شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 94و روى زيد بن أسلم عن أبيه أن نفرا من المسلمين كلموا عبد الرحمن بن عوف فقالوا كلم لنا عمر بن الخطاب فقد و الله أخشانا حتى لا نستطيع أن نديم إليه أبصارنا فذكر عبد الرحمن له ذلك فقال أ و قد قالوا ذلك و الله لقد لنت لهم حتى تخوفالله في أمرهم و قد تشددت عليهم حتى خفت الله في أمرهم و أنا و الله أشد فرقا لله منهم لي. و روى جابر بن عبد الله قال قال رجل لعمر يا خليفة الله قال خالف الله بك قال جعلني الله فداك قال إذن يهينك الله. و روى أبو جعفر قال استشار عمر في أمر المال كيف يقسمه فقال له علي بن أبي طالب ع تقسم كل سنة ما اجتمع معك من المال و لا تمسك منه شيئا و قال عثمان بن عفان أرى مالا كثيرا يسع الناس و إن لم يحصوا حتى يعرف من أخذ ممن لم يأخذ خشيت أن ينتشر الأمر فقال الوليد بن هشام بن المغيرة يا أمير المؤمنين قد جئت الشام فرأيت ملوكها قد دونوا ديوانا و جندوا جنودا و فرضوا لهم أرزاقا فأخذ بقوله فدعا عقيل بن أبي طالب و مخرمة بن نوفل و جبير بن مطعم و كانوا نساب قريش و قال اكتبوا الناس على منازلهم فكتبوا فبدءوا ببني هاشم ثم أتبعوهم أبا بكر و قومه ثم عمر و قومه على ترتيب الخلافة فلما نظر إليه قال وددت أنه كان هكذا لكن ابدأ بقرابة النبي ص الأقرب فالأقرب حتى تضعوا عمر حيث وضعه الله. قال أبو جعفر جاءت بنو عدي إلى عمر فقالوا له يا عمر أنت خليفة رسول الله شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 95ص قال أو خليفة أبي بكر و أبو بكر خليفة رسول الله ص قالوا و ذاكلو جعلت نفسك حيث جعلك هؤلاء القوم فقال بخ بخ يا بني عدي أردتم الأكل على ظهري و أن أذهب حسناتي لكم لا و الله و لو كتبتم آخر الناس إن لي صاحبين سلكا طريقا فإن أنا خالفتهما خولف بي و الله ما أدركنا الفضل في الدنيا إلا بمحمد و لا نرجو ما نرجو من الآخرة و ثوابها إلا بمحمد ص فهو شرفنا و قومه أشرف العرب ثم الأقرب منه فالأقرب و(13/76)


ما بيننا و بين أن نلقاه ثم لا نفارقه إلى آدم إلا آباء يسيرة و الله لئن جاءت الأعاجم بالأعمال و جئنا بغير عمل فإنهم أولى بمحمد ص منا يوم القيامة لا ينظرن رجل إلى قرابته و ليعمل بما عند الله فإن من قصر به عمله لم يسرع به نسبه. و روى السائب بن يزيد قال سمعت عمر بن الخطاب يقول و الله ما من أحد إلا له في هذا المال حق أعطيه أو منعه و ما أحد أحق به من أحد إلا عبد مملوك و ما أنا فيه إلا كأحدكم و لكنا على منازلنا من كتاب الله و قسمنا من رسول الله ص فالرجل و بلاؤه في الإسلام و الرجل و غناؤه و الرجل و حاجته و الله لئن بقيت ليأتين الراعي بجبل صنعاء حظه من المال و هو مكانه. و روى نافع مولى آل الزبير قال سمعت أبا هريرة يقول رحم الله ابن حنتمة لقد رأيته عام الرمادة و إنه ليحمل على ظهره جرابين و عكة زيت في يده و إنه ليعتقب هو و أسلم فلما رآني قال من أين يا أبا هريرة قلت قريبا فأخذت(13/77)


شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 96أعقبه فحملناه حتى انتهينا إلى ضرار فإذا صرم من نحو عشرين بيتا من محارب فقال عمر ما أقدمكم قالوا الجهد و أخرجوا لنا جلد الميتة مشويا كانوا يأكلونه و رمة العظام مسحوقة كانوا يستفونها فرأيت عمر طرح رداءه ثم برز فما زال يطبخ لهمتى شبعوا و أرسل أسلم إلى المدينة فجاء بأبعرة فحملهم عليها ثم أنزلهم الجبانة ثم كساهم و كان يختلف إليهم و إلى غيرهم حتى كفى الله ذلك. و روى راشد بن سعد أن عمر أتي بمال فجعل يقسم بين الناس فازدحموا عليه فأقبل سعد بن أبي وقاص يزاحم الناس حتى خلص إليه فعلاه عمر بالدرة و قال إنك أقبلت لا تهابن سلطان الله في الأرض فأحببت بأن أعلمك أن سلطان الله لا يهابك. و قالت الشفاء ابنة عبد الله و رأت فتيانا من النساك يقتصدون في المشي و يتكلمون رويدا ما هؤلاء فقيل نساك فقالت كان عمر بن الخطاب هو الناسك حقا و كان إذا تكلم أسمع و إذا مشى أسرع و إذا ضرب أوجع. أعان عمر رجلا على حمل شي ء فدعا له الرجل و قال نفعك بنوك يا أمير المؤمنين قال بل أغناني الله عنهم. و من كلامه القوة في العمل ألا يؤخر عمل اليوم لغد و الأمانة ألا تخالف سريرتك علانيتك و التقوى بالتوقي و من يتق الله يقه. شرح ج البلاغة ج : 12 ص : 97و قال عمر كنا نعد المقرض بخيلا إنما كانت المواساة. أتى رهط إلى عمر فقالوا يا أمير المؤمنين كثر العيال و اشتدت المئونة فزدنا في أعطياتنا فقال فعلتموها جمعتم بين الضرائر و اتخذتم الخدم من مال الله أما لوددت أني و إياكم في سفينتين في لة البحر تذهب بنا شرقا و غربا فلن يعجز الناس أن يولوا رجلا منهم فإن استقام اتبعوه و إن جنف قتلوه فقال طلحة و ما عليك لو قلت و إن أعوج عزلوه فقال القتل أرهب لمن بعده احذروا فتى قريش فإنه كريمها الذي لا ينام إلا على الرضا و يضحك عند الغضب و يتناول ما فوقه من تحته. و كان يقول في آخر أيامه عند تبرمه بالأمر و ضجره من الرعية(13/78)


اللهم ملوني و مللتهم و أحسست من نفسي و أحسوا مني و لا أدري بأينا يكون اللوت و قد أعلم أن لهم قتيلا منهم فاقبضني إليك. و ذكر قوم من الصحابة لعمر رجلا فقالوا فاضل لا يعرف الشر قال ذاك أوقع له فيه و روى الطبري في التاريخ أن عمر استعمل عتبة بن أبي سفيان على عمل فقدم منه بمال فقال له ما هذا يا عتبة قال مال خرجت به معي و تجرت فيه قال و ما لك تخرج المال معك إلى هذا الوجه فأخذ المال منه فصيره في بيت المال فلما قام عثمان قال لأبي سفيان شرح نهج البلاغة : 12 ص : 98إنك إن طلبت ما أخذه عمر من عتبة رددته عليك فقال له أبو سفيان إياك و ما هممت به إنك إن خالفت صاحبك قبلك ساء رأي الناس فيك إياك أن ترد على من كان قبلك فيرد عليك من بعدك. و روى الطبري أيضا أن هندا بنت عتبة بن ربيعة قامت إلى عمر فسألته أن يقرضها من بيت المال أربعة آلاف درهم تتجر فيها و تضمنها فخرجت بها إلى بلاد كلب فباعت و اشترت و بلغها أن أبا سفيان قد أتى معاوية يستميحه و معه ابنه عمرو بن أبي سفيان فعدلت إليه من بلاد كلب و كان أبو سفيان قد طلقها فقال معاوية ما أقدمك يا أمه قالت النظر إليك يا بني إنه عمر و إنما يعمل لله و قد أتاك أبوك فخشيت أن تخرج إليه من كل شي ء و أهل ذلك هو و لكن لا يعلم عمر من أين أعطيته فيؤنبوك و يؤنبك و لا تستقبلها أبدا فبعث معاوية إلى أبيه و أخيه مائة دينار و كساهما و حملهما فسخطها عمر فقال أبو سفيان لا تسخطها فإنها عطاء لم تب عنه هند و رجع هو و ابنه إلى المدينة فسأله عمر بكم أجازك معاوية فقال بمائة دينار فسكت عمر. و روى الأحنف قال أتى عبد الله بن عمير عمر و هو يقرض الناس فقال يا أمير المؤمنين أقرض لي فلم يلتفت إليه فنخسه فقال عمر حس و أقبل عليه فقال من أنت فقال عبد الله بن عمير و كان أبوه استشهد يوم حنين فقال يا يرفأ أعطه ستمائة فأعطاه ستمائة فلم يقبلها و رجع إلى عمر فأخبره فقال يا يرفأ أعطه(13/79)


شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 99ستمائة حلة فأعطاه فلبس الحلة التي كساه عمر و رمى ما كان عليه فقال له خذ ثيابك هذه فلتكن في مهنة أهلك و هذه لزينتك. و روى إياس بن سلمة عن أبيه قال مر عمر في السوق و معه الدرة فخفقني خفقة فأصاب طرف ثوبي و قال أمط عن الطريق فلمكان في العام المقبل لقيني فقال يا سلمة أ تريد الحج قلت نعم فأخذ بيدي و انطلق بي إلى منزله فأعطاني ستمائة درهم و قال استعن بها على حجك و اعلم أنها بالخفقة التي خفقتك فقلت يا أمير المؤمنين ما ذكرتها قال و أنا ما نسيتها. و خطب عمر فقال أيتها الرعية إن لنا عليكم حقا النصيحة بالغيب و المعاونة على الخير إنه ليس من حلم أحب إلى الله و لا أعم نفعا من حلم إمام و رفقه و ليس من جهل أبغض إلى الله من جهل إمام و خرفه أيها الرعية إنه من يأخذ بالعافية من بين ظهرانيه فوته الله العافية من فوقه. و روى الربيع بن زياد قال قدمت على عمر بمال من البحرين فصليت معه العشاء ثم سلمت عليه فقال ما قدمت به قلت خمسمائة ألف قال ويحك إنما قدمت بخمسين ألفا قلت بل خمسمائة ألف قال كم يكون ذلك قلت مائة ألف و مائة ألف و مائة ألف حتى عددت خمسا فقال إنك ناعس ارجع إلى بيتك ثم اغد علي فغدوت عليه فقال ما جئت به قلت ما قلته لك قال كم هو قلت خمسمائة ألف قال أ طيب هو قلت نعم لا أعلم إلا ذلك فاستشار الصحابة فيه فأشير عليه بنصب الديوان فنصبه و قسم المال بين المسلمين ففضلت عنده فضلة شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 100فأصبح فجمع المهاجرين و الأنصار و فيهم علي بن أ طالب و قال للناس ما ترون في فضل فضل عندنا من هذا المال فقال الناس يا أمير المؤمنين إنا شغلناك بولاية أمورنا عن أهلك و تجارتك و صنعتك فهو لك فالتفت إلى علي فقال ما تقول أنت قال قد أشاروا عليك قال فقل أنت فقال له لم تجعل يقينك ظنا فلم يفهم عمر قوله فقال لتخرجن مما قلت قال أجل و الله لأخرجن منه أ تذكر حين بعثك رسول الله ص(13/80)

30 / 147
ع
En
A+
A-