فقال عمر أما ما عشت فلا. فلما أصبح دعا نصر بن حجاج و هو نصر بن الحجاج بن علابط البهزي السلمي فأبصره و هو من أحسن الناس وجها و أصبحهم و أملحهم حسنا فأمر أن يطم شعره فخرجت جبهته فازداد حسنا فقال له عمر اذهب فاعتم فاعتم فبدت وفرته فأمر بحلقها فازداد حسنا فقال له فتنت نساء المدينة يا ابن حجاج لا تجاورني في بلدة أنا مقيم بها ثم سيره إلى البصرة. فروى الأصمعي قال أبرد عمر بريدا إلى عتبة بن أبي سفيان بالبصرة فأقام بها أياما ثم نادى منادي عتبة من أراد أن يكتب إلى أهله بالمدينة أو إلى أمير المؤمنين شيئا فليكتب فإن بريد المسلمين خارج. فكتب الناس و دس نصر بن حجاج كتابا فيه لعبد الله عمر أمير المؤمنين من نصر بن حجاج سلام عليك أما بعد يا أمير المؤمنين
لعمري لئن سيرتني أو حرمتني لما نلت من عرضي عليك حرام أ إن غنت الذلفاء يوما بمنية و بعض أماني النساء غرام شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 28ظننت بي الظن الذي ليس بعده بقاء فما لي في الندي كلام و أصبحت منفيا في غير ريبة و قد كان لي بالمكتين مقام سيمنعني مما تظن تكرمي و آباء صدق سالفون كرام و يمنعها مما تمنت صلاتها و حال لها في دينها و صيام فهاتان حالانا فهل أع فقد جب مني كاهل و سنام
فقال عمر أما ولي ولاية فلا و أقطعه أرضا بالبصرة و دارا. فلما قتل عمر ركب راحلته و لحق بالمدينة. و ذكر المبرد محمد بن يزيد الثمالي قال كان عمر أصلع فلما حلق وفرة نصر بن حجاج قال نصر و كان شاعرا
تضن ابن خطاب علي بجمة إذا رجلت تهتز هز السلاسل فصلع رأسا لم يصلعه ربه يرف رفيفا بعد أسود جائل لقد حسد الفرعان أصلع لم يكن إذا ما مشى بالفرع بالمتخايمحمد بن سعيد قال بينا يطوف عمر في بعض سكك المدينة إذ سمع امرأة تهتف من خدرها
هل من سبيل إلى خمر فأشربها أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج(13/21)
شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 29إلى فتى ماجد الأعراق مقتبل سهل المحيا كريم غير ملجاج تنميه أعراق صدق حين تنسبه أخي قداح عن المكروب فراج سامي النواظر من بهز له قدم تضي ء صورته في الحالك الفقال عمر ألا لا أدري معي رجلا يهتف به العواتق في خدورهن علي بنصر بن حجاج فأتي به فإذا هو أحسن الناس وجها و عينا و شعرا فأمر بشعره فجز فخرجت له وجنتان كأنه قمر فأمره أن يعتم فاعتم ففتن النساء بعينيه فقال عمر لا و الله لا تساكنني بأرض أنا بها قال و لم يا أمير المؤمنين قال هو ما أقول لك فسيره إلى البصرة. و خافت المرأة التي سمع عمر منها ما سمع أن يبدر إليها منه شي ء فدست إليه أبياتا قل للأمير الذي تخشى بوادره ما لي و للخمر أو نصر بن حجاج إني بليت أبا حفص بغيرهما شرب الحليب و طرف فاتر ساج لا تجعل الظن حقا أو تبينه إن السبيل سبيل الخائف الراجي ما منية قلتها عرضا بضائرة و الناس من هالك قدما و من ناج إن الهوى رعية التقوى تقيده حتى أقرجام و إسراج(13/22)
فبكى عمر و قال الحمد لله الذي قيد الهوى بالتقوى. و أتته يوما أم نصر حين اشتدت عليها غيبة ابنها فتعرضت لعمر بين الأذان و الإقامة فقعدت له على الطريق فلما خرج يريد الصلاة هتفت به و قالت يا أمير المؤمنين لأجاثينك غدا بين يدي الله عز و جل و لأخاصمنك إليه يبيت عاصم و عبد الله إلى شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 30جانبيك و بيني و بين ابني الفيافي و القفار و المفاوز و الجبال قال من هذه قيل أم نصر بن حجاج فقال يا أم نصر إن عاصما و عبد الله لم تهتف بهما العواتق من وراء الخدور. و يروى أن نصر بن الحجاج لما سيره عمر إلى اصرة نزل بها على مجاشع بن مسعود السلمي و كان خليفة أبي موسى عليها و كانت له امرأة شابة جميلة فهويت نصرا و هويها فبينا الشيخ جالس و نصر عنده إذ كتب في الأرض شيئا فقرأته المرأة فقالت أنا و الله فقال مجاشع ما قال لك قالت إنه قال ما أصفى لقحتكم هذه فقال مجاشع إن الكلمة التي قلت ليست أختا لهذا الكلام عزمت عليك لما أخبرتني قالت إنه قال ما أحسن سوار ابنتكم هذه قال و لا هذه فإنه كتب في الأرض فرأى الخط فدعا بإناء فوضعه عليه ثم أحضر غلاما من غلمانه فقال اقرأ فقرأه و إذا هو أنا و الله أحبك فقال هذه لهذه اعتدي أيتها المرأة و تزوجها يا ابن أخي إن أردت. ثم غدا على أبي موسى فأخبره فقال أبو موسى أقسم ما أخرجه عمر عن المدينة من خير ثم طرده إلى فارس و عليها عثمان بن أبي العاص الثقفي فنزل على دهقانة فأعجبها فأرسلت إليه فبلغ خبرها عثمان فبعث إليه أن اخرج عن أرض فارس فإنك لم تخرج عن المدينة و البصرة من خير فقال و الله لئن أخرجتموني لألحقن ببلاد الشرك فكتب بذلك إلى عمر فكتب أن جزوا شعره و شمروا قميصه و ألزموه المساجد. و روى عبد الله بن بريدة أن عمر خرج ليلا يعس فإذا نسوة يتحدثن و إذا هن شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 31يقلن أي فتيان مدينة أصبح فقالت امرأة منهن أبو ذؤيب و الله فلما أصبح عمر سأل عنه(13/23)
فإذا هو من بني سليم و إذا هو ابن عم نصر بن حجاج فأرسل إليه فحضر فإذا هو أجمل الناس و أملحهم فلما نظر إليه قال أنت و الله ذئبها يكررها و يرددها لا و الذي نفسي بيده لا تجامعني بأرض أبدا. فقال يا أمير المؤمنين إن كنت لا بد مسيري فسيرني حيث سيرت ابن عمي نصر بن حجاج فأمر بتسييره إلى البصرة فأشخص إليها. خطب عمر في الليلة التي دفن فيها أبو بكر فقال إن الله تعالى نهج سبيله و كفانا برسوله فلم يبق إلا الدعاء و الاقتداء الحمد لله الذي ابتلاني بكم و ابتلاكم بي و أبقاني فيكم بعد صاحبي و أعوذ بالله أن أزل أو أضل فأعادي له وليا أو أوالي له عدوا ألا إني و صاحبي كنفر ثلاثة قفلوا من طيبة فأخذ أحدهم مهلة إلى داره و قراره فسلك أرضا مضيئة متشابهة الأعلام فلم يزل عن الطريق و لم يحرم السبيل حتى أسلمه إلى أهله ثم تلاه الآخر فسلك سبيله و اتبع أثره فأفضى إليه و لقي صاحبه ثم تلاهما الثالث فإن سلك سبيلهما و اتبع أثرهما أفضى إليهما و لاقاهما و إن زل يمينا أو شمالا لم يجامعهما أبدا. ألا و إن العرب جمل أنف قد أعطيت خطامه ألا و إني حامله على المحجة و مستعين بالله عليه. ألا و إني داع فأمنوا اللهم إني شحيح فسخني اللهم إني غليظ فليني اللهم إني ضعيف فقوني اللهم أوجب لي بموالاتك و موالاة أوليائك ولايتك و معونتك و أبرئني(13/24)
شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 32من الآفات بمعاداة أعدائك و توفني مع الأبرار و لا تحشرني في زمرة الأشقياء اللهم لا تكثر لي من الدنيا فأطغى و لا تقلل لي فأشقى فإن ما قل و كفى خير مما كثر و ألهى. وفد على عمر قوم من أهل العراق منهم جرير بن عبد الله فأتاهم بجفنقد صبغت بخل و زيت و قال خذوا فأخذوا أخذا ضفيفا فقال ما بالكم تقرمون قرم الشاة الكسيرة أظنكم تريدون حلوا و حامضا و حارا و باردا ثم قذفا في البطون لو شئت أن أدهمق لكم لفعلت و لكنا نستبقي من دنيانا ما نجده في آخرتنا و لو شئنا أن نأمر بصغار الضأن فتسمط و لبأت الخبز فيخبز و نأمر بالزبيب فينبذ لنا في الأسعان حتى إذا صار مثل عين اليعقوب أكلنا هذا و شربنا هذا لفعلت و الله إني ما أعجز عن كراكر و أسنمة و صلائق و صناب لكن الله تعالى قال لقوم عيرهم أمرا فعلوه أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا و إني نظرت في هذا الأمر شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 33فجعلت إن أردت الدنيا أضررت بالآخرة و إن أردت الآخرة أضررت بالدنيا و إذا كان الأمر هكذا فأضروا بالفانية. خرج عمر يوما إلى المسجد و عليه قميص في ظهره أربع رقاع فقرأ حتى انتهى إلى قوله وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا فقال الأب ثم قال إن هذا لهو التكلف و ما عليك يا ابن الخطاب ألا تدري ما الأب. و جاء قوم من الصحابة إلى حفصة فقالوا لو كلمت أباك في أن يلين من عيشه لعله أقوى له على النظر في أمور المسلمين فجاءته فقالت إن ناسا من قومك كلموني في أن أكلمك في أن تلين من عيشك فقال يا بنية غششت أباك و نصحت لقومك. و روى سالم بن عبد الله بن عمر قال لما ولي عمر قعد على رزق أبي بكر الذي كان فرضه لنفسه فاشتدت حاجته فاجتمع نفر من المهاجرين منهم علي و عثمان و طلحة و الزبير و قالوا لو قلنا لعمر يزيد في رزقه فقال عثمان إنه عمر فهلموا فلنستبن ما عنده من وراء وراء نأتي حفصة فنكلمها و نستكتمها أسماءنا فدخلوا(13/25)