جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب فقالت يا أمير المؤمنين إن زوجي يصوم شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 47النهار و يقوم الليل و إني أكره أن أشكوه و هو يعمل بطاعة الله فقال نعم الزوج زوجك فجعلت تكرر عليه القول و هو يكرر عليها الجواب. فقال له كعب بن سور يا أمير المؤمنين إنها تشكو زوجها في مباعدته إياها فراشه ففطن عمر حينئذ و قال له قد وليتك الحكم بينهما. فقال كعب علي بزوجها فأتي به فقال إن زوجتك هذه تشكوك قال في طعام أو شراب قال لا قالت المرأة
أيها القاضي الحكيم رشده ألهى خليلي عن فراشي مسجده زهده في مضجعي تعبده نهاره و ليله ما يرقده فلست في أمر النساء أحمدفقال زوجها
زهدني في فرشها و في الحجل أني امرؤ أذهلني ما قد نزل في سورة النمل و في السبع الطول و في كتاب الله تخويف جللقال كعب(13/36)


إن لها حقا عليك يا رجل تصيبها من أربع لمن عقل فأعطها ذاك و دع عنك العللفقال لعمر يا أمير المؤمنين إن الله أحل له من النساء مثنى و ثلاث و رباع فله ثلاثة أيام و لياليهن يعبد فيها ربه و لها يوم و ليلة. فقال عمر و الله ما أعلم من أي أمريك أعجب أ من فهمك أمرهما أم من حكمك بينهما اذهب فقد وليتك قضاء البصرة. و روى زيد بن أسلم عن أبيه قال خرجت مع عمر بن الخطاب و هو يطوف بالليل شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 48فنظر إلى نار شرقي حرة المدينة فقال إن هؤلاء الركب لم ينزلوا هاهنا إلا الليلة ثم أهوى لهم فخرجت معه حتى دنونا فسمعنا تضاغي الصبيان و بكاءهم. فقال السلام عليكم يا أصحاب الضوء هل ندنونكم و احتبسنا قليلا فقالت امرأة منهم ادنوا بسلام فأقبلنا حتى وقفنا عليها فقال ما يبكي هؤلاء الصبيان قالت الجوع قال فما هذا القدر على النار قالت ماء أعللهم به قال انتظريني فإني بالغك إن شاء الله ثم خرج يهرول و أنا معه حتى جئنا دار الدقيق و كانت دارا يطرح فيها ما يجي ء من دقيق العراق و مصر و قد كان كتب إلى عمرو بن العاص و أبي موسى حين أمحلت السنة الغوث الغوث احملوا إلى أحمال الدقيق و اجعلوا فيها جمائد الشحم فجاء إلى عدل منها فطأطأ ظهره ثم قال احمله على ظهري يا أسلم فقلت أنا أحمله عنك فنظر إلي و قال أنت تحمل ني وزري يوم القيامة لا أبا لك قلت لا قال فاحمله على ظهري إذا ففعلت و خرج به يدلج و أنا معه حتى ألقاه عند المرأة. ثم قال لي ذر علي ذرور الدقيق لا يتعرد و أنا أخزر ثم أخذ المسواط يخزر ثم جعل ينفخ تحت البرمة و أنا أنظر إلى الدخان يخرج من خلل لحيته و يقول لا تعجل حتى ينضج ثم قال ألق علي من الشحم فإن القفار يوجع البطن. شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 49ثم أنزل القدر و قال للمرأة لا تعجلي لا تعطيهم حارا و أنا أسطح لك فجعل يسطح بالمسواط و يبرد طعامهم حتى إذا شبعوا ترك عندها الفضل ثم قال لها ائتي أمير المؤمنين غدا(13/37)


فإنعسيت أن تجديني قريبا منه فأشفع لك بخير و هي تقول من أنت يرحمك الله و تدعو له و تقول أنت أولى بالخلافة من أمير المؤمنين فيقول قولي خيرا يرحمك الله لا يزيد على هذا. ثم انصرف حتى إذا كان قريبا جلس فأقعى و جعل يسمع طويلا حتى سمع التضاحك منها و من الصبيان و أنا أقول يا أمير المؤمنين قد فرغت من هذه و لك شغل في غيرها و يقول لا تكلمني حتى إذا هدأ حسهم قام فتمطى و قال ويحك إني سمعت الجوع أسهرهم فأحببت ألا أبرح حتى أسمع الشبع أنامهم. و من كلامه الرجال ثلاثة الكامل و دون الكامل و لا شي ء فالكامل ذو الرأي يستشير الناسفيأخذ من آراء الرجال إلى رأيه و دون الكامل من يستبد به و لا يستشير و لا شي ء من لا رأى له و لا يستشير. و النساء ثلاث تعين أهلها على الدهر و لا تعين الدهر على أهلها و قلما تجدها و امرأة وعاء للولد ليس فيها غيره و الثالثة غل قمل يجعله الله في رقبة من يشاء ويفكه إذا شاء. لما أخرج عمر الحطيئة من حبسه قال له إياك و الشعر قال لا أقدر على تركه يا أمير المؤمنين مأكلة عيالي و نملة تدب على لساني قال فشبب بأهلك و إياك(13/38)


شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 50و كل مدحة مجحفه قال و ما المجحفة قال تقول إن بني فلان خير من بني فلان امدح و لا تفضل أحدا قال أنت و الله يا أمير المؤمنين أشعر مني. و روى الزبير في الموفقيات عن عبد الله بن عباس قال خرجت أريد عمر بن الخطاب فلقيته راكبا حمارا قد ارتسنه بحبل أسود في رجليه نعلان مخصوفتان و عليه إزار و قميص صغير و قد انكشفت منه رجلاه إلى ركبتيه فمشيت إلى جانبه و جعلت أجذب الإزار و أسويه عليه كلما سترت جانبا انكشف جانب فيضحك و يقول إنه لا يطيعك حتى جئنا العالية فصلينا ثم قدم بعض القوم إلينا طعاما من خبز و لحم و إذا عمر صائم فجعل ينبذ إلي طيب اللحم و يقول كل لي و لك ثم دخلنا حائطا فألقى إلي رداءه و قال اكفنيه و ألقى قميصه بين يديه و جلس يغسله و أنا أغسل رداءه ثم جففناهما و صلينا العصر فركب و مشيت إلى جانبه و لا ثالث لنا. فقلت يا أمير المؤمنين إني في خطبة فأشر علي قال و من خطبت قلت فلانة ابنة فلان قال النسب كما تحب و كما قد علمت و لكن في أخلاق أهلها دقة لا تعدمك أن تجدها في ولدك قلت فلا حاجة لي إذا فيها قال فلم لا تخطب إلى ابن عمك يعني عليا قلت أ لم تسبقني إليه قال فالأخرى قلت هي لابن أخيه قال يا ابن عباس إن صاحبكم إن ولي هذا الأمر أخشى عجبه بنفسه أن يذهب به فليتني أراكم بعدي قلت يا أمير المؤمنين إن صاحبنا ما قد علمت أنه ما غير و لا بدل و لا أسخط رسول الله ص أيام صحبته شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 51قال فقطع علي الكلام فقال و لا في ابنة أبي جهل لما أراد أن يخطبها على فاطمة. قلت قال الله تعالى وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً و صاحبنا لم يعزم على سخط رسول الله ص و لكن الخواطر التي لا يقدر أحد على دفعها عن نفسه و ربما كان من اقيه في دين الله العالم العامل بأمر الله. فقال يا ابن عباس من ظن أنه يرد بحوركم فيغوص فيها معكم حتى يبلغ قعرها فقد ظن عجزا أستغفر الله لي و لك خذ في(13/39)


غيرها. ثم أنشأ يسألني عن شي ء من أمور الفتيا و أجيبه فيقول أصبت أصاب الله بك أنت و الله أحق أن تتبع. أشرف عد الملك على أصحابه و هم يتذاكرون سيرة عمر فغاظه ذلك و قال إيها عن ذكر سيرة عمر فإنها مزراة على الولاة مفسدة للرعية. قال ابن عباس كنت عند عمر فتنفس نفسا ظننت أن أضلاعه قد انفرجت فقلت ما أخرج هذا النفس منك يا أمير المؤمنين إلا هم شديد قال إي و الله يا ابن عباس إني فكرت فلم أدر فيمن أجعل هذا الأمر بعدي ثم قال لعلك ترى صاحبك لها أهلا قلت و ما يمنعه من ذلك مع جهاده و سابقته و قرابته و علمه قال صدقت و لكنه امرؤ فيه دعابة قلت فأين أنت عن طلحة قال ذو البأو و بإصبعه المقطوعة قلت فعبد الرحمن قال رجل ضعيف لو صار الأمر إليه لوضع خاتمه في يد امرأته قلت فالزبير قال شكس لقس يلاطم في النقيع في صاع شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 52من بر قلت فسعد بن أبي وقاص قال صاحب سلاح و مقنب قلت فعثمان قال أوه ثلاثا و الله لئن وليها ليحملن بني أبي معيط على رقاب الناس ثم لتنهض العرب إليه. ثمال يا ابن عباس إنه لا يصلح لهذا الأمر إلا خصيف العقدة قليل الغرة لا تأخذه في الله لومة لائم ثم يكون شديدا من غير عنف لينا من غير ضعف سخيا من غير سرف ممسكا من غير وكف قال ابن عباس و كانت و الله هي صفات عمر. قال ثم أقبل علي بعد أن سكت هنيهة و قال أجرؤهم و الله إن وليها أن يحملهم على كتاب ربهم و سنة نبيهم لصاحبك أما إن ولى أمرهم حملهم على المحجة البيضاء و الصراط المستقيم. و روى عبد الله بن عمر قال كنت عند أبي يوما و عنده نفر من الناس فجرى ذكر الشعر فقال من أشعر العرب فقالوا فلان و فلان فطلع عبد الله بن عباس فسلم و جلس فقال عمر قد جاءكم الخبير من أشعر الناس يا عبد الله قال زهير بن أبي سلمى قال فأنشدني مما تستجيده له فقال يا أمير المؤمنين إنه مدح قوما من غطفان يقال لهم بنو سنان فقال(13/40)

22 / 147
ع
En
A+
A-