شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 3الجزء الثاني عشرتتمة باب الخطب و الأوامر
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد العدل
223- و من كلام له ع
لِلَّهِ بِلَادُ فُلَانٍ فَلَقَدْ قَوَّمَ الْأَوَدَ وَ دَاوَى الْعَمَدَ وَ أَقَامَ السُّنَّةَ وَ خَلَّفَ الْفِتْنَةَ ذَهَبَ نَقِيُّ الثَّوْبِ قَلِيلَ الْعَيْبِ أَصَابَ خَيْرَهَا وَ سَبَقَ شَرَّهَا. أَدَّى إِلَى اللَّهِ طَاعَتَهُ وَ اتَّقَاهُ بِحَقِّهِ رَحَلَ وَ تَرَكَهُمْ فِي طُرُقِ مُتَشَعِّبَةٍ لَا يَهْتَدِي بِهَا الضَّالُّ وَ لَا يَسْتَيْقِنُ الْمُهْتَدِي(13/1)
العرب تقول لله بلاد فلان و لله در فلان و لله نادي فلان و لله نائح فلان و المراد بالأول لله البلاد التي أنشأته و أنبتته و بالثاني لله الثدي الذي أرضعه و بالثالث لله المجلس الذي ربي فيه و بالرابع لله النائحة التي تنوح عليه و تندبه ما ذا تعهد من محاسنه. و يروى لله بلاء فلان أي لله ما صنع و فلان المكنى عنه عمر بن الخطاب و قد وجدت النسخة التي بخط الرضي أبي الحسن جامع نهج البلاغة و تحت فلان عمر شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 4حدثني بذلك فخار بن معد الموسوي الأودي الشاعر و سألت عنه النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد الوي فقال لي هو عمر فقلت له أ يثني عليه أمير المؤمنين ع هذا الثناء فقال نعم أما الإمامية فيقولون إن ذلك من التقية و استصلاح أصحابه و أما الصالحيون من الزيدية فيقولون إنه أثنى عليه حق الثناء و لم يضع المدح إلا في موضعه و نصابه و أما الجارودية من الزيدية فيقولون إنه كلام قاله في أمر عثمان أخرجه مخرج الذم له و التنقص لأعماله كما يمدح الآن الأمير الميت في أيام الأمير الحي بعده فيكون ذلك تعريضا به. فقلت له إلا أنه لا يجوز التعريض و الاستزادة للحاضر بمدح الماضي إلا إذا كان ذلك المدح صدقا لا يخالطه ريب و لا شبهة فإذا اعترف أمير المؤمنين بأنه أقام السنة و ذهب نقي الثوب قليل العيب و أنه أدى إلى الله طاعته و اتقاه بحقه فهذا غاية ما يكون من المدح و فيه إبطال قول من طعن على عثمان بن عفان. فلم يجبني بشي ء و قال هو ما قلت لك. فأما الراوندي فإنه قال في الشرح إنه ع مدح بعض أحابه بحسن السيرة و إن الفتنة هي التي وقعت بعد رسول الله ص من الاختيار و الأثرة. و هذا بعيد لأن لفظ أمير المؤمنين يشعر إشعارا ظاهرا بأنه يمدح واليا ذا رعية و سيرة أ لا تراه كيف يقول فلقد قوم الأود و داوى العمد و أقام السنة و خلف الفتنة و كيف يقول أصاب خيرها و سبق شرها و كيف يقول أدى إلى الله طاعته و كيف يقول رحل و تركهم(13/2)
في طرق متشعبة. شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 5و هذا الضمير و هو الهاء و الميم في قوله ع و تركهم هل يصح أن يعود إلا إلى الرعايا و هل يسوغ أن يقال هذا الكلام لسوقة من عرض الناس و كل من مات قبل وة النبي ص كان سوقة لا سلطان له فلا يصح أن يحمل هذا الكلام على إرادة أحد من الذين قتلوا أو ماتوا قبل وفاة النبي ص كعثمان بن مظعون أو مصعب بن عمير أو حمزة بن عبد المطلب أو عبيدة بن الحارث و غيرهم من الناس و التأويلات الباردة الغثة لا تعجبني على أن أبا جعفر محمد بن جرير الطبري قد صرح أو كاد يصرح بأن المعني بهذا الكلام عمر قال الطبري لما مات عمر بكته النساء فقالت إحدى نوادبه وا حزناه على عمر حزنا انتشر حتى ملأ البشر و قالت ابنة أبي حثمة وا عمراه أقام الأود و أبرأ العمد و أمات الفتن و أحيا السنن خرج نقي الثوب بريئا من العيب.
قال الطبري فروى صالح بن كيسان عن المغيرة بن شعبة قال لما دفن عمر أتيت عليا ع و أنا أحب أن أسمع منه في عمر شيئا فخرج ينفض رأسه و لحيته و قد اغتسل و هو ملتحف بثوب لا يشك أن الأمر يصير إليه فقال رحم الله ابن الخطاب لقد صدقت ابنة أبي حثمة ذهب بخيرها و نجا من شرها أما و الله ما قالت و لكن قولت(13/3)
و هذا كما ترى يقوي الظن أن المراد و المعني بالكلام إنما هو عمر بن الخطاب. شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 6قوله فلقد قوم الأود أي العوج أود الشي ء بالكسر يأود أودا أي أعوج و تأود العود يتأود. و العمد انفضاخ سنام البعير و منه يقال للعاشق عميد القلب و معموده. ه أصاب خيرها أي خير الولاية و جاء بضميرها و لم يجر ذكرها لعادة العرب في أمثال ذلك كقوله تعالى حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ. و سبق شرها أي مات أو قتل قبل الأحداث و الاختلاط الذي جرى بين المسلمين. قوله و اتقاه بحقه أي بأداء حقه و القيام به. فإن قلت و أي معنى في قوله و اتقاه بأداء حقه و هل يتقى الإنسان الله بأداء الحق إنما قد تكون التقوى علة في أداء الحق فأما أن يتقي بأدائه فهو غير معقول. قلت أراد ع أنه اتقى الله و دلنا على أنه اتقى الله بأدائه حقه فأداء الحق علة في علمنا بأنه قد اتقى الله سبحانه. ثم ذكر أنه رحل و ترك الناس في طرق متشعبة متفرقة فالضال لا يهتدي فيها و المهتدي لا يعلم أنه على المنهج القويم و هذه الصفات إذا تأملها المنصف و أماط عن نفسه الهوى علم أن أمير المؤمنين ع لم يعن بها إلا عمر لو لم يكن قد روي لنا توقيفا و نقلا أن المعني بها عمر فكيف و قد رويناه عمن لا يتهم في هذا الباب
نكت من كلام عمر و سيرته و أخلاقه(13/4)
و نحن نذكر في هذا الموضع نكتا من كلام عمر و سيرته و أخلاقه. شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 7أتي عمر بمال فقال له عبد الرحمن بن عوف يا أمير المؤمنين لو حبست من هذا المال في بيت المال لنائبة تكون أو أمر يحدث فقال كلمة ما عرض بها إلا شيطان كفاني حجتها و وقاني فتها أعصي الله العام مخافة قابل أعد لهم تقوى الله قال الله سبحانه وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ. استكتب أبو موسى الأشعري نصرانيا فكتب إليه عمر اعزله و استعمل بدله حنيفيا فكتب له أبو موسى إن من غنائه و خيره و خبرته كيت و كيت فكتب له عمر ليس لنا أن نأتمنهم و قد خونهم الله و لا أن نرفعهم و قد وضعهم الله و لا أن نستنصحهم في الدين و قد وترهم الإسلام و لا أن نعزهم و قد أمرنا بأن يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون. فكتب أبو موسى أن البلد لا يصلح إلا به فكتب إليه عمر مات النصراني و السلام. و كتب إلى معاوية إياك و الاحتجاب دون الناس و ائذن للضعيف و أدنه حتى ينبسط لسانه و يجترئ قلبه و تعهد الغريب فإنه إذا طال حبسه و دام إذنه ضعف قلبه و ترك حقه عزل عمر زيادا عن كتابة أبي موسى الأشعري في بعض قدماته عليه فقال له عن عجز أم عن خيانة فقال لا عن واحدة منهما و لكني أكره أن أحمل على العامة فضل عقلك. شرح نهج البلاغة ج : 12 ص : 8و قال إني و الله لا أدع حقا لله لشكاية تظهر و لا لضب يحتمل و لا محاباة لبشر و إنك و الله ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه. و كتب إلى سعبن أبي وقاص يا سعد سعد بني أهيب إن الله إذا أحب عبدا حببه إلى خلقه فاعتبر منزلتك من الله بمنزلتك من الناس و اعلم أن ما لك عند الله مثل ما لله عندك. و سأل رجلا عن شي ء فقال الله أعلم فقال قد شقينا إن كنا لا نعلم أن الله أعلم إذا سئل أحدكم عما لا يعلم فليقللا أدري. و قال عبد الملك على المنبر أنصفونا يا معشر الرعية تريدون(13/5)