شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 9فأما رواية محمد بن إسحاق فإنه قال لما قدم محمد بن جعفر و محمد بن أبي بكر الكوفة استنفرا الناس فدخل قوم منهم على أبي موسى ليلا فقالوا له أشر علينا برأيك في الخروج مع هذين الرجلين إلى علي ع فقال أما سبيل الآخرة فالزموا بيوتكم وما سبيل الدنيا فاشخصوا معهما فمنع بذلك أهل الكوفة من الخروج و بلغ ذلك المحمدين فأغلظا لأبي موسى فقال أبو موسى و الله إن بيعة عثمان لفي عنق علي و عنقي و أعناقكما و لو أردنا قتالا ما كنا لنبدأ بأحد قبل قتلة عثمان فخرجا من عنده فلحقا بعلي ع فأخبراه الخبر. و أما رواية أبي مخنف فإنه قال إن هاشم بن عتبة لما قدم الكوفة دعا أبو موسى السائب بن مالك الأشعري فاستشاره فقال اتبع ما كتب به إليك فأبى ذلك و حبس الكتاب و بعث إلى هاشم يتوعده و يخوفه. قال السائب فأتيت هاشما فأخبرته برأي أبي موسى فكتب إلى علي ع لعبد الله علي أمير المؤمنين من هاشم بن عتبة أما بعد يا أمير المؤمنين فإني قدمت بكتابك على امرئ مشاق بعيد الود ظاهر الغل و الشنآن فتهددني بالسجن و خوفني بالقتل و قد كتبت إليك هذا الكتاب مع المحل بن خليفة أخي طيئ و هو من شيعتك و أنصارك و عنده علم ما قبلنا فاسأله عما بدا لك و اكتب إلي برأيك و السلام. قال فلما قدم المحل بكتاب هاشم على علي ع سلم عليه ثم قال الحمد لله الذي أدى الحق إلى أهله و وضعه موضعه فكره ذلك قوم قد و الله كرهوا نبوة محمد ص ثم بارزوه و جاهدوه فرد الله عليهم كيدهم في نحورهم و جعل دائرة السوء عليهم و الله يا أمير المؤمنين لنجاهدنهم معك في كل موطن حفظا لرسول الله ص في أهل بيته إذ صاروا أعداء لهم بعده. شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 10فرحب به علي ع و قال له خيرا ثم أجلسه إلى جانبه و قرأ كتاب هاشم و سأله عن الناس و عن أبي موسى فقال و الله يا أمير المؤمنين ما أثق به لا آمنه على خلافك إن وجد من يساعده على ذلك فقال علي ع و الله ما كان(15/4)


عندي بمؤتمن و لا ناصح و لقد أردت عزله فأتاني الأشتر فسألني أن أقره و ذكر أن أهل الكوفة به راضون فأقررته و
روى أبو مخنف قال و بعث علي ع من الربذة بعد وصول المحل بن خليفة أخي طيئ عبد الله بن عباس و محمد بن أبي بكر إلى أبي موسى و كتب معهما من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس أما بعد يا ابن الحائك يا عاض أير أبيه فو الله إني كنت لأرى أن بعدك من هذا الأمر الذي لم يجعلك الله له أهلا و لا جعل لك فيه نصيبا سيمنعك من رد أمري و الانتزاء علي و قد بعثت إليك ابن عباس و ابن أبي بكر فخلهما و المصر و أهله و اعتزل عملنا مذءوما مدحورا فإن فعلت و إلا فإني قد أمرتهما أن ينابذاك على سواء إن الله لا يهدي كيد الخائنين فإذا ظهرا عليك قطعاك إربا إربا و السلام على من شكر النعمة و وفى بالبيعة و عمل برجاء العاقبة
قال أبو مخنف فلما أبطأ ابن عباس و ابن أبي بكر عن علي ع و لم يدر ما صنعا رحل عن الربذة إلى ذي قار فنزلها فلما نزل ذا قار بعث إلى الكوفة الحسن ابنه ع و عمار بن ياسر و زيد بن صوحان و قيس بن سعد بن عبادة و معهم كتاب إلى أهل الكوفة فأقبلوا حتى كانوا بالقادسية فتلقاهم الناس فلما دخلوا الكوفة قرءوا
كتاب علي و هو من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من بالكوفة من المسلمين شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 11أما بعد فإني خرجت مخرجي هذا إما ظالما و إما مظلوما و إما باغيا و إما مبغيا علي فأنشد الله رجلا بلغه كتابي هذا إلا نفر إلي فإن كنت مظلوما أعانني و إن كنت لما استعتبني و السلام
قال أبو مخنف فحدثني موسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال أقبلنا مع الحسن و عمار بن ياسر من ذي قار حتى نزلنا القادسية فنزل الحسن و عمار و نزلنا معهما فاحتبى عمار بحمائل سيفه ثم جعل يسأل الناس عن أهل الكوفة و عن حالهم ثم سمعته يقول ما تركت في نفسي حزة أهم إلي من ألا نكون نبشنا عثمان من قبره ثم أحرقناه بالنار.(15/5)


قال فلما دخل الحسن و عمار الكوفة اجتمع إليهما الناس فقام الحسن فاستنفر الناس فحمد الله و صلى على رسوله ثم قال أيها الناس إنا جئنا ندعوكم إلى الله و إلى كتابه و سنة رسوله و إلى أفقه من تفقه من المسلمين و أعدل من تعدلون و أفضل من تفضلون و أوفى من تبايعون من لم يعبه القرآن و لم تجهله السنة و لم تقعد به السابقة إلى من قربه الله تعالى إلى رسوله قرابتين قرابة الدين و قرابة الرحم إلى من سبق الناس إلى كل مأثرة إلى من كفى الله به رسوله و الناس متخاذلون فقرب منه و هم متباعدون و صلى معه و هم مشركون و قاتل معه و هم منهزمون و بارز معهم و هم محجمون و صدقه و هم يكذبون إلى من لم ترد له رواية و لا تكافأ له سابقة و هو يسألكم النصر و يدعوكم إلى الحق و يأمركم بالمسير إليه لتوازروه و تنصروه على قوم نكثوا بيعته و قتلوا أهل الصلاح من أصحابه و مثلوا بعماله و انتهبوا بيت ماله فاشخصوا إليه رحمكم الله فمروا بالمعروف و انهوا عن المنكر و احضروا بما يحضر به الصالحون
قال أبو مخنف حدثني جابر بن يزيد قال حدثني تميم بن حذيم الناجي قال قدم علينا شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 12الحسن بن علي ع و عمار بن ياسر يستنفران الناس إلى علي ع و معهما كتابه فلما فرغا من قراءة كتابه قام الحسن و هو فتى حدث و الله إني لأرثي له من حداثة سنه صعوبة مقامه فرماه الناس بأبصارهم و هم يقولون اللهم سدد منطق ابن بنت نبينا فوضع يده على عمود يتساند إليه و كان عليلا من شكوى به(15/6)


فقال الحمد لله العزيز الجبار الواحد القهار الكبير المتعال سواء منكم من أسر القول و من جهر به و من هو مستخف بالليل و سارب بالنهار أحمده على حسن البلاء و تظاهر النعماء و على ما أحببنا و كرهنا من شدة و رخاء و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله امتن علينا بنبوته و اختصه برسالته و أنزل عليه وحيه و اصطفاه على جميع خلقه و أرسله إلى الإنس و الجن حين عبدت الأوثان و أطيع الشيطان و جحد الرحمن فصلى الله عليه و على آله و جزاه أفضل ما جزى المسلمين أما بعد فإني لا أقول لكم إلا ما تعرفون إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أرشد الله أمره و أعز نصره بعثني إليكم يدعوكم إلى الصواب و إلى العمل بالكتاب و الجهاد في سبيل الله و إن كان في عاجل ذلك ما تكرهون فإن في آجله ما تحبون إن شاء الله و لقد علمتم أن عليا صلى مع رسول الله ص وحده و إنه يوم صدق به لفي عاشرة من سنه ثم شهد مع رسول الله ص جميع مشاهده و كان من اجتهاده في مرضاة الله و طاعة رسوله و آثاره الحسنة في الإسلام ما قد بلغكم و لم يزل رسول الله ص راضيا عنه حتى غمضه بيده و غسله وحده و الملائكة أعوانه و الفضل ابن عمه ينقل إليه الماء ثم أدخله حفرته و أوصاه بقضاء دينه و عداته و غير ذلك من أموره كل ذلك من من الله عليه ثم و الله ما دعا إلى نفسه و لقد تداك الناس عليه تداك الإبل الهيم عند ورودها فبايعوه طائعين ثم نكث منهم ناكثون بلا حدث أحدثه و لا خلاف أتاه حسدا له و بغيا عليه فعليكم عباد الله بتقوى الله و طاعته و الجد و الصبر و الاستعانة بالله شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 13و الخفوف إلى ما دعاكم إليه أمير المؤمنين عصمنا الله و إياكم بما عصم به أولياءه و أهل طاعته و ألهمنا و إياكم تقواه و أعاننا و إياكم على جهاد أعدائه و أستغفر الله العظيم لي و لكمثم مضى إلى الرحبة فهيأ منزلا لأبيه أمير المؤمنين. قال جابر فقلت لتميم كيف أطاق(15/7)


هذا الغلام ما قد قصصته من كلامه فقال و لما سقط عني من قوله أكثر و لقد حفظت بعض ما سمعت. قال و لما نزل علي ع ذا قار كتبت عائشة إلى حفصة بنت عمر أما بعد فإني أخبرك أن عليا قد نزل ذا قار و أقام بها مرعوبا خائفا لما بلغه من عدتنا و جماعتنا فهو بمنزلة الأشقر إن تقدم عقر و إن تأخر نحر فدعت حفصة جواري لها يتغنين و يضربن بالدفوف فأمرتهن أن يقلن في غنائهن ما الخبر ما الخبر علي في السفر كالفرس الأشقر إن تقدم عقر و إن تأخر نحر. و جعلت بنات الطلقاء يدخلن على حفصة و يجتمعن لسماع ذلك الغناء. فبلغ أم كلثوم بنت علي ع فلبست جلابيبها و دخلت عليهن في نسوة متنكرات ثم أسفرت عن وجهها فلما عرفتها حفصة خجلت و استرجعت فقالت أم كلثوم لئن تظاهرتما عليه منذ اليوم لقد تظاهرتما على أخيه من قبل فأنزل الله فيكما ما أنزل فقالت حفصة كفى رحمك الله و أمرت بالكتاب فمزق و استغفرت الله. قال أبو مخنف روى هذا جرير بن يزيد عن الحكم و رواه الحسن بن دينار عن الحسن البصري و ذكر الواقدي مثل ذلك و ذكر المدائني أيضا مثله قال فقال سهل بن حنيف في ذلك هذه الأشعار شرح نهج البلاغة : 14 ص : 14(15/8)

133 / 147
ع
En
A+
A-