شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 85لرسول الله ص و هم المنافقون من الناس و من في قلبه زيغ من أمر النبوة فأصفق الكل إصفاقا واحدا على صرف الأمر عنه لغيره و قال رؤساؤهم إنا خفنا الفتنة و علمنا أن العرب لا تطيعه و لا تتركه و تأولوا عند أنفسهم النص و لا ينكر النص والوا إنه النص و لكن الحاضر يرى ما لا يرى الغائب و الغائب قد يترك لأجل المصلحة الكلية و أعانهم على ذلك مسارعة الأنصار إلى ادعائهم الأمر و إخراجهم سعد بن عبادة من بيته و هو مريض لينصبوه خليفة فيما زعموا و اختلط الناس و كثر الخبط و كادت الفتنة أن تشتعل نارها فوثب رؤساء المهاجرين فبايعوا أبا بكر و كانت فلتة كما قال قائلهم و زعموا أنهم أطفئوا بها نائرة الأنصار فمن سكت من المسلمين و أغضى و لم يتعرض فقد كفاهم أمر نفسه و من قال سرا أو جهرا إن فلانا قد كان رسول الله ص ذكره أو نص عليه أو أشار إليه أسكتوه في الجواب بأنا بادرنا إلى عقد البيعة مخافة الفتنة و اعتذروا عنده ببعض ما تقدم إما أنه حديث السن أو تبغضه العرب لأنه وترها و سفك دماءها أو لأنه صاحب زهو و تيه أو كيف تجتمع النبوة و الخلافة في مغرس واحد بل قد قالوا في العذر ما هو أقوى من هذا و أوكد قالوا أبو بكر أقوى على هذا الأمر منه لا سيما و عمر يعضده و يساعده و العرب تحب أبا بكر و يعجبها لينه و رفقه و هو شيخ مجرب للأمور لا يحسده أحد و لا يحقد عليه أحد و لا يبغضه أحد و ليس بذي شرف في النسب فيشمخ على الناس بشرفه و لا بذي قربى من الرسول ص فيدل بقربه و دع ذا كله فإنه فضل مستغنى عنه قالوا لو نصبنا عليا ع ارتد الناس عن الإسلام و عادت الجاهلية كما كانت فأيما أصلح في الدين الوقوف مع النص المفضي إلى ارتداد الخلق و رجوعهم إلى الأصنام و الجاهلية أم العمل بمقتضى الأصلح و استبقاء الإسلام و استدامة العمل بالدين و إن كان فيه مخالفة النص. شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 86قال رحمه الله و سكت الناس عن(13/66)


الإنكار فإنهم كانوا متفرقين فمنهم من هو مبغض شانئ لعلي ع فالذي تم من صرف الأمر عنه هو قرة عينه و برد فؤاده و منهم ذو الدين و صحة اليقين إلا أنه لما رأى كبراء الصحابة قد اتفقوا على صرف الأمر ه ظن أنهم إنما فعلوا ذلك لنص سمعوه من رسول الله ص ينسخ ما قد كان سمعه من النص على أمير المؤمنين ع لا سيما ما
رواه أبو بكر من قول النبي ص الأئمة من قريش
فإن كثيرا من الناس توهموا أنه ناسخ للنص الخاص و إن معنى الخبر أنكم مباحون في نصب إمام من قريش من أي بطون قريش كان فإنه يكون إماما. و أكد أيضا في نفوسهم رفض النص الخاص ما سمعوه
من قول رسول الله ص ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن
و قوله ع سألت الله ألا يجمع أمتي على ضلال فأعطانيها فأحسنوا الظن بعاقدي البيعة(13/67)


و قالوا هؤلاء أعرف بأغراض رسول الله ص من كل أحد فأمسكوا و كفوا عن الإنكار و منهم فرقة أخرى و هم الأكثرون أعراب و جفاة و طغام أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح فهؤلاء مقلدون لا يسألون و لا ينكرون و لا يبحثون و هم مع أمرائهم و ولاتهم لو أسقطوا عنهم الصلاة الواجبة لتركوها فلذلك أمحق النص و خفي و درس و قويت كلمة العاقدين لبيعة أبي بكر و قواها زيادة على ذلك اشتغال علي و بني هاشم برسول الله ص و إغلاق بابهم عليهم و تخليتهم الناس يعملون ما شاءوا و أحبوا من غير مشاركة لهم فيما هم فيه لكنهم أرادوا استدراك ذلك بعد ما فات و هيهات الفائت لا رجعة له. و أراد علي ع بعد ذلك نقض البيعة فلم يتم له ذلك و كانت العرب لا ترى شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 87الغدر و لا تنقض البيعة صوابا كانت أو خطأ و قد قالت له الأنصار و غيرها أيها الرجل لو دعوتنا إلى نفسك قبل البيعة لما عدلنا بك أحدا وكنا قد بايعنا فكيف السبيل إلى نقض البيعة بعد وقوعها. قال النقيب و مما جرأ عمر على بيعة أبي بكر و العدول عن علي مع ما كان يسمعه من الرسول ص في أمره أنه أنكر مرارا على الرسول ص أمورا اعتمدها فلم ينكر عليه رسول الله ص إنكاره بل رجع في كثير منها إليه و أشار عليه بأمور كثيرة نزل القرآن فيها بموافقته فأطمعه ذلك في الإقدام على اعتماد كثير من الأمور التي كان يرى فيها المصلحة مما هي خلاف النص و ذلك نحو إنكاره عليه في الصلاة على عبد الله بن أبي المنافق و إنكاره فداء أسارى بدر و إنكاره عليه تبرج نسائه للناس و إنكاره قضية الحديبية و إنكاره أمان العباس لأبي سفيان بن حرب و إنكاره واقعة أبي حذيفة بن عتبة و إنكاره أمره بالنداء
من قال لا إله إلا الله دخل الجنة(13/68)


و إنكاره أمره بذبح النواضح و إنكاره على النساء بحضرة رسول الله ص هيبتهن له دون رسول الله ص إلى غير ذلك من أمور كثيرة تشتمل عليها كتب الحديث و لو لم يكن إلا إنكاره قول رسول الله ص في مرضه
ائتوني بدواة و كتف أكتب لكم ما لا تضلون بعدي
و قوله ما قال و سكوت رسول الله ص عنه و أعجب الأشياء أنه قال ذلك اليوم حسبنا كتاب الله فافترق الحاضرون من المسلمين في الدار فبعضهم يقول القول ما قال رسول الله ص و بعضهم يقول القول ما قال عمر فقال رسول الله و قد كثر اللغط و علت الأصوات
قوموا عني فما ينبغي لنبي أن يكون عنده هذا التنازع(13/69)


فهل بقي للنبوة مزية أو فضل إذا كان الاختلاف قد وقع بين القولين و ميل شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 88المسلمون بينهما فرجح قوم هذا و قوم هذا فليس ذلك دالا على أن القوم سووا بينه و بين عمر و جعلوا القولين مسألة خلاف ذهب كل فريق إلى نصرة واحد منهما كما يختلف اان من عرض المسلمين في بعض الأحكام فينصر قوم هذا و ينصر ذاك آخرون فمن بلغت قوته و همته إلى هذا كيف ينكر منه أنه يبايع أبا بكر لمصلحة رآها و يعدل عن النص و من الذي كان ينكر عليه ذلك و هو في القول الذي قاله للرسول ص في وجهه غير خائف من الأنصار و لا ينكر عليه أحد لا رسول الله ص و لا غيره و هو أشد من مخالفة النص في الخلافة و أفظع و أشنع قال النقيب على أن الرجل ما أهمل أمر نفسه بل أعد أعذارا و أجوبة و ذلك لأنه قال لقوم عرضوا له بحديث النص أن رسول الله ص رجع عن ذلك بإقامته أبا بكر في الصلاة مقامه و أوهمهم أن ذلك جار مجرى النص عليه بالخلافة و قال يوم السقيفة أيكم يطيب نفسا أن يتقدم قدمين قدمهما رسول الله ص في الصلاة ثم أكد ذلك بأن قال لأبي بكر و قد عرض عليه البيعة أنت صاحب رسول الله ص في المواطن كلها شدتها و رخائها رضيك لديننا أ فلا نرضاك لدنيانا. ثم عاب عليا بخطبته بنت أبي جهل فأوهم أن رسول الله ص كرهه لذلك و وجد عليه و أرضاه عمرو بن العاص فروى حديثا افتعله و اختلقه على رسول الله
قال سمعته يقول إن آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء إنما وليي الله و صالح المؤمنين
فجعلوا ذلك كالناسخ لقوله ص من كنت مولاه فهذا مولاه(13/70)

28 / 147
ع
En
A+
A-