يعدل بي عنه و هل طفحت حرة مثله قالوا فلو دعوت به يا أمير المؤمنين قال هيهات إن هناك شمخا من هاشم و أثرة من علم و لحمة من رسول الله ص يؤتى و لا يأتي فامضوا بنا إليه فانقصفوا نحوه و أفضوا إليه فألفوه في حائط له عليه تبان و هو يتركل على مسحاته و يقرأ أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً إلى آخر السورة و دموعه تهمي على خديه فأجهش الناس لبكائه فبكوا ثم سكت و سكتوا فسأله عمر عن تلك الواقعة فأصدر جوابها فقال عمر أما شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 80و الله لقد أرادك الحق و لكن أبى قومك فقال يا أبا حفص خفض عليك من هنا و من هنا إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً فوضع عمر إحدى يديه علىلأخرى و أطرق إلى الأرض و خرج كأنما ينظر في رماد. قلت أجدر بهذا الخبر أن يكون موضوعا و فيه ما يدل على ذلك من كون عمر أتى عليا يستفتيه في المسألة و الأخبار كثيرة بأنه ما زال يدعوه إلى منزله و إلى المسجد و أيضا فإن عليا لم يخاطب عمر منذ ولي الخلافة بالكنية و إنما كان يخاطبه بإمرة المؤمنين هكذا تنطق كتب الحديث و كتب السير و التواريخ كلها. و أيضا فإن هذا الخبر لم يسند إلى كتاب معين و لا إلى راو معين بل ذكر ذلك أنه قرأه على ظهر كتاب فيكون مجهولا و الحديث المجهول غير الصحيح. فأما ثناء عمر على أمير المؤمنين فصحيح غير منكر و في الروايات منه الكثير الواسع و لكنا أنكرنا هذا الخبر بعينه خاصة و قد روي عن ابن عباس أيضا قال دخلت على عمر يوما فقال يا ابن العباس لقد أجهد هذا الرجل نفسه في العبادة حتى نحلته رياء قلت من هو فقال هذا ابن عمك يعني عليا قلت و ما يقصد بالرياء أمير المؤمنين قال يرشح نفسه بين الناس للخلافة قلت و ما يصنع بالترشيح قد رشحه لها رسول الله ص فصرفت عنه قال إنه كان شابا حدثا فاستصغرت العرب سنه و قد كمل الآن أ لم تعلم أن الله تعالى لم يبعث نبيا إلا بعد الأربعين قلت يا أمير المؤمنين أما أهل الحجى و(13/61)
النهى فإنهم ما زالوا يعدونه كاملا منذ رفع الله منار الإسلام و لكنهم يعدونه محروما مجدودا فقال أما إنه سيليها بعد هياط و مياط ثم تزل فيها قدمه و لا يقضى منها أربه و لتكونن شاهدا ذلك يا عبد الله ثم يتبين الصبح لذي عينين و تعلم العرب صحة رأي المهاجرين الأولين
شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 81الذين صرفوها عنه بادئ بدء فليتني أراكم بعدي يا عبد الله إن الحرص محرمة و إن دنياك كظلك كلما هممت به ازداد عنك بعدا. نقلت هذا الخبر من أمالي أبي جعفر محمد بن حبيب رحمه الله. و نقلت منه أيضا ما رواه عن ابن عباس قال تبرم عمر بالافة في آخر أيامه و خاف العجز و ضجر من سياسة الرعية فكان لا يزال يدعو الله بأن يتوفاه فقال لكعب الأحبار يوما و أنا عنده إني قد أحببت أن أعهد إلى من يقوم بهذا الأمر و أظن وفاتي قد دنت فما تقول في علي أشر علي في رأيك و أذكرني ما تجدونه عندكم فإنكم تزعمون أن أمرنا هذا مسطور في كتبكم فقال أما من طريق الرأي فإنه لا يصلح إنه رجل متين الدين لا يغضي على عورة و لا يحلم عن زلة و لا يعمل باجتهاد رأيه و ليس هذا من سياسة الرعية في شي ء و أما ما نجده في كتبنا فنجده لا يلي الأمر و لا ولده و إن وليه كان هرج شديد قال كيف ذك قال لأنه أراق الدماء فحرمه الله الملك إن داود لما أراد أن يبني حيطان بيت المقدس أوحى الله إليه إنك لا تبنيه لأنك أرقت الدماء و إنما يبنيه سليمان فقال عمر أ ليس بحق أراقها قال كعب و داود بحق أراقها يا أمير المؤمنين قال فإلى من يفضي الأمر تجدونه عندكم قال نجده ينتقل بعد صاحب الشريعة و الاثنين من أصحابه إلى أعدائه الذين حاربهم و حاربوه و حاربهم على الدين فاسترجع عمر مرارا و قال أ تستمع يا ابن عباس أما و الله لقد سمعت من رسول الله ما يشابه هذا
سمعته يقول ليصعدن بنو أمية على منبري و لقد أريتهم في منامي ينزون عليه نزو القردة(13/62)
و فيهم أنزل وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 82و قد روى الزبير بن بكار في الموفقيات ما يناسب هذا عن المغيرة بن شعبة قال قال لي عمر يوما يا مغيرهل أبصرت بهذه عينك العوراء منذ أصيبت قلت لا قال أما و الله ليعورن بنو أمية الإسلام كما أعورت عينك هذه ثم ليعمينه حتى لا يدري أين يذهب و لا أين يجي ء قلت ثم ما ذا يا أمير المؤمنين قال ثم يبعث الله تعالى بعد مائة و أربعين أو بعد مائة و ثلاثين وفدا كوفد الملك طيبة ريحهم يعيدون إلى الإسلام بصره و شتاته قلت من هم يا أمير المؤمنين قال حجازي و عراقي و قليلا ما كان و قليلا ما دام. و روى أبو بكر الأنباري في أماليه أن عليا ع جلس إلى عمر في المسجد و عنده ناس فلما قام عرض واحد بذكره و نسبه إلى التيه و العجب فقال عمر حق لمثله أن يتيه و الله لو لا سيفه لما قام عمود الإسلام و هو بعد أقضى الأمة و ذو سابقتها و ذو شرفها فقال له ذلك القائل فما منعكم يا أمير المؤمنين عنه قال كرهناه على حداثة السن و حبه بني عبد المطلب. قلت سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن محمد بن أبي زيد و قد قرأت عليه هذه الأخبار فقلت له ما أراها إلا تكاد تكون دالة على النص و لكني أستبعد أن يجتمع الصحابة على دفع نص رسول الله ص على شخص بعينه كما استبعدنا من الصحابة على رد نصه على الكعبة و شهر رمضان و غيرهما من معالم الدين فقال لي رحمه الله أبيت إلا ميلا إلى المعتزلة ثم قال إن القوم لم يكونوا يذهبون في الخلافة إلى أنها من معالم الدين و أنها جارية مجرى العبادات الشرعية كالصلاة و الصوم و لكنهم كانوا يجرونها مجرى الأمور الدنيوية و يذهبون لهذا مثل تأمير الأمراء و تدبير الحروب و سياسة الرعية و ما كانوا يبالون في أمثال هذا من مخالفة نصوصه ص إذا رأوا المصلحة في(13/63)
شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 83غيرها أ لا تراه كيف نص على إخراج أبي بكر و عمر في جيش أسامة و لم يخرجا لما رأيا أن في مقامهما مصلحة للدولة و للملة و حفظا للبيضة و دفعا للفتنة و قد كان رسول الله ص يخالف و هو حي في أمثال ذلك فلا ينكره و لا يرى به بأسا أ لست لم أنه نزل في غزاة بدر منزلا على أن يحارب قريشا فيه فخالفته الأنصار و قالت له ليس الرأي في نزولك هذا المنزل فاتركه و انزل في منزل كذا فرجع إلى آرائهم و هو الذي قال للأنصار عام قدم إلى المدينة لا تؤبروا النخل فعملوا على قوله فحالت نخلهم في تلك السنة و لم تثمر حتى قال لهم أنتم أعرف بأمر دنياكم و أنا أعرف بأمر دينكم و هو الذي أخذ الفداء من أسارى بدر فخالفه عمر فرجع إلى تصويب رأيه بعد أن فات الأمر و خلص الأسرى و رجعوا إلى مكة و هو الذي أراد أن يصالح الأحزاب على ثلث تمر المدينة ليرجعوا عنه فأتى سعد بن معاذ و سعد بن عبادة فخالفاه فرجع إلى قولهما و قد كان قال لأبي هريرة اخرج فناد في الناس من قال لا إله إلا الله مخلصا بها قلبه دخل الجنة فخرج أبو هريرة فأخبر عمر بذلك فدفعه في صدره حتى وقع على الأرض فقال لا تقلها فإنك إن تقلها يتكلوا عليها و يدعوا العمل فأخبر أبو هريرة رسول الله ص بذلك فقال لا تقلها و خلهم يعملون فرجع إلى قول عمر و قد أطبقت الصحابة إطباقا واحدا على ترك كثير من النصوص لما رأوا المصلحة في ذلك كإسقاطهم سهم ذوي القربى و إسقاط سهم المؤلفة قلوبهم و هذان الأمران أدخل في باب الدين منهما في باب الدنيا و قد عملوا بآرائهم أمورا لم يكن لها ذكر في الكتاب و السنة كحد الخمر فإنهم عملوه اجتهادا و لم يحد رسول الله ص شاربي الخمر و قد شربها الجم الغفير في زمانه بعد نزول آية التحريم و لقد كان أوصاهم في مرضه شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 84أن أخرجوا نصارى نجران من جزيرة العرفلم يخرجوهم حتى مضى صدر من خلافة عمر و عملوا في أيام أبي بكر برأيهم(13/64)
في ذلك باستصلاحهم و هم الذين هدموا المسجد بالمدينة و حولوا المقام بمكة و عملوا بمقتضى ما يغلب في ظنونهم من المصلحة و لم يقفوا مع موارد النصوص حتى اقتدى بهم الفقهاء من بعد فرجح كثير منهم القياس على النص حتى استحالت الشريعة و صار أصحاب القياس أصحاب شريعة جديدة. قال النقيب و أكثر ما يعملون بآرائهم فيما يجري مجرى الولايات و التأمير و التدبير و تقرير قواعد الدولة و ما كانوا يقفون مع نصوص الرسول ص و تدبيراته إذا رأوا المصلحة في خلافها كأنهم كانوا يقيدون نصوصه المطلقة بقيد غير مذكور لفظا و كأنهم كانوا يفهمونه من قرائن أحواله و تقدير ذلك القيد افعلوا كذا إن رأيتموه مصلحة. قال و أما مخالفتهم له فيما هو محض الشرع و الدين و ليس بمتعلق بأمور الدنيا و تدبيراتها فإنه يقل جدا نحو أن يقول الوضوء شرط في الصلاة فيجمعوا على رد ذلك و يجيزوا الصلاة من غير وضوء أو يقول صوم شهر رمضان واجب فيطبقوا على مخالفة ذلك و يجعلوا شوالا عوضا عنه فإنه بعيد إذ لا غرض لهم فيه و لا يقدرون على إظهار مصلحة عثروا عليها خفيت عنه ص و القوم الذين كانوا قد غلب على ظنونهم أن العرب لا تطيع عليا ع فبعضها للحسد و بعضها للوتر و الثأر و بعضها لاستحداثهم سنه و بعضها لاستطالته عليهم و رفعه عنهم و بعضها كراهة اجتماع النبوة و الخلافة في بيت واحد و بعضها للخوف من شدة وطأته و شدته في دين الله و بعضها خوفا لرجاء تداول قبائل العرب الخلافة إذا لم يقتصر بها على بيت مخصوص عليه فيكون رجاء كل حي لوصولهم إليها ثابتا مستمرا و بعضها ببغضه لبغضهم من قرابته(13/65)