مطرودين. اللهم أعذنا من جشع الفقير و ريبة المنافق و تجليح المعاند و طيشة العجول و فترة الكسلان و حيلة المستبد و فتور العقل و حيرة المخرج و حسرة المحوج و فلتة الذهول و حرقة النكول و رقة الخائف و طمأنينة المغرور و غفلة الغرور. و اكفنا مئونة أخ يرصد مسكونا إليه و يمكر موثوقا به و يخيس معتمدا عليه. و صل الكفاية بالسلوة عن هذه الدنيا و اجعل التهافنا عليها حنينا إلى دار السلام و محل القرار و غلب إيماننا بالغيب على يقيننا بالعيان و احرسنا من أنفسنا فإنها ينابير الشهوة و مفاتيح البلوى. و أرنا من قدرتك ما يحفظ علينا هيبتك و أوضح لنا من حكمتك ما يقلبنا في ملكوتك و أسبغ علينا من نعمتك ما يكون لنا عونا على طاعتك و أشع في صدورنا من نورك ما تتجلى به حقائق توحيدك و اجعل ديدننا ذكرك و عادتنا الشوق إليك و علمنا النصح لخلقك و اجعل غايتنا الاتصال بك و احجبنا عن قول يبرئ من رضاك و عمل يعمى صاحبه عن هداك و ألف بيننا و بين الحق و قربنا من معادن الصدق و اعصمنا من بوائق الخلق و انقلنا من مضايق الرق و اهدنا إلى فوائد العتق. اللهم إنك بدأت بالصنع و أنت أهله فعد بالتوفيق فإنك أهله.(12/226)


شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 275اللهم إنا نتضاءل لك عند مشاهدة عظمتك و ندل عليك عند تواتر برك و نذل لك عند ظهور آياتك و نلح عليك عند علمنا بجودك. و نسألك من فضلك ما لا يرزؤك و لا ينكؤك و نتوسل إليك بتوحيد لا ينتمي إليه خلق و لا يفارقه حق. و منها اللهم عليأتوكل و بك أستعين و فيك أوالي و بك أنتسب و منك أفرق و معك أستأنس و لك أمجد و إياك أسأل لسانا سمحا بالصدق و صدرا قد ملئ من الحق و أملا منقطعا عن الخلق و حالا مكنونها يبوئ الجنة و ظاهرها يحقق المنة و عاقبة تنسي ما سلف و تتصل بما يتمنى و يتوكف. و أسألك اللهم كبدا رجوفا خئوفا و دمعا نطوفا شوقا إليك و نفسا عزوفا إذعانا لك و سرا ناقعا ببرد الإيمان بك و نهارا مشتملا على ما كسب من مرضاتك و ليلا مالئا بما أزلف لديك. أشكو إليك اللهم تلهفي على ما يفوتني من الدنيا و إنني في طاعة الهوى جاهلا بحقك ساهيا عن واجبك ناسيا ما تكرره من وعظك و إرشادك و بيانك و تنبيهك حتى كان حلاوة وعدك لم تلج أذني و لم تباشر فؤادي و حتى كأني مرارة عتابك و لائمتك لم تهتك حجابي و لم تعرض علي أوصابي. اللهم إليك المفر من دار منهومها لا يشبع و حائمها لا ينقع و طالبها لا يربع و واجدها لا يقنع و العيش عنك رقيق و للأمل فيك تحقيق. اللهم كما ابتليت بحكمتك الخفية التي أشكلت على العقول و حارت معها البصائر فعاف برحمتك اللطيفة التي تطاولت إليها الأعناق و تشوفت نحوها السرائر و خذ معنا بالفضل الذي إليك هو منسوب و عنك هو مطلوب و أفطم نفوسنا من رضاع الدنيا شرح نه البلاغة ج : 11 ص : 276و الطف بما أنت له أهل إنك على كل شي ء قدير. اللهم قدنا بأزمة التوحيد إلى محاضر طاعتك و اخلطنا في زمرة المخلصين لذكرك و اجعل إجابتك من قبيل ما يتصل بكرم عفوك و لا تجعل خيبتنا من قبل جهلنا بقدرك و إضرابنا عن أمرك فلا سائل أحوج منا و مسئول أجود منك. اللهم احجر بيننا و بين كل ما دل على غيرك ببيانك و(12/227)


دعا إلى سواك ببرهانك و انقلنا عن مواطن العجز مرتقيا بنا إلى شرفات العز فقد استحوذ الشيطان و خبثت النفس و ساءت العادة و كثر الصادون عنك و قل الداعون إليك و ذهب المراعون لأمرك و فقد الواقفون عند حدودك و خلت ديار الحق من سكانها و بيع دينك بيع الخلق و استهزئ بناشر مجدك و أقصي المتوسل بك. اللهم فأعد نضارة دينك و أفض بين خلقك بركات إحسانك و امدد عليهم ظل توفيقك و اقمع ذوي الاعتراض عليك و اخسف بالمقتحمين في دقائق غيبك و اهتك أستار الهاتكين لستر دينك و القارعين أبواب سرك القائسين بينك و بين خلقك اللهم إني أسألك أن تخصني بإلهام اقتبس الحق منه و توفيق يصحبني و أصحبه و لطف لا يغيب عني و لا أغيب عنه حتى أقول إذا قلت لوجهك و أسكت إذا سكت بإذنك و أسأل إذا سألت بأمرك و أبين إذا أبنت بحجتك و أبعد إذا بعدت بإجلالك و أقرب إذا قربت برحمتك و أعبد إذا عبدت مخلصا لك و أموت إذا مت منتقلا إليك اللهم فلا تكلني إلى غيرك و لا تؤيسني من خيرك. و منها اللهم إنا بك نعز كما إنا بغيرك نذل و إياك نرجو كما إنا من غيرك نيأس و إليك نفوض كما إنا من غيرك نعرض أذنت لنا في دعائك و أدنيتنا إلى فنائك و هيأتنا لعطائك و خصصتنا بحبائك و وسمتنا بولائك و عممتنا بآلائك و غمستنا في نعمائك و ناغيتنا بألسن ملكوتك عن دفائن ما في عالمك و لاطفتنا بظاهر قولك(12/228)


شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 277و توليتنا بباطن فعلك فسمت نحوك أبصارنا و شامت بروق جودك بصائرنا فلما استقر ما بيننا و بينك أرسلت علينا سماء فضلك مدرارا و فتحت لنا منا أسماعا و أبصارا فرأينا ما طاح معه تحصيلنا و سمعنا ما فارقنا عنده تفضيلنا فلما سرنا إلى خك من ذلك ذروا اتخذونا من أجله لعبا و هزوا فبقدرتك على بلوانا بهم أرنا بك الغنى عنهم اللهم قيض لنا فرجا من عندك و أنح لنا مخلصا إليك فإنا قد تعبنا بخلقك و عجزنا عن تقويمهم لك و نحن إلى مقاربتهم في مخالفتك أقرب منا إلى منابذتهم في موافقتك لأنه لا طاقة لنا بدهمائهم و لا صبر لنا على بلوائهم و لا حيلة لنا في شفائهم فنسألك بالضراعة التامة و بالإخلاص المرفود إلا أخذت بأيدينا و أرسلت رحمتك علينا فما أقدرك على الإجابة و ما أجودك بكل مصون يا ذا الجلال و الإكرام. و منها اللهم إنا قربنا بك فلا تنئنا عنك و ظهرنا لك فلا تبطنا دونك و وجدناك بما ألقيت إلينا من غيب ملكوتك و عزفنا عن كل ما لوانا عن بابك و وثقنا بكل ما وعدتنا في كتابك و توكلنا بالسر و العلن على لطيف صنعك. اللهم إليك نظرت العيون فعادت خاسئة عبرى و فيك تقسمت الظنون فانقلبت يائسة حسرى و في قدرتك حارت الأبصار و في حكمتك طاحت البصائر و في آلائك غرقت الأرواح و على ما كان منك تقطعت الأنفاس و من أجل إعراضك التهبت الصدور و لذكر ما مضى منك هملت الدموع اللهم تولنا فيما وليتنا حتى لا نتولى عنك و أمنا مما خوفتنا حتى نقر معك و أوسعنا رحمتك حتى نطمئن إلى ما وعدتنا في كتابك و فرق بيننا و بين الغل حتى لا نعامل به خلقك و أغننا بك حتى لا نفتقر إلى عبادك فإنك إذا يسرت أمرا تيسر و مهما بلوتنا فلا تبلنا بهجرك و لا تجرعنا مرارة سخطك لا قد اعترفنا بربوبيتك شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 278عبودية لك فعرفنا حقيقتها بالعفو عنا و الإقبال علا و الرفق بنا يا رحيم. و منها اللهم إن الرغبات بك منوطة و الوسائل(12/229)


إليك متداركة و الحاجات ببابك مرفوعة و الثقة بك مستحصفة أي مستحكمة و الأخبار بجودك شائعة و الآمال نحوك نازعة و الأماني وراءك منقطعة و الثناء عليك متصل و وصفك بالكرم معروف و الخلائق إلى لطفك محتاجة و الرجاء فيك قوي و الظنون بك جميلة و الأعناق لعزك خاضعة و النفوس إلى مواصلتك مشتاقة و الأرواح لعظمتك مبهوته لأنك لإله العظيم و الرب الرحيم و الجواد الكريم و السميع العليم تملك العالم كله و ما بعده و ما قبله و لك فيه تصاريف القدرة و خفيات الحكمة و نوافذ الإرادة و لك فيه ما لا ندريه مما تخفيه و لا تبديه جللت عن الإجلال و عظمت عن التعظيم و قد أزف ورودنا عليك و وقوفنا بين يديك و ظننا ما قد علمت و رجاؤنا ما قد عرفت فكن عند ظننا بك و حقق رجاءنا فيك فما خالفناك جرأة عليك و لا عصيناك تقحما في سخطك و لا اتبعنا هوانا استهزاء بأمرك و نهيك و لكن غلبت علينا جواذب الطينة التي عجنتنا بها و بذور الفطرة التي أنبتنا منها فاسترخت قيودنا عن ضبط أنفسنا و عزبت ألبابنا عن تحصيل حظوظنا و لسنا ندعي حجة و لكن نسألك رأفة فبسترك السابغ الذيال و فضلك الذي يستوعب كل مقال إلا تممت ما سلف منك إلينا و عطفت بجودك الفياض علينا و جذبت بأضباعنا و أقررت عيوننا و حققت آمالنا إنك أهل ذلك و أنت على كل شي ء قدير(12/230)

14 / 147
ع
En
A+
A-