى زيد قال عثمان ما يبكيك قال أتيت عمر مثل ما أتيتك به فجاء ابن له فأخذ درهما فأمر به فانتزع منه حتى أبكى شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 107الغلام و أن ابنك قد أخذ هذه فلم أر أحدا قال شيئا فقال عثمان إن عمر كان يمنع أهله و قرابته ابتغاء وجه الله و أنا أعطي أهلي و أقاربي ابتغاء وجه الله و لن تلقى مثل عمر و روى إسماعيل بن خالد قاقيل لعثمان أ لا تكون مثل عمر قال لا أستطيع أن أكون مثل لقمان الحكيم. ذكرت عائشة عمر فقالت كان أجودنا نسيج وحده قد أعد للأمور أقرانها. جاء عبد الله بن سلام بعد أن صلى الناس على عمر فقال إن كنتم سبقتموني بالصلاة عليه فلا تسبقوني بالثناء عليه ثم قال نعم أخو الإسلام كنت يا عمر جوادا بالحق بخيلا بالباطل ترضى حين الرضا و تسخط حين السخط لم تكن مداحا و لا معيابا طيب الطرف عفيف الطرف. و روى جويرية بن قدامة قال دخلت مع أهل العراق على عمر حين أصيب فرأيته قد عصب بطنه بعمامة سوداء و الدم يسيل فقال له الناس أوصنا فقال عليكم بكتاب الله فإنكم لن تضلوا ما اتبعتموه فأعدنا القول عليه ثانية أوصنا قال أوصيكم بالمهاجرين فإن الناس سيكثرون و يقلون و أوصيكم بالأنصار فإنهم شعب الإسلام الذي لجأ إليه و أوصيكم بالأعراب فإنهم أصلكم الذي لجأتم إليه و مأواكم و أوصيكم بأهل الذمة فإنهم عهد نبيكم و رزق عيالكم قوموا عني. شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 108فلم أحفظ من كلامه إلا هذه الكلمات. و روى عمرو بن ميمون قال سمعت عمر و هو يقول و قد أشار إلى الستة و لم يكلم أحدا منهم إلا علي بن أبي طالب و عثمان ثم أمرهم بالخروج فقال لمن كان عنده إذا اجتمعوا علرجل فمن خالف فلتضرب رقبته ثم قال إن يولوها الأجلح يسلك بهم الطريق(13/87)
فقال له قائل فما يمنعك من العهد إليه قال أكره أن أتحملها حيا و ميتا
خطب عمر الطوال
و قال الجاحظ في كتاب البيان و التبيين لم يكن عمر من أهل الخطب الطوال و كان كلامه قصيرا و إنما صاحب الخطب الطوال علي بن أبي طالب ع. و قد وجدت أنا لعمر خطبا فيها بعض الطول ذكرها أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في التاريخ. فمنها خطبة خطب بها حين ولي الخلافة و هي بعد حمد الله و الثناء عليه و على رسوله أيها الناس إني وليت عليكم و لو لا رجاء أن أكون خيركم لكم و أقواكم عليكم و أشدكم استضلاعا بما ينوب من مهم أموركم ما توليت ذلك منكم و لكفى عمر فيها مجزى العطاء موافقة الحساب بأخذ حقوقكم كيف آخذها و وضعها أين أضعها شرحنهج البلاغة ج : 12 ص : 109و بالسير فيكم كيف أسير فربي المستعان فإن عمر لم يصبح يثق بقوة و لا حيلة إن لم يتداركه الله برحمته و عونه. أيها الناس إن الله قد ولاني أمركم و قد علمت أنفع ما لكم و أسأل الله أن يعينني عليه و أن يحرسني عنده كما حرسني عند غيره و أنيلهمني العدل في قسمكم كالذي أمر به فإني امرؤ مسلم و عبد ضعيف إلا ما أعان الله و لن يغير الذي وليت من خلافتكم من خلقي شيئا إن شاء الله إنما العظمة لله و ليس للعباد منها شي ء فلا يقولن أحدكم إن عمر تغير منذ ولي و إني أعقل الحق من نفسي و أتقدم و أبين لكم أمر فأيما رجل كانت له حاجة أو ظلم مظلمة أو عتب علينا في خلق فليؤذني فإنما أنا رجل منكم فعليكم بتقوى الله في سركم و علانيتكم و حرماتكم و أعراضكم و أعطوا الحق من أنفسكم و لا يحمل بعضكم بعضا على ألا تتحاكموا إلي فإنه ليس بيني و بين أحد هوادة و أنا حبيب إلى صلاحكم عزيز على عنتكم و أنتم أناس عامتكم حضر في بلاد الله و أهل بلد لا زرع فيه و لا ضرع إلا ما جاء الله به إليه و إن الله عز و جل قد وعدكم كرامة كبيرة و أنا مسئول عن أمانتي و ما أنا فيه و مطلع على ما يحضرني بنفسي إن شاء الله لا أكله إلى أحد و(13/88)
لا أستطيع ما بعد منه إلا بالأمناء و أهل النصح منكم للعامة و لست أحمل أمانتي إلى أحد سواهم إن شاء الله. و خطب عمر مرة أخرى فقال بعد حمد الله و الصلاة على رسول الله ص شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 110أيها الناس إن بعض الطمع فقر و إن بعض اليأس غنى و إنكم تجمعون ما لا تأكلون و تلون ما لا تدركون و أنتم مؤجلون في دار غرور و قد كنتم على عهد رسول الله ص تؤخذون بالوحي و من أسر شيئا أخذ بسريرته و من أعلن شيئا أخذ بعلانيته فأظهروا لنا حسن أخلاقكم و الله أعلم بالسرائر فإنه من أظهر لنا قبيحا و زعم أن سريرته حسنة لم نصدقه و من أظهر لنا علانية حسنة ظننا به حسنا و اعلموا أن بعض الشح شعبة من النفاق فأنفقوا خيرا لأنفسكم و من يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون. أيها الناس أطيبوا مثواكم و أصلحوا أموركم و اتقوا الله ربكم و لا تلبسوا نساءكم القباطي فإنه إن لم يشف فإنه يصف. أيها الناس إني لوددت أن أنجو كفافا لا لي و لا علي إني لأرجو أن عمرت فيكم يسيرا أو كثيرا أن أعمل فيكم بالحق إن شاء الله و ألا يبقى أحد من المسلمين و إن كان في بيته إلا أتاه حقه و نصيبه من مال الله و إن لم يعمل إليه نفسه و لم ينصب إليه بدنه فأصلحوا أموالكم التي رزقكم الله فقليل في رفق خير من كثير في عنف. و اعلموا أن القتل حتف من الحتوف يصيب البر و الفاجر و الشهيد من احتسب نفسه و إذا أراد أحدكم بعيرا فليعمد إلى الطويل العظيم فليضربه بعصاه فإن وجده حديد الفؤاد فليشتره. و خطب عمر مرة أخرى فقال(13/89)
شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 111إن الله سبحانه قد استوجب عليكم الشكر و اتخذ عليكم الحجج فيما آتاكم من كرامة الدنيا و الآخرة من غير مسألة منكم و لا رغبة منكم فيه إليه فخلقكم تبارك و تعالى و لم تكونوا شيئا لنفسه و عبادته و كان قادرا أن يجعلكم لأهون خلقه عليفجعلكم عامة خلقه و لم يجعلكم لشي ء غيره و سخر لكم ما في السموات و الأرض و أسبغ عليكم نعمه ظاهرة و باطنة و حملكم في البر و البحر و رزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون ثم جعل لكم سمعا و بصرا و من نعم الله عليكم نعم عم بها بني آدم و منها نعم اختص بها أهل دينكم ثم ارت تلك النعم خواصها في دولتكم و زمانكم و طبقتكم و ليس من تلك النعم نعمة وصلت إلى امرئ خاصة إلا لو قسمتم ما وصل منها بين الناس كلهم أتعبهم شكرها و فدحهم حقها إلا بعون الله مع الإيمان بالله و رسوله فأنتم مستخلفون في الأرض قاهرون لأهلها قد نصر الله دينكم فلم تصبح أمة مخالفة لدينكم إلا أمتين أمة مستعبدة للإسلام و أهله يتجرون لكم تستصفون معايشهم و كدائحهم و رشح جباههم عليهم المئونة و لكم المنفعة و أمة تنتظر وقائع الله و سطواته في كل يوم و ليلة قد ملأ الله قلوبهم رعبا فليس لهم معقل يلجئون إليه و لا مهرب يتقون به قد دهمتهم جنود الله و نزلت بساحتهم مع رفاغة العيش و استفاضة المال و تتابع البعوث و سد الثغور بإذن الله في العافية الجليلة العامة التي لم تكن الأمة على أحسن منها منذ كان الإسلام و الله المحمود مع الفتوح العظام في كل بلد فما عسى أن يبلغ شكر الشاكرين و ذكر الذاكرين و اجتهاد المجتهدين مع هذه النعم التي لا يحصى عددها و لا يقدر قدرها و لا يستطاع أداء حقها إلا بعون الله و رحمته و لطفه فنسأل الله الذي أبلانا هذا أن يرزقنا العمل بطاعته و المسارعة إلى مرضاته و اذكروا عباد الله بلاء الله عندكم و استتموا نعمة الله عليكم و في مجالسكم مثنى و فرادى فإن الله تعالى قال لموسى(13/90)