شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 14و سراويله و تاجه و قميصه و خفيه فنظر عمر في وجوه القوم عنده فكان أجسمهم و أمدهم قامة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي فقال يا سراق قم فالبس قال سراقة طمعت فيه فقمت فلبست فقال أدبر فأدبرت و قال أقبل فأقبلت فقال بخ بخ أعرابي من ب مدلج عليه قباء كسرى و سراويله و سيفه و منطقته و تاجه و خفاه رب يوم يا سراق لو كان فيه دون هذا من متاع كسرى و آل كسرى لكان شرفا لك و لقومك انزع فنزعت فقال اللهم إنك منعت هذا نبيك و رسولك و كان أحب إليك مني و أكرم و منعته أبا بكر و كان أحب إليك مني و أكرم ثم أعطيتنيه فأعوذ بك أن تكون أعطيتنيه لتمكر بي ثم بكى حتى رحمه من كان عنده. و قال لعبد الرحمن بن عوف أقسمت عليك لما بعته ثم قسمته قبل أن تمسي فما أدركه المساء إلا و قد بيع و قسم ثمنه على المسلمين. جي ء بتاج كسرى إلى عمر فاستعظم الناس قيمته للجواهر التي كان عليه فقال إن قوما أدوا هذا لأمناء فقال علي ع إنك عففت فعفوا و لو رتعت لرتعوا. كان عمر يعس ليلا فنزلت رفقة من التجار بالمصلى فقال لعبد الرحمن بن عوف هل لك أن تحرسهم الليلة من السرق فباتا يحرسانهم و يصليان ما كتب الله لهما فسمع عمر بكاء صبي فأصغى نحوه فطال بكاؤه فتوجه إليه فقال لأمه اتقي الله و أحسني إلى صبيك ثم عاد إلى مكانه فسمع بكاءه فعاد إلى أمه فقال لها مثل ذلك ثم عاد إلى مكانه فسمع بكاءه فأتى أمه فقال ويحك إني لأراك أم سوء لا أرى ابنك يقر منذ الليلة فقالت يا عبد الله لقد آذيتني منذ الليلة إني أريغه شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 15على الفطام فيأبى قال و لم قالت لأن عمر لا يفرض لرضيع و إنما يفرض للفطيم قال و كم له قالت اثنا عشر شهرا قال ويحك لا تعجليه فصلى الفجر و ما يستبين الناس قراءته من غلبة البكاء عليه فلما سلم قال يا بؤسا لعمركم كم قتل من أولاد المسلم فطلب مناديا فنادى ألا لا تعجلوا صبيانكم عن الرضاع و لا تفطموا قبل(13/11)
أوان الفطام فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام. و كتب بذلك إلى سائر الآفاق. مر عمر بشاب من الأنصار و هو ظمآن فاستسقاه فخاض له عسلا فرده و لم يشرب و قال إني سمعت الله سبحانه يقول أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَ اسْتَمْتَعْتُمْ بِها فقال الفتى إنها و الله ليست لك فاقرأ يا أمير المؤمنين ما قبلها وَ يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا أ فنحن منهم فشرب و قال كل الناس أفقه من عمر. و أوصى عمر حين طعنه أبو لؤلؤة من يستخلفه المسلمون بعده من أهل الشورى فقال أوصيك بتقوى الله لا شريك له و أوصيك بالمهاجرين الأولين خيرا أن تعرف لهم سابقتهم و أوصيك بالأنصار خيرا أقبل من محسنهم و تجاوز عن مسيئهم و أوصيك بأهل الأمصار خيرا فإنهم ردء العدو و جباة الفي ء لا تحمل فيئهم إلى غيرهم إلا عن فضل منهم و أوصيك بأهل البادية خيرا فإنهم أصل العرب و مادة الإسلام أن يؤخذ من حواشي أموالهم فيرد على فقرائهم و أوصيك بأهل الذمة خيرا أن تقاتل شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 16من ورائهم و لا تكلفهم فوق طاقتهم إذا أدوا ما عليهم للمسلمين طوعا أو عن يد و هم صاغرون. و أوصيك بتقوى الله و شدة الحذر منه و مخافة مقته أن يطلع منك على ريبة و أوصيك أن تخشى الله في الناس و لا تخشى الناس في الله و أوصيك بالعدلي الرعية و التفرغ لحوائجهم و ثغورهم و ألا تعين غنيهم على فقيرهم فإن في ذلك بإذن الله سلامة لقلبك و حطا لذنوبك و خيرا في عاقبة أمرك و أوصيك أن تشتد في أمر الله و في حدوده و الزجر عن معاصيه على قريب الناس و بعيدهم و لا تأخذك الرأفة و الرحمة في أحد منهم حتى تنتهك منه مثل جرمه و اجعل الناس عندك سواء لا تبال على من وجب الحق لا تأخذك في الله لومة لائم و إياك و الأثرة و المحاباة فيما ولاك الله مما أفاء الله على المسلمين فتجور و تظلم و تحرم نفسك من(13/12)
ذلك ما قد وسعه الله عليك فإنك في منزلة من منازل الدنيا و أنت إلى الآخرة جد قريب فإن صدقت في دنياك عفة و عدلا فيما بسط لك اقترفت رضوانا و إيمانا و إن غلبك الهوى اقترفت فيه سخط الله و مقته. و أوصيك ألا ترخص لنفسك و لا لغيرك في ظلم أهل الذمة. و اعلم أني قد أوصيتك و خصصتك و نصحت لك أبتغي بذلك وجه الله و الدار الآخرة و دللتك على ما كنت دالا عليه نفسي فإن عملت بالذي وعظتك و انتهيت إلى الذي أمرتك أخذت منه نصيبا وافرا و حظا وافيا و إن لم تقبل ذلك و لم تعمل و لم تترك معاظم الأمور عند الذي يرضي الله به سبحانه عنك يكن ذاك بك انتقاصا و يكن رأيك فيه مدخولا فالأهواء مشتركة و رأس الخطيئة إبليس الداعي إلى كل هلكة قد أضل القرون السالفة قبلك و أوردهم النار و لبئس الثمن أن يكون حظ امرئ من دنياه موالاة عدو الله الداعي إلى معاصيه اركب الحق و خض إليه الغمرات و كن واعظا لنفسك. شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 17و أنشدك لما ترحمت إلى جماعة المسلمين و للت كبيرهم و رحمت صغيرهم و قربت عالمهم لا تضربهم فيذلوا و لا تستأثر عليهم بالفي ء فتغضبهم و لا تحرمهم عطاياهم عند محلها فتفقرهم و لا تجمرهم في البعوث فتقطع نسلهم و لا تجعل الأموال دولة بين الأغنياء منهم و لا تغلق بابك دونهم فيأكل قويهم ضعيفهم. هذه وصيتي إاك و أشهد الله عليك و أقرأ عليك السلام و الله على كل شي ء شهيد. و خطب عمر فقال لا يبلغني أن امرأة تجاوز صداقها صداق زوجات رسول الله ص إلا ارتجعت ذلك منها فقامت إليه امرأة فقالت و الله ما جعل الله ذلك لك إنه تعالى يقول وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً فقال عمر أ لا تعجبون من إمام أخطأ و امرأة أصابت ناضلت إمامكم فنضلته. و كان يعس ليلة فمر بدار سمع فيها صوتا فارتاب و تسور فرأى رجلا عند امرأة و زق خمر فقال يا عدو الله أ ظننت أن الله يسترك و أنت على معصيته فقال لا تعجل يا أمير(13/13)
المؤمنين إن كنت أخطأت في واحدة فقد أخطأت في ثلاث قال الله تعالى وَ لا تَجَسَّسُوا و قد تجسست و قال وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها
شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 18و قد تسورت و قال فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا و ما سلمت فقال هل عندك من خير إن عفوت عنك قال نعم و الله لا أعود فقال اذهب فقد عفوت عنك. و خطب يوما فقال أيها الناس ما الجزع مما لا بد منه و ما الطمع فيما لا يرجى و ما حيلة فيما سيزول و إنما الشي ء من أصله و قد مضت قبلكم الأصول و نحن فروعها فما بقاء الفرع بعد ذهاب أصله. إنما الناس في هذه الدنيا أغراض تنتبل فيهم المنايا نصب المصائب في كل جرعة شرق و في كل أكلة غصص لا تنالون نعمة إلا بفراق أخرى و لا يستقبل معمر من عمره يوم إلا بهدم آخر من أجله و هم أعوان الحتوف على أنفسهم فأين المهرب مما هو كائن ما أصغر المصيبة اليوم مع عظم الفائدة غدا و ما أعظم خيبة الخائب و خسران الخاسر يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ. و أكثر الناس روى هذا الكلام لعلي ع و قد ذكره صاحب نهج البلاغة و شرحناه فيما سبق. حمل من العراق إلى عمر مال فخرج هو و مولى له فنظر إلى الإبل فاستكثرها فجعل يقول الحمد لله يكررها و يرددها و جعل مولاه يقول هذا من فضل الله و رحمته و يكررها و يرددها. فقال عمر كذبت لا أم لك أظنك ذهبت إلى أن هذا هو ما عناه سبحانه شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 19بقوله قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا و إنما ذلك الهدى أ ما تسمعه يقول هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ و هذا مما يجمعون. و روى الأحنف بن قيس قال قدمنا على عمر بفتح يم نبشره به فقال أين نزلتم قلنا في مكان كذا فقام معنا حتى انتهينا إلى مناخ ركابنا و قد أضعفها الكلال و جهدها السير فقال هلا اتقيتم الله في ركابكم هذه أ ما علمتم أن لها عليكم حقا هلا(13/14)
احترموها هلا حللتم بها فأكلت من نبات الأرض فقلنا يا أمير المؤمنين إنا قدمنا بفتح عظيم فأحببنا التسرع إليك و إلى المسلمين بما يسرهم. فانصرف راجعا و نحن معه فأتى رجل فقال يا أمير المؤمنين إن فلانا ظلمني فأعدني عليه فرفع في السماء درته و ضرب بها رأسه و قال تدعون عمر و هو معرض لكم حتى إذا شغل في أمر المسلمين أتيتموه أعدني أعدني فانصرف الرجل يتذمر فقال عمر علي بالرجل فجي ء به فألقى إليه المخفقة فقال اقتص قال بل أدعه لله و لك قال ليس كذلك بل تدعه إما لله و إرادة ما عنده و إما تدعه لي قال أدعه لله قال انصرف ثم جاء حتى دخل منزله و نحن معه فصلى ركعتين خفيفتين ثم جلس فقال يا ابن الخطاب كن وضيعا فرفعك الله و كنت ضالا فهداك الله و كنت ذليلا فأعزك الله ثم حملك على رقاب الناس فجاء رجل يستعديك على من ظلمه فضربته ما ذا تقول لربك غدا فجعل يعاتب نفسه معاتبة ظننت أنه من خير أهل الأرض. شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 20و ذكر أبو عبيد القاسم بن سلام في يب الحديث أن رجلا أتى عمر يسأله و يشكو إليه الفقر فقال هلكت يا أمير المؤمنين فقال أ هلكت و أنت تنث نثيث الحميت أعطوه فأعطوه ربعة من مال الصدقة تبعها ظئراها ثم أنشأ يحدث عن نفسه فقال لقد رأيتني و أختا لي نرعى على أبوينا ناضحا لنا قد ألبستنا أمنا نقبتها و زودتنا يمنتيها هبيدا فنخرج بناضحنا فإذا طلعت الشمس ألقيت النقبة إلى أختي و خرجت أسعى عريان فنرجع إلى أمنا و قد جعلت لنا لفيته من ذلك الهبيد فيا خصباه. و روى ابن عباس رضي الله عنه قال دخلت على عمر في أول خلافته و قد ألقي له صاع من تمر على خصفة فدعاني إلى الأكل فأكلت تمرة واحدة و أقبل يأكل حتى أتى عليه ثم شرب من جر كان عنده و استلقى على مرفقه له و طفق يحمد الله يكرر ذلك ثم قال من أين جئت يا عبد الله قلت من المسجد قال كيف خلفت ابن عمك فظننته يعنى عبد الله بن جعفر قلت خلفته يلعب مع أترابه قال لم أعن ذلك(13/15)