ساعيا فأتيت العباس بن عبد المطلب فمنعك صدقته فكان بينكما شي ء فجئتما إلي و قلتما انطلق معنا إلى رسول الله ص فجئنا إليه فوجدناه خاثرا فرجعنا ثم غدونا عليه فوجدناه طيب النفس فأخبرته بالذي صنعالعباس فقال لك يا عمر أ ما علمت أن عم الرجل صنو أبيه فذكرنا له ما رأينا من خثوره في اليوم الأول و طيب نفسه في اليوم الثاني فقال إنكم أتيتم في اليوم الأول و قد بقي عندي من مال الصدقة ديناران فكان ما رأيتم من خثوري لذلك و أتيتم في اليوم الثاني و قد وجهتهما فذاك الذي رأيتم من طيب نفسي أشير عليك ألا تأخذ من هذا الفضل شيئا و أن تفضه على فقراء المسلمين فقال صدقت و الله لأشكرن لك الأولى و الأخيرة. و روى أبو سعيد الخدري قال حججنا مع عمر أول حجة حجها في خلافته فلما دخل المسجد الحرام دنا من الحجر الأسود فقبله و استلمه و قال إني لأعلم أنك حجر لا تضر و لا تنفع و لو لا أني رأيت رسول الله ص قبلك و استلمك لما قبلتك و لا استلمتك فقال له علي بلى يا أمير المؤمنين إنه ليضر و ينفع و لو علمت تأويل ذلك من كتاب الله لعلمت أن الذي أقول لك كما أقول قال الله تعالى وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 101بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلىفلما أشهدهم و أقروا له أنه الرب عز و جل و أنهم العبيد كتب ميثاقهم في رق ثم ألقمه هذا الحجر و أن له لعينين و لسانا و شفتين تشهد لمن وافاه بالموافاة فهو أمين الله عز و جل في هذا المكان فقال عمر لا أبقاني الله بأرض لست بها يا أبا الحسن. قلت قد وجدنا في الآثار و الأخبار في سيرة عمر أشياء تناسب قوله في هذا الحجر الأسود كما أمر بقطع الشجرة التي بويع رسول الله ص تحتها بيعة الرضوان في عمرة الحديبية لأن المسلمين بعد وفاة رسول الله ص كانوا يأتونها فيقيلون تحتها فلما تكرر ذلك أوعدهم عمر فيها ثم(13/81)


أمر بها فقطعت. و روى المغيرة بن سويد قال خرجنا مع عمر في حجة حجها فقرأ بنا في الفجر أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ و لِإِيلافِ قُرَيْشٍ فلما فرغ رأى الناس يبادرون إلى مسجد هناك فقال ما بالهم قالوا مسجد صلى فيه النبي ص و الناس يبادرون إليه فناداهم فقال هكذا هلك أهل الكتاب قبلكم اتخذوا آثار أنبيائهم بيعا من عرضت له صلاة في هذا المسجد فليصل و من لم تعرض له صلاة فليمض. و أتى رجل من المسلمين إلى عمر فقال أنا لما فتحنا المدائن أصبنا كتابا فيه علم من علوم الفرس و كلام معجب فدعا بالدرة فجعل يضربه بها ثم قرأ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ و يقول ويلك أ قصص أحسن من كتاب الله إنما هلك شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 102من كان قبلكم لأنهم أقبلوا على كتب علمائهم و أساقفتهم و تركوا التوراة و الإنجيل حتى درسا و ذهب ما فيهما من العلم. و جاء رجل إلى عمر فقال إن ضبي التميمي لقينا يا أمير المؤمنين فجعل يسألنا عن تفسير حروف من القرآن فقال اللهم أمكني منه فبينا عمر يوما جالس يغدي الناس إذ جاءه الضبيع و عليه ثياب و عمامة فتقدم فأكل حتى إذا فرغ قال يا أمير المؤمنين ما معنى قوله تعالى وَ الذَّارِياتِ ذَرْواً فَالْحامِلاتِ وِقْراً قال ويحك أنت هو فقام إليه فحسر عن ذراعيه فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته فإذا له ضفيرتان فقال و الذي نفس عمر بيده لو وجدتك محلوقا لضربت رأسك ثم أمر به فجعل في بيت ثم كان يخرجه كل يوم فيضربه مائة فإذا برأ أخرجه فضربه مائة أخرى ثم حمله على قتب و سيره إلى البصرة و كتب إلى أبي موسى يأمره أن يحرم على الناس مجالسته و أن يقوم في الناس خطيبا ثم يقول إن ضبيعا قد ابتغى العلم فأخطأه فلم يزل وضيعا في قومه و عند الناس حتى هلك و قد كان من قبل سيد قومه. و قال عمر على المنبر ألا إن أصحاب الرأي أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فأفتوا بآرائهم فضلوا و(13/82)


أضلوا ألا إنا نقتدي و لا نبتدي و نتبع و لا نبتدع إنه ما ضل متمسك بالأثر و روى زيد بن أسلم عن أبيه قال سمعت عمر يقول في الحج فيم الرملان الآن و الكشف عن المناكب و قد أظهر الله الإسلام و نفى الكفر و أهله و مع ذلك لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله ص.
شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 103مر عمر برجل فسلم عليه فرد عليه فقال ما اسمك قال جمرة قال أبو من قال أبو شهاب قال ممن قال من الحرقة قال و أين مسكنك قال بحرة النار قال بأيها قال بذات لظى فقال ويحك أدرك أهلك فقد احترقوا فمضى عليهم فوجدهم قد احترقوا. و روى الث بن سعد قال أتي عمر بفتى أمرد قد وجد قتيلا ملقى على وجه الطريق فسأل عن أمره و اجتهد فلم يقف له على خبر فشق عليه فكان يدعو و يقول اللهم أظفرني بقاتله حتى إذا كان رأس الحول أو قريبا من ذلك وجد طفل مولود ملقى في موضع ذلك القتيل فأتي به عمر فقال ظفرت بدم القتيل إن شاء الله تعالى فدفع الطفل إلى امرأة و قال لها قومي بشأنه و خذي منا نفقته و انظري من يأخذه منك فإذا وجدت امرأة تقبله و تضمه إلى صدرها فأعلميني مكانها فلما شب الصبي جاءت جارية فقالت للمرأة إن سيدتي بعثتني إليك لتبعثي إليها بهذا الصبي فتراه و ترده إليك قالت نعم اذهبي به إليها و أنا معك فذهبت بالصبي حتى دخلت على امرأة شابة فأخذت الصبي فجعلت تقبله و تفديه و تضمه إليها و إذا هي بنت شيخ من الأنصار من أصحاب رسول الله ص فجاءت المرأة و أخبرت عمر فاشتمل على سيفه و أقبل إلى منزلها فوجد أباها متكئا على الباب فقال له ما الذي تعلم من حال ابنتك قال أعرف الناس بحق الله و حق أبيها مع حسن صلاتها و صيامها و القيام بدينها فقال إني أحب أن أدخل إليها و أزيدها رغبة في الخير فدخل الشيخ ثم خرج فقال ادخل يا أمير المؤمنين فدخل و أمر أن يخرج كل من في الدار إلا أباها ثم سألها عن الصبي فلجلجت فقال لتصدقيني ثم انتضى السيف فقالت على رسلك يا أمير(13/83)


المؤمنين فو الله لأصدقنك إن عجوزا كانت تدخل علي فاتخذتها أما و كانت تقوم في أمري بما تقوم به الوالدة و أنا لها بمنزلة البنت شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 104فمكثت كذلك حينا ثم قالت إنه قد عرض ليفر و لي بنت أتخوف عليها بعدي الضيعة و أنا أحب أن أضمها إليك حتى أرجع من سفري ثم عمدت إلى ابن لها أمرد فهيأته و زينته كما تزين المرأة و أتتني به و لا أشك أنه جارية فكان يرى مني ما ترى المرأة من المرأة فاغتفلني يوما و أنا نائمة فما شعرت به حتى علاني و خالطني فمددت يدي إلى شفرة كانت عندي فقتلته ثم أمرت به فألقي حيث رأيت فاشتملت منه على هذا الصبي فلما وضعته ألقيته في موضع أبيه هذا و الله خبرهما على ما أعلمتك فقال عمر صدقت بارك الله فيك ثم أوصاها و وعظها و خرج و كان عمر يقول لو أدركت عروة و عفراء لجمعت بينهما. ذكر عمرو بن العاص يوما عمر فترحم عليه و قال ما رأيت أحدا أتقي منه و لا أعمل بالحق منه لا يبالي على من وقع الحق من ولد أو والد إني لفي منزلي بمصر ضحى إذ أتاني آت فقال قدم عبد الله و عبد الرحمن ابنا عمر غازيين فقلت أين نزلا قال في موضع كذا لأقصى مصر و قد كان عمر كتب إلي إياك و أن يقدم عليك أحد من أهل بيتي فتجيزه أو تحبوه بأمر لا تصنعه بغيره فافعل بك ما أنت أهله فضقت ذرعا بقدومهما و لا أستطيع أن أهدي لهما و لا أن آتيهما في منزلهما خوفا من أبيهما فو الله إني لعلى ما أنا عليه و إذا قائل يقول هذا عبد الرحمن بن عمر بالباب و أبو سروعة يستأذنان عليك فقلت يدخلان فدخلا و هما منكسران فقالا أقم علينا حد الله فإنا أصبنا الليلة شرابا فسكرنا فزبرتهما و طردتهما و قلت ابن أمير المؤمنين و آخر معه من أهل بدر فقال عبد الرحمن إن لم تفعل أخبرت أبي إذا قدمت عليه أنك لم تفعل فعلمت أني إن لم أقم عليهما الحد غضب عمر و عزلني فنحن على ما نحن عليه(13/84)


شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 105إذ دخل عبد الله بن عمر فقمت إليه و رحبت به و أردت أن أجلسه في صدر مجلسي فأبى علي و قال إن أبي نهاني أن أدخل عليك إلا ألا أجد من الدخول بدا و إني لم أجد من الدخول عليك بدا إن أخي لا يحلق على رءوس الناس أبدا فأما الضرب فاصنع بدا لك قال و كانوا يحلقون مع الحد فأخرجتهما إلى صحن الدار و ضربتهما الحد و دخل عبد الله بن عمر بأخيه عبد الرحمن إلى بيت من الدار فحلق رأسه و حلق أبا سروعة و الله ما كتبت إلى عمر بحرف مما كان و إذا كتابه قد ورد من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى العاصي ابن العاصي عجبت لك يا ابن العاصي و لجرأتك علي و مخالفتك عهدي أما إني خالفت فيك أصحاب بدر و من هو خير منك و اخترتك و أنت الخامل و قدمتك و أنت المؤخر و أخبرني الناس بجرأتك و خلافك و أراك كما أخبروا و ما أراني إلا عازلك فمسي ء عزلك ويحك تضرب عبد الرحمن بن عمر فيداخل بيتك و تحلق رأسه في داخل بيتك و قد عرفت أن في هذا مخالفتي و إنما عبد الرحمن رجل من رعيتك تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين و لكن قلت هو ولد أمير المؤمنين و قد عرفت ألا هوادة لأحد من الناس عندي في حق يجب لله عز و جل فإذا جاءك كتابي هذا فابعث به في عباءة على قتب حتى يعرف سوء ما صنع قال فبعثت به كما قال أبوه و أقرأت أخاه عبد الله كتاب أبيهما و كتبت إلى عمر كتابا أعتذر فيه و أخبرته أني ضربته في صحن الدار و حلفت بالله الذي لا يحلف بأعظم منه أنه الموضع الذي أقيم فيه الحدود على المسلم و الذمي و بعثت بالكتاب مع عبد الله بن عمر فذكر أسلم مولى عمر قال قدم عبد الله بأخيه عبد الرحمن على أبيهما فدخل عليه في عباءة و هو لا يقدر على المشي من مركبه فقال يا عبد الرحمن فعلت و فعلت السياط السياط فكلمه شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 106عبد الرحمن بن عوف و قال يا أمير المؤمنيند أقيم عليه الحد مرة فلم يلتفت إليه و زبره فأخذته السياط و جعل يصيح(13/85)

31 / 147
ع
En
A+
A-