روى عن النبي ص أنه قال كان في شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 316بني إسرائيل حكمان ضالان و سيكون في أمتي حكمان ضالان ضال من اتبعهماو أنه قيل له أ لا يجوز أن تكون أحدهما فقال لا أو كلاما ما هذا معناه فلما بلي به قيل فيه البلاء موكل بالمنطق و لم يثبت في توبته ما ثبت في توبة غيره و إن كان الشيخ أبو علي قد ذكر في آخر كتاب الحكمين أنه جاء إلى أمير المؤمنين ع في مرض الحسن بن علي فقال له أ جئتنا عائدا أم شامتا فقال بل عائدا و حدث بحديث في فضل العيادة. قال ابن متويه و هذه أمارة ضعيفة في توبته. انتهى كلام ابن متويه و ذكرته لك لتعلم أنه عند المعتزلة من أرباب الكبائر و حكمه حكم أمثاله ممن واقع كبيرة و مات عليها. قال أبو عمر بن عبد البر و اختلف في تاريخ موته فقيل سنة اثنتين و أربعين و قيل سنة أربع و أربعين و قيل سنة خمسين و قيل سنة اثنتين و خمسين. و اختلف في قبره فقيل مات بمكة و دفن بها و قيل مات بالكوفة و دفن بها
شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 243317- و من خطبة له ع يذكر فيها آل محمد صهُمْ عَيْشُ الْعِلْمِ وَ مَوْتُ الْجَهْلِ يُخْبِرُكُمْ حِلْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ وَ ظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ وَ صَمْتُهُمْ عَنْ حُكْمِ مَنْطِقِهِمْ لَا يُخَالِفُونَ الْحَقَّ وَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَ هُمْ دَعَائِمُ الْإِسْلَامِ وَ وَلَائِجُ الِاعْتِصَامِ بِهِمْ عَادَ الْحَقُّ إِلَى نِصَابِهِ وَ انْزَاحَ الْبَاطِلُ عَنْ مَقَامِهِ وَ انْقَطَعَ لِسَانُهُ عَنْ مَنْبِتِهِ عَقَلُوا الدِّينَ عَقْلَ وِعَايَةٍ وَ رِعَايَةٍ لَا عَقْلَ سَمَاعٍ وَ رِوَايَةٍ فَإِنَّ رُوَاةَ الْعِلْمِ كَثِيرٌ وَ رُعَاتَهُ قَلِيلٌ(14/341)
يقول بهم يحيا العلم و يموت الجهل فسماهم حياة ذاك و موت هذا نظرا إلى السببية يدلكم حلمهم و صفحهم عن الذنوب على علمهم و فضائلهم و يدلكم ما ظهر منهم من الأفعال الحسنة على ما بطن من إخلاصهم و يدلكم صمتهم و سكوتهم عما لا يعنيهم عن حكمة منطقهم و يروى و يدلكم صمتهم على منطقهم و ليس في هذه الرواية لفظة حكم. لا يخالفون الحق لا يعدلون عنه و لا يختلفون فيه كما يختلف غيرهم من الفرق و أرباب المذاهب فمنهم من له في المسألة قولان و أكثر و منهم من يقول قولا ثم يرجع عنه و منهم من يرى في أصول الدين رأيا ثم ينفيه و يتركه. شرحنهج البلاغة ج : 13 ص : 318و دعائم الإسلام أركانه. و الولائج جمع وليجة و هي الموضع يدخل إليه و يستتر فيه و يعتصم به. و عاد الحق إلى نصابه رجع إلى مستقره و موضعه و انزاح الباطل زال و انقطع لسانه انقطع حجته. عقلوا الدين عقل رعاية أي عرفوا الدين و علموه معرفةمن وعى الشي ء و فهمه و أتقنه و وعاية أي وعوا الدين و حفظوه و حاطوه ليس كما يعقله غيرهم عن سماع و رواية فإن من يروي العلم و يسنده إلى الرجال و يأخذه من أفواه الناس كثير و من يحفظ العلم حفظ فهم و إدراك أصالة لا تقليدا قليل تم الجزء الثالث عشر من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد و يليه الجزء الرابع عشر(14/342)
شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 3الجزء الرابع عشرباب الكتب و الرسائل
شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 5 باب المختار من كتب مولانا أمير المؤمنين ع و رسائله إلى أعدائه و أولياء بلاده و يدخل في ذلك ما اختير من عهوده إلى عماله و وصاياه لأهله و أصحابهلما فرغ من إيراد المختار من خطب أمير المؤمنين ع و كلامه الجاري مجرى الخطب من المواعظ و الزواجر شرع في إيراد باب من مختار كلامه ع و هو ما كان جاريا مجرى الرسائل و الكتب و يدخل في ذلك العهود و الوصايا و قد أورد في هذا الباب ما هو بالباب الأول أشبه نحو كلامه ع لشريح القاضي لما اشترى دارا و كلامه لشريح بن هانئ لما جعله على مقدمته إلى الشام. و سمى ما يكتب للولاة عهدا اشتقاقا من قولهم عهدت إلى فلان أي أوصيته شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 1- من كتاب له ع إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة
مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ جَبْهَةِ الْأَنْصَارِ وَ سَنَامِ الْعَرَبِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُخْبِرُكُمْ عَنْ أَمْرِ عُثْمَانَ حَتَّى يَكُونَ سَمْعُهُ كَعِيَانِهِ إِنَّ النَّاسَ طَعَنُوا عَلَيْهِ فَكُنْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أُكْثِرُ اسْتِعْتَابَهُ وَ أُقِلُّ عِتَابَهُ وَ كَانَ طَلْحَةُ وَ الزُّبَيْرُ أَهْوَنُ سَيْرِهِمَا فِيهِ الْوَجِيفُ وَ أَرْفَقُ حِدَائِهِمَا الْعَنِيفُ وَ كَانَ مِنْ عَائِشَةَ فِيهِ فَلْتَةُ غَضَبٍ فَأُتِيحَ لَهُ قَوْمٌ قَتَلُوهُ وَ بَايَعَنِي النَّاسُ غَيْرَ مُسْتَكْرَهِينَ وَ لَا مُجْبَرِينَ بَلْ طَائِعِينَ مُخَيَّرِينَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ دَارَ الْهِجْرَةِ قَدْ قَلَعَتْ بِأَهْلِهَا وَ قَلَعُوا بِهَا وَ جَاشَتْ جَيْشَ الْمِرْجَلِ وَ قَامَتِ الْفِتْنَةُ عَلَى الْقُطْبِ فَأَسْرِعُوا إِلَى أَمِيرِكُمْ وَ بَادِرُوا جِهَادَ عَدُوِّكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ(15/1)
قوله جبهة الأنصار يمكن أن يريد جماعة الأنصار فإن الجبهة في اللغة الجماعة و يمكن أن يريد به سادة الأنصار و أشرافهم لأن جبهة الإنسان أعلى أعضائه و ليس يريد بالأنصار هاهنا بني قيلة بل الأنصار هاهنا الأعوان. شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 7قوله ع و سنام العرب أيهل الرفعة و العلو منهم لأن السنام أعلى أعضاء البعير. قوله ع أكثر استعتابه و أقل عتابه الاستعتاب طلب العتبى و هي الرضا قال كنت أكثر طلب رضاه و أقل عتابه و تعنيفه على الأمور و أما طلحة و الزبير فكانا شديدين عليه. و الوجيف سير سريع و هذا مثل للمشمرين في الطعن عليه حتى إن السير السريع أبطأ ما يسيران في أمره و الحداء العنيف أرفق ما يحرضان به عليه. و دار الهجرة المدينة. و قوله قد قلعت بأهلها و قلعوا بها الباء هاهنا زائدة في أحد الموضعين و هو الأول و بمعنى من في الثاني يقول فارقت أهلها و فارقوها و منه قولهم هذا منزل قلعة أي ليس بمستوطن. و جاشت اضطربت و المرجل القدر. و من لطيف الكلام قوله ع فكنت رجلا من المهاجرين فإن في ذلك من التخلص و التبري ما لا يخفى على المتأمل أ لا ترى أنه لم يبق عليه في ذلك حجة لطاعن حيث كان قد جعل نفسه كواحد من عرض المهاجرين الذين بنفر يسير منهم انعقدت خلافة أبي بكر و هم أهل الحل و العقد و إنما كان الإجماع حجة لدخولهم فيه. و من لطيف الكلام أيضا قوله فأتيح له قوم قتلوه و لم يقل أتاح الله له قوما و لا قال أتاح له الشيطان قوما و جعل الأمر مبهما. و قد ذكر أن خط الرضي رحمه الله مستكرهين بكسر الراء و الفتح أحسن و أصوب و إن كان قد جاء استكرهت الشي ء بمعنى كرهته. شرح نهج البلاغة ج : 14 ص : 8و قال الراوندي المراد بدار الهجرة هاهنا الكوفة التي هاجر أمير المؤمنين ع إليها و ليس بصحيح بل المراد المدينة و سياق الكلام يقتضي ذلك و لأنه كان حين كتب هذا الكتالى أهل الكوفة بعيدا عنهم فكيف يكتب إليهم يخبرهم عن أنفسهم(15/2)
أخبار علي عند مسيره إلى البصرة و رسله إلى أهل الكوفة
و روى محمد بن إسحاق عن عمه عبد الرحمن بن يسار القرشي قال لما نزل علي ع الربذة متوجها إلى البصرة بعث إلى الكوفة محمد بن جعفر بن أبي طالب و محمد بن أبي بكر الصديق و كتب إليهم هذا الكتاب و
زاد في آخره فحسبي بكم إخوانا و للدين أنصارا ف انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالًا وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
و روى أبو مخنف قال حدثني الصقعب قال سمعت عبد الله بن جنادة يحدث أن عليا ع لما نزل الربذة بعث هاشم بن عتبة بن أبي وقاص إلى أبي موسى الأشعري و هو الأمير يومئذ على الكوفة لينفر إليه الناس و كتب إليه معه من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس أما بعد فإني قد بعثت إليك هاشم بن عتبة لتشخص إلي من قبلك من المسلمين ليتوجهوا إلى قوم نكثوا بيعتي و قتلوا شيعتي و أحدثوا في الإسلام هذا الحدث العظيم فاشخص بالناس إلي معه حين يقدم عليك فإني لم أولك المصر الذي أنت فيه و لم أقرك عليه إلا لتكون من أعواني على الحق و أنصاري على هذا الأمر و السلام(15/3)