فاجهدا جهدكما لا رعى الله عليكما إن رعيتما. فذهبا إلى أبي بكر و هما يتذمران فقالا و الله ما ندري أنت أمير أم عمر فقال بل هو لو شاء كان. و جاء عمر و هو مغضب حتى وقف على أبي بكر فقال أخبرني عن هذه الأرض التي أقطعتها هذين الرجلين أ هي لك خاصة أم بين المسلمين عامة فقال بين المسلمين عامة قال فما حملك على أن تخص بها هذين دون جماعة المسلمين قال استشرت الذين حولي فأشاروا بذلك فقال أ فكل المسلمين أوسعتهم مشورة و رضا فقال أبو بكر فلقد كنت قلت لك إنك أقوى على هذا الأمر مني لكنك غلبتني. لما كتب النبي ص كتاب الصلح في الحديبية بينه و بين سهيل بن عمرو كان في الكتاب أن من خرج من المسلمين إلى قريش لا يرد و من خرج من المشركين إلى النبي ص يرد عليهم فغضب عمر و قال لأبي بكر ما هذا يا أبا بكر أ يرد المسلمون إلى المشركين ثم جاء إلى رسول الله ص فجلس بين يديه و قال يا رسول الله أ لست رسول الله حقا قال بلى قال و نحن المسلمون حقا قال نعم قال و هم الكافرون حقا قال نعم قال فعلام نعطي الدنية في ديننا فقال رسول الله أنا رسول الله أفعل ما يأمرني به و لن يضيعني. فقام عمر مغضبا و قال لو أجد أعوانا ما أعطيت الدنية أبدا و جاء إلى أبي بكر(13/46)
شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 60فقال له يا أبا بكر أ لم يكن وعدنا أننا سندخل مكة فأين ما وعدنا به فقال أبو بكر أ قال لك إنه العام يدخلها قال لا قال فسيدخلها فقال فما هذه الصحيفة التي كتبت و كيف نعطي الدنية من أنفسنا فقال أبو بكر يا هذا الزم غرزه فو الله إنلرسول الله و إن الله لا يضيعه. فلما كان يوم الفتح و أخذ رسول الله ص مفتاح الكعبة قال ادعوا لي عمر فجاء فقال هذا الذي كنت وعدتكم به. لما قتل المشركون يوم بدر أسر منهم سبعون أسيرا فاستشار رسول الله ص فيهم أبا بكر و عمر فقال أبو بكر يا رسول الله هؤلاء بنو العم و العشيرة و الإخوان و أرى أن تأخذ منهم الفدية فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا على المشركين و عسى أن يهديهم الله بعد اليوم فيكونوا لنا عذرا فقال رسول الله ص ما تقول أنت يا عمر قال أرى أن تمكنني من فلان قريب لعمر فأضرب عنقه و تمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه و تمكن حمزة من أخيه فيضرب عنقه حتى يعلم الله أنه ليس في قلوبنا هوادة للمشركين اقتلهم يا رسول الله فإنهم صناديدهم و قادتهم فلم يهو رسول الله ما قاله عمر. قال عمر فجئت رسول الله ص فوجدته قاعدا و أبو بكر و هما يبكيان فقلت ما يبكيكما حدثاني فإن وجدت بكاء بكيت و إلا تباكيت فقال رسول الله ص أبكي لأخذ الفداء لقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه. شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 61قال عبد الله بن عمر فكان رسول الله ص يقول كدنا أن يصيبنا شر في مخالفة عمر. و قال عمر في خلافته لئن عشت إن شاء الله لأسيرن في الرة حولا فإني أعلم أن للناس حوائج تقتطع دوني أما عمالهم فلا يرفعونها إلي و أما هم فلا يصلون إلي أسير إلى الشام فأقيم بها شهرين ثم أسير إلى الجزيرة فأقيم بها شهرين ثم أسير إلى مصر فأقيم بها شهرين ثم أسير إلى البحرين فأقيم بها شهرين ثم أسير إلى الكوفة فأقيم بها شهرين ثم إلى البصرة فأقيم بها شهرين و الله لنعم الحول هذا. و قال(13/47)
أسلم بعثني عمر بإبل من إبل الصدقة إلى الحمى فوضعت جهازي على ناقة منها كريمة فلما أردت أن أصدرها قال أعرضها علي فعرضتها عليه فرأى متاعي على ناقة حسناء فقال لا أم لك عمدت إلى ناقة تغني أهل بيت من المسلمين فهلا ابن لبون بوال أو ناقة شصوص. و قيل لعمر إن هاهنا رجلا من الأحبار نصرانيا له بصر بالديوان لو اتخذته كاتبا فقال لقد اتخذت إذا بطانة من دون المؤمنين. قال و قد خطب الناس و الذي بعث محمدا بالحق لو أن جملا هلك ضياعا بشط الفرات خشيت أن يسأل الله عنه آل الخطاب. شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 62قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم يعني بآل الخطاب نفسه ما يعني غيرها. و كتب إلى أبي موسى أنه لم يزل للناس وجوه من الأمر فأكرم من قبلك من وجوه الناس و بحسب المسلم الضعيف من بين القوم أن ينصف في الحكم و في القسم. أتأعرابي عمر فقال إن ناقتي بها نقبا و دبرا فاحملني فقال له و الله ما ببعيرك من نقب و لا دبر فقال
أقسم بالله أبو حفص عمر ما مسها من نقب و لا دبرفاغفر له اللهم إن كان فجر
فقال عمر اللهم اغفر لي ثم دعاه فحمله. جاء رجل إلى عمر و كانت بينهما قرابة يسأله فزبره و أخرجه فكلم فيه و قيل يا أمير المؤمنين زبرته و أخرجته قال إنه سألني من مال الله فما معذرتي إذا لقيته ملكا خائنا فلو سألني من مالي ثم بعث إليه ألف درهم من ماله. شرح نهجلبلاغة ج : 12 ص : 63و كان يقول في عماله اللهم إني لم أبعثهم ليأخذوا أموال المسلمين و لا ليضربوا أبشارهم من ظلمه أميره فلا إمرة عليه دوني بينا عمر ذات ليلة يعس سمع صوت امرأة من سطح و هي تنشد(13/48)
تطاول هذا الليل و أزور جانبه و ليس إلى جنبي خليل ألاعبه فو الله لو لا الله تخشى عواقبه لزعزع من هذا السرير جوانبه مخافة ربي و الحياء يصدني و أكرم بعلي أن تنال مراكبه و لكنني أخشى رقيبا موكلا بأنفسنا لا يفتر الدهر كاتفقال عمر لا حول و لا قوة إلا بالله ما ذا صنعت يا عمر بنساء المدينة ثم جاء فضرب على حفصة ابنته فقالت ما جاء بك في هذه الساعة قال أخبريني كم تصبر المرأة المغيبة عن بعلها قالت أقصاه أربعة أشهر. فلما أصبح كتب إلى أمرائه في جميع النواحي ألا تجمر البعوث و ألا يغيب رجل عن أهله أكثر من أربعة أشهر. و روى أسلم قال كنت مع عمر و هو يعس بالمدينة إذ سمع امرأة تقول لبنتها قومي يا بنية إلى ذلك اللبن بعد المشرقين فامذقيه قالت أ و ما علمت ما كان من عزمة أمير المؤمنين بالأمس قالت و ما هو قالت إنه أمر مناديا فنادى ألا يشاب اللبن بالماء قالت فإنك بموضع لا يراك أمير المؤمنين و لا منادي أمير المؤمنين قالت شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 64و الله ما كنت لأطيعه في الملأ و أعصيه في الخلاء و عمر يسمع ذلك فقال يا أسلم اعرف الباب ثم مضى في عسه فلما أصبح قال يا أسلم امض إلى الموضع فانظر من قائلة و من المقول لها و هل لهما من بعل قال أسلم فأتيت الموضع فنظرت فإذا الجارية أيم و إذا المتكلمة بنت لها ليس لهما رجل. فجئت فأخبرته فجمع عمر ولده و قال هل يريد أحد أن يتزوج فأزوجه امرأة صالحة فتاة و لو كان في أبيكم حركة إلى النساء لم يسبقه أحد إليها فقال عاصم ابنه أنا فبعث إلى الجارية فزوجها ابنه عاصما فولدت له بنتا هي المكناة أم عاصم و هي أم عمر بن عبد العزيز بن مروان. حج عمر فلما كان بضجنان قال لا إله إلا الله العلي العظيم المعطي ما يشاء لمن يشاء أذكر و أنا أرعى إبل الخطاب بهذا الوادي في مدرعة صوف و كان فظا يتعبني إذا عملت و يضربني إذا قصرت و قد أمسيت اليوم و ليس بيني و بين الله أحد ثم تمثل(13/49)
لا شي ء مما يرى تبقى بشاشته يبقى الإله و يودي المال و الولدلم تغن عن هرمز يوما خزائنه و الخلد قد حاولت عاد فما خلدواو لا سليمان إذ تجري الرياح له و الإنس و الجن فيما بينها يردأين الملوك التي كانت منازلها من كل أوب إليها راكب يفدحوض هنالك مورود بلا كذب لا د من ورده يوما كما وردوا
شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 65و روى محمد بن سيرين أن عمر في آخر أيامه اعتراه نسيان حتى كان ينسى عدد ركعات الصلاة فجعل أمامه رجلا يلقنه فإذا أومى إليه أن يقوم أو يركع فعل. و سمع عمر منشدا ينشد قول طرفهفلو لا ثلاث هن من عيشه الفتى و جدك لم أحفل متى قام عودي فمنهن سبقي العاذلات بشربه كميت متى ما تعل بالماء تزبدو كري إذا نادى المضاف محنبا كسيد الغضا نبهته المتوسدو تقصير يوم الدجن و الدجن معجب ببهكنة تحت الطراف الممددفقال و أنا لو لا ثلاث هن من عيشه الفتى لم أحفل متى قام عودي أن أجاهد في سبيل الله و أن أضع وجهي في التراب لله و أن أجالس قوما يلتقطون طيب القول كما يلتقط طيب التمر. و روى عبد الله بن بريدة قال كان عمر ربما يأخذ بيد الصبي فيقول ادع لي فإنك لم تذنب بعد و كان عمر كثير المشاورة كان يشاور في أمور المسلمين حتى المرأة. و روى يحيى بن سعيد قال أمر عمر الحسين بن علي ع أن يأتيه شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 66في بعض الحاجة فلقي الحسين ع عبد الله بن عمر فسأله من أين جاء قال استأذنت على أبي فلم يأذن لي فرجع الحسين و لقيهمر من الغد فقال ما منعك يا حسين أن تأتيني قال قد أتيتك و لكن أخبرني ابنك عبد الله أنه لم يؤذن له عليك فرجعت فقال عمر و أنت عندي مثله و هل أنبت الشعر على الرأس غيركم. قال عمر يوما و الناس حوله و الله ما أدري أ خليفة أنا أم ملك فإن كنت ملكا فقد ورطت في أمر عظيم فقال له قائل يا أمير المؤمنين إن بينهما فرقا و إنك إن شاء الله لعلى خير قال كيف قال إن الخليفة لا يأخذ إلا حقا و لا يضعه إلا في حق و(13/50)