عليها و سألوها أن تكلمه و لا تخبره بأسماء من أتاها إلا أن يقبل فلقيت عمر في ذلك فرأت الغضب في وجهه و قال من أتاك قالت لا سبيل إلى ذلك فقال لو علمت من هم لسؤت أوجههم أنت بيني و بينهم نشدتك الله ما أفضل ما اقتنى رسول الله ص في بيتك من الملبس قالت ثوبان ممشقان كان يلبسهما للوفد و يخطب
شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 34فيهما في الجمع قال فأي طعام ناله عندك أرفع قالت خبزنا مرة خبزة شعير فصببت عليها و هي حارة أسفلها عكة لنا كان فيها سمن و عسل فجعلتها هشة حلوة دسمة فأكل منها فاستطابها قال فأي مبسط كان يبسط عندك أوطأ قالت كساء ثخين كنا نرقعه فالصيف فنجعله ثخينا فإذا كان الشتاء بسطنا نصفه و تدثرنا بنصفه قال فأبلغيهم أن رسول الله ص قدر فوضع الفضول مواضعها و تبلغ ما أبر و إني قدرت فو الله لأضعن الفضول مواضعها و لأتبلغن ما أبر حبة وفد على عمر وفد فيه رجال الناس من الآفاق فوضع لهم بسطا من عباء و قدم إليهم طعاما غليظا فقالت له ابنته حفصة أم المؤمنين إنهم وجوه الناس و كرام العرب فأحسن كرامتهم فقال يا حفصة أخبريني بألين فراش فرشته لرسول الله ص و أطيب طعام أكله عندك قالت أصبنا كساء ملبدا عام خيبر فكنت أفرشه له فينام عليه و إني رفعته ليلة فلما أصبح قال ما كان فراشي الليلة قلت فراشك كل ليلة إلا أني الليلة رفعته لك ليكون أوطأ فقال أعيديه لحالته الأولى فإن وطاءته منعتني الليلة من الصلاة. و كان لنا صاع من دقيق سلت فنخلته يوما و طبخته له و كان لنا قعب من سمن فصببته عليه فبينا هو ع يأكل إذ دخل أبو الدرداء فقال أرى سمنكم قليلا و إن لنا لقعبا من سمن قال ع فأرسل فأت به فجاء به فصبه عليه فأكل فهذا أطيب طعام أكله عندي رسول الله ص. فأرسل عمر عينيه بالبكاء و قال لها و الله لا أزيدهم على ذلك العباء و ذلك الطعام شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 35شيئا و هذا فراش رسول الله ص وذا طعامه. لما قدم عتبة بن مرثد أذربيجان(13/26)


أتي بالخبيص فلما أكله وجد شيئا حلوا طيبا فقال لو صنعت من هذا لأمير المؤمنين فجعل له خبيصا في منقلين عظيمين و حملهما على بعيرين إلى المدينة فقال عمر ما هذا قالوا الخبيص فذاقه فوجده حلوا فقال للرسول ويحك أ كل المسلمين عندكم يشبع من هذا قال لا قال فارددهما ثم كتب إلى عتبة أما بعد فإن خبيصك الذي بعثته ليس من كد أبيك و لا من كد أمك أشبع المسلمين مما تشبع منه في رحلك و لا تستأثر فإن الأثرة شر و السلام. و روى عتبة بن مرثد أيضا قال قدمت على عمر بحلواء من بلاد فارس في سلال عظام فقال ما هذه قلت طعام طيب أتيتك به قال ويحك و لم خصصتني به قلت أنت رجل تقضي حاجات الناس أول النهار فأحببت إذا رجعت إلى منزلك أن ترجع إلى طعام طيب فتصيب منه فتقوى على القيام بأمرك فكشف عن سلة منها فذاق فاستطاب فقال عزمت عليك يا عتبة إذا رجعت إلا رزقت كل رجل من المسلمين مثله قلت و الذي يصلحك يا أمير المؤمنين لو أنفقت عليه أموال قيس كلها لما وسع ذلك قال فلا حاجة لي فيه إذا ثم دعا بقصعة من ثريد و لحم غليظ و خبز خشن فقال كل ثم جعل يأكل أكلا شهيا و جعلت أهوى إلى البضعة البيضاء أحسبها سناما و إذا هي عصبة و أهوى إلى البضعة من اللحم أمضغها(13/27)


شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 36فلا أسيغها و إذا هي من علباء العنق فإذا غفل عني جعلتها بين الخوان و القصعة فدعا بعس من نبيذ كاد يكون خلا فقال اشرب فلم أستطعه و لم أسغه أن أشرب فشرب ثم نظر إلي و قال ويحك إنه ليس بدرمك العراق و ودكه و لكن ما تأكله أنت و أصحا. ثم قال اسمع إنا ننحر كل يوم جزورا فأما أوراكها و ودكها و أطائبها فلمن حضرنا من المهاجرين و الأنصار و أما عنقها فلآل عمر و أما عظامها و أضلاعها فلفقراء المدينة نأكل من هذا اللحم الغث و نشرب من هذا النبيذ الخاثر و ندع لين الطعام ليوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت و تضع كل ذات حمل حملها. حضر عند عمر قوم من الصحابة فأثنوا عليه و قالوا و الله ما رأينا يا أمير المؤمنين رجلا أقضى منك بالقسط و لا أقول بالحق و لا أشد على المنافقين منك إنك لخير الناس بعد رسول الله ص. فقال عوف بن مالك كذبتم و الله أبو بكر بعد رسول الله خير أمته رأينا أبا بكر. فقال عمر صدق عوف و الله و كذبتم لقد كان أبو بكر و الله أطيب من ريح المسك و أنا أضل من بعير أهلي. لما أتى عمر الخبر بنزول رستم القادسية كان يخرج فيستخبر الركبان كل يوم عن أهل القادسية من حين يصبح إلى انتصاف النهار ثم يرجع إلى أهله فلما جاء البشير بالفتح شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 37لقيه كما يلقى الركبان من قبل فسأله فأخبره فجعل يقول يا عبد الله إيه حدثني فيقول له هزم الله العدو و عمر يحث معه و يسأله و هو راجل و البشير يسير على ناقته و لا يعرفه فلما دخل المدينة إذا الناس يسلمون عليه باه بإمرة المؤمنين و يهنئونه فنزل الرجل و قال هلا أخبرتني يا أمير المؤمنين رحمك الله و جعل عمر يقول لا عليك يا ابن أخي لا عليك يا ابن أخي. و روى أبو العالية الشامي قال قدم عمر الجابية على جمل أورق تلوح صلعته ليس عليه قلنسوة تصل رجلاه بين شعبتي رحله بغير ركاب وطاؤه كساء أنبجاني كثير الصوف و هو وطاؤه إذا ركب و فراشه إذا نزل و(13/28)


حقيبته نمرة محشوة ليفا هي حقيبته إذا ركب و وسادته إذا نزل و عليه قميص من كرابيس قد دسم و تخرق جيبه فقال ادعوا إلي رأس القرية فدعوه له فقال اغسلوا قميصي هذا و خيطوه و أعيروني قميصا ريثما يجف قميصي فأتوه بقميص كتان فعجب منه فقال ما هذا قالوا كتان قال و ما الكتان فأخبروه فلبسه ثم غسل قميصه و أتي به فنزع قميصهم و لبس قميصه فقال له رأس القرية أنت ملك العرب و هذه بلاد لا يصلح بها ركوب الإبل فأتي ببرذون فطرحت عليه قطيفة بغير سرج فركبه فهملج تحته فقال للناس احبسوا فحبسوه فقال ما كنت أظن الناس يركبون الشيطان قبل هذا قدموا لي جملي فجي ء به فنزل عن البرذون و ركبه. شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 38قدم عمر الشام فلقيه أمراء الأجناد و عظماء تلك الأرض فقال و أين أخي قالوا من هو قال أبو عبيدة قالوا سيأتيك الفجاء أبو عبيدة على ناقة مخطومة بحبل فسلم عليه و رد له ثم قال للناس انصرفوا عنا فسار معه حتى أتى منزله فنزل عليه فلم ير فيه إلا سيفا و ترسا فقال له لو اتخذت متاع البيت قال حسبي هذا يبلغني المقيل. و روى طارق بن شهاب أن عمر لما قدم الشام عرضت له مخاضة فنزل عن بعيره و نزع جرموقيه فأمسكهما بيده و خاض الماء و زمام بعيره في يده الأخرى فقال له أبو عبيدة لقد صنعت اليوم صنيعا عظيما عند أهل هذه الأرض فصك في صدره و قال لو غيرك قالها يا أبا عبيدة إنكم كنتم أذل الناس و أحقر الناس و أقل الناس فأعزكم الله بالإسلام فمهما تطلبوا العز بغيره يرجعكم إلى الذل. و روى محمد بن سعد صاحب الواقدي أن عمر قال يوما على المنبر لقد رأيتني و ما لي من أكال يأكله الناس إلا أن لي خالات من بني مخزوم فكنت أستعذب لهن الماء فيقبضن لي القبضات من الزبيب فلما نزل قيل له ما أردت بهذا قال وجدت في نفسي بأوا فأردت أن أطأطئ منها.(13/29)


شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 39و من كلام عمر رحم الله امرأ أهدى إلي عيوبي. قدم عمرو بن العاص على عمر و كان واليا لمصر فقال له في كم سرت قال في عشرين قال عمر لقد سرت سير عاشق فقال عمرو إني و الله ما تأبطتنى الإماء و لا حملتني في غبرات المآلي فقال عمر و اللما هذا بجواب الكلام الذي سألتك عنه و أن الدجاجة لتفحص في الرماد فتضع لغير الفحل و إنما تنسب البيضة إلى طرقها فقام عمرو مربد الوجه. قلت المآلي خرق سود يحملها النوائح و يسرن بها بأيديهن عند اللطم و أراد خرق الحيص هاهنا و شبهها بتلك و أنكر عمر فخره بالأمهات و قال إن الفخر للأب الذي إليه النسب و سألت النقيب أبا جعفر عن هذا الحديث في عمر فقال إن عمرا فخر على عمر لأن أم الخطاب زنجية و تعرف بباطحلي تسمى صهاك فقلت له و أم عمرو النابغة أمه من سبايا العرب فقال أمه عربية من عنزة سبيت في بعض الغارات فليس يلحقها من النقص عندهم ما يلحق الإماء الزنجيات فقلت له أ كان عمرو يقدم على عمر بمثل ما قلت قال قد يكون بلغه عنه قول قدح في نفسه فلم يحتمله له و نفث بما في صدره منه و إن لم يكن جوابا مطابقا للسؤال و قد كان عمر مع خشونته يحتمل نحو هذا فقد جبهه الزبير مرة و جعل يحكي كلامه يمططه و جبهه سعد بن أبي وقاص أيضا فأغضى عنه و مر يوما في السوق على ناقة له فوثب غلام من بني ضبة فإذا هو خلفه فالتفت إليه فقال فممن أنت قال ضبي قال جسور و الله فقال الغلام على العدو قال عمر و على الصديق أيضا ما حاجتك فقضى حاجته ثم قال دع الآن لنا ظهر راحلتنا. شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 40و من كلام عمر اخشع عند القبور إذا نظرت إليها و استعص عند المعصية و ذل عند الطاعة و لا تبذلن كلامك إلا عند من يشتهيه و يتخذه غنما و لا تستعن على حاجتك إلا بمن يحب نجاحها لك و آخ الإخوان على التقوى و شاور في أمرك كله و إذا اشى أحدكم بعيرا فليشتره جسيما فإن أخطأته النجابة لم يخطئه السوق. أوفد(13/30)

20 / 147
ع
En
A+
A-