و من الدعوات الفصيحة المستحسنة فصول من كلام أبي حيان التوحيدي نقلتها. فمنها اللهم إني أبرأ من الثقة إلا بك و من الأمل إلا فيك و من التسليم إلا لك و من التفويض إلا إليك و من التوكل إلا عليك و من الطلب إلا منك و من الرضا إلا عنك و من الذل إلا في طاعتك و من الصبر إلا على بلائك و أسألك أن تجعل الإخلاص قرين عقيدتي و الشكر على نعمك شعاري و دثاري و النظر إلى ملكوتك دأبي و ديدني و الانقياد لك شأني و شغلي و الخوف منك أمني و إيماني و اللياذ بذكرك بهجتي و سروري. اللهم تتابع برك و اتصل خيرك و عظم رفدك و تناهى إحسانك و صدق وعدك و بر قسمك و عمت فواضلك و تمت نوافلك و لم تبق حاجة إلا و قد قضيتها أو تكلفت بقضائها فاختم ذلك كله بالرضا و المغفرة إنك أهل ذلك و القادر عليه و الملي به. و منها اللهم إني أسألك خفايا لطفك و فواتح توفيقك و مألوف برك و عوائد إحسانك و جاه المقدسين من ملائكتك و منزلة المصطفين من رسلك و مكاثرة الأولياء من خلقك و عاقبة المتقين من عبادك. و أسألك القناعة برزقك و الرضا بحكمك و النزاهة عن محظورك و الورع في شبهاتك و القيام بحجتك و الاعتبار بما أبديت و التسليم لما أخفيت و الإقبال على ما أمرت و الوقوف عما زجرت حتى أتخذ الحق حجة عند ما خف و ثقل و الصدق سنة فيما عسر و سهل و حتى أرى أن شعار الزهد أعز شعار و منظر الباطل أشوه منظر شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 270فأتبختر في ملكوتك بفضفاض الرداء بالدعاء إليك و أبلغ الغاية القصوى بين خلقك بالثناء عليك. و منها اللهم إليك أع عجري و بجري و بك أستعين في عسري و يسري و إياك أدعو رغبا و رهبا فإنك العالم بتسويل النفس و فتنة الشيطان و زينة الهوى و صرف الدهر و تلون الصديق و بائقة الثقة و قنوط القلب و ضعف المنة و سوء الجزع. فقني اللهم ذلك كله و اجمع من أمري شمله و انظم من شأني شتيته و احرسني عند الغنى من البطر و عند الفقر من الضجر و عند الكفاية من(12/221)


الغفلة و عند الحاجة من الحسرة و عند الراحة من الفسولة و عند الطلب من الخيبة و عند المنازلة من الطغيان و عند البحث من الاعتراض عليك و عند التسليم من التهمة لك. و أسألك أن تجعل صدري خزانة توحيدك و لساني مفتاح تمجيدك و جوارحي خدم طاعتك فإنه لا عز إلا في الذل لك و لا غنى إلا في الفقر إليك و لا أمن إلا في الخوف منك و لا قرار إلى في القلق نحوك و لا روح إلا في الكرب لوجهك و لا ثقة إلا في تهمة خلقك و لا راحة إلا في الرضا بقسمك و لا عيش إلا في جوار المقربين عندك. و منها اللهم ببرهانك الصادع و بنور وجهك الساطع صل على محمد نبيك نبي الرحمة و قائد الأمة و إمام الأئمة و احرس علي إيماني بك بالتسليم لك و خفف عني مئونة الصبر على امتحانك و واصل لي أسباب المزيد عند الشكر على نعمتك و اجعل بقية عمري في غنى عن خلقك و رضا بالمقدم من رزقك.(12/222)


شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 271اللهم إنك إن آخذتنا بذنوبنا خسفت الأرض بنا و إن جازيتنا على ظلمنا قطعت دوابرنا فإنك قلت فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ اللهم إليك نشكو قسوة قلوبنا و غل صدورنا و فتنة أنفا و طموح أبصارنا و رفث ألسنتنا و سخف أحلامنا و سوء أعمالنا و فحش لجاجنا و قبح دعوانا و نتن أشرارنا و خبث أخيارنا و تلزق ظاهرنا و تمزق باطننا. اللهم فارحمنا و ارأف بنا و اعطف علينا و أحسن إلينا و تجاوز عنا و اقبل الميسور منا فإننا أهل عقوبة و أنت أهل مغفرة و أنت بما وصفت به نفسك أحق منا بما وسمنا به أنفسنا فإن في ذلك ما اقترن بكرمك و أدى إلى عفوك و من قبل ذلك و بعده فألب عيشنا بنعمتك و أرح أرواحنا من كد الأمل في خلقك و خذ بأزمتنا إلى بابك و أله قلوبنا عن هذه الدار الفانية و ازرع فيها محبة الدار الباقية و قلبنا على بساط لطفك و حثنا بالإحسان إلى كنفك و رفهنا عن التماس ما عند غيرك و اغضض عيوننا من ملاحظة ما حجب من غيرك و صل بيننا و بين الرضا عنك و ارفع عنا مئونة العرض عليك و خفف علينا كل ما أوصلنا إليك و أذقنا حلاوة قربك و اكشف عن سرائرنا سواتر حجبك و وكل بنا الحفظة و ارزقنا اليقظة حتى لا نقترف سيئة و لا نفارق حسنة إنك قائم على كل نفس بما كسبت و أنت بما نخفي و ما نعلن خبير بصير. و منها اللهم أنت الحي القيوم و الأول الدائم و الإله القديم و البارئ المصور و الخالق المقدس و الجبار الرفيع و القهار المنيع و الملك الصفوح و الوهاب المنوح شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 272و الرحمن الرءوف و الحنان العطوف و المنان اللطيف مالك الذوائب و النواصي و حافظ الأداني و الأقاصي و مصرف المطيع و العاصي. اللهم أنت الظاهر الذي لا يجحدك جاحد إلا زايلته الطمأنينة و أسلمه اليأس و أوحشه القنوط رحلت عنه العصمة و تردد بين رجاء قد نأى عنه التوفيق و أمل قد حفت به(12/223)


الخيبة و طمع يحوم على أرجاء التكذيب و سر قد أطاف به الشقاء و علانية قد أناف عليها البلاء موهون المنة منسوخ العقدة مسلوب العدة تشنؤه العين و تقليه النفس عقله عقل طائر و لبه لب حائر و حكمه حكم جائر لا يروم قرارا إلا أزعج عنه و لا يستفتح بابا إلا أرتج دونه و لا يقتبس ضرما إلا أجج عليه عثرته موصولة بالعثرة و حسرته مقرونة إلى حسرة إن سمع زيف و إن قال حرف و إن قضى خرف و إن احتج زخرف و لو فاء إلى الحق لوجد ظله ظليلا و أصاب تحته مثوى و مقيلا و أنت الباطن الذي لا يرومك رائم و لا يحوم على حقيقتك حائم إلا غشيه من نور إلهيتك و عز سلطانك و عجيب قدرتك و باهر برهانك و غرائب غيوبك و خفي شأنك و مخوف سطوتك و مرجو إحسانك ما يرده خاسئا من مزحزحه عن الغاية خجلا مبهورا و يرده إلى عجزه ملتحفا بالندم مرتديا بالاستكانة راجعا إلى الصغار موقوفا مع الذلة فظاهرك يدعو إليك بلسان الاضطرار و باطنك يحير فيك لسعة قضاء الاعتبار و فعلك يدل عليك الأسماع و الأبصار و حكمتك تعجب منك الألباب و الأسرار لك السلطان و الملكة و بيدك النجاة و الهلكة فإليك المفر و معك المقر و منك صنوف الإحسان و البر أسألك بأصح سر و أكرم لفظ و أفصح لغة و أتم إخلاص و أشرف همة و أفضل نية و أطهر عقيدة و أثبت يقين أن تصد عني(12/224)


شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 273كل ما يصد عنك و تصلني بكل ما يصل بك و تحبب إلي كل ما يحبب إليك فإنك الأول و الثاني و المشار إليه في جميع المعاني لا إله إلا أنت. و منها اللهم إني أسألك جدا مقرونا بالتوفيق و علما بريئا من الجهل و عملا عريا من الرياء و قولا شحا بالصواب و حالا دائرة مع الحق و فطنة عقل مضروبة في سلامة صدور و راحة جسم راجعة إلى روح بال و سكون نفس موصولا بثبات يقين و صحة حجة بعيدة من مرض شبهة حتى تكون غايتي في هذه الدنيا موصولة بالأمثل فالأمثل و عاقبتي عندك محمودة بالأفضل فالأفضل من حياة طيبة أنت الواعد بها و نعيم دائم أنت المبلغ إليه. اللهم لا تخيب رجاء هو منوط بك و لا تصفر كفا هي ممدودة إليك و لا تعذب عينا فتحتها بنعمتك و لا تذل نفسا هي عزيزه بمعرفتك و لا تسلب عقلا هو مستضي ء بنور هدايتك و لا تخرس لسانا عودته الثناء عليك فكما كنت أولا بالتفضل فن آخرا بالإحسان. الناصية بيدك و الوجه عان لك و الخير متوقع منك و المصير على كل حال إليك. ألبسني في هذه الحياة البائدة ثوب العصمة و حلني في تلك الدار الباقية بزينة الأمن و أفطم نفسي عن طلب العاجلة الزائدة و أجرني على العادة الفاضلة و لا تجعلني ممن سها عن باطن ما لك عليه بظاهر ما لك عنده فالشقي من لم تأخذ بيده و لم تؤمنه من غده و السعيد من آويته إلى كنف نعمتك و نقلته حميدا إلى منازل رحمتك غير مناقش في الحساب و لا سائق له إلى العذاب فإنك على ذلك قدير. و منها اللهم اجعل غدونا إليك مقرونا بالتوكل عليك و رواحنا عنك موصولا شرح نهج البلاغة ج : 11 ص : 274بالنجاح منك و إجابتنا لك راجعة إلى التهالك فيك و ذكرنا إياك منوطا بالسكون معك و ثقتنا بك هادئة إلى التفويض إليك و لا تخلنا من يد تستوعب الشكر و من شكر يمتري خلف المزيد و من مزيد يسبق اقتراح المقترحين و صنع يفوق ذرعلطالبين حتى نلقاك مبشرين بالرضا محكمين في المنى غير مناقشين و لا(12/225)

13 / 147
ع
En
A+
A-