و لعمري لقد سبق الجاحظ بما قاله بعض جهال الأنصار لما رجع رسول الله من بدر و قال فتى من الأنصار شهد معه بدرا إن قتلنا إلا عجائز صلعا فقال له النبي ص لا تقل ذلك يا ابن أخ أولئك الملأ. قال الجاحظ و قد أكثروا في الوليد بن عتبة بن ربيعة قتيله يوم بدر و ما علمنا الوليد حضر حربا قط قبلها و لا ذكر فيها. قال شيخنا أبو جعفر رحمه الله كل من دون أخبار قريش و آثار رجالها وصف الوليد بالشجاعة و البسالة و كان مع شجاعته أنه يصارع الفتيان فيصرعهم و ليس لأنه لم يشهد حربا قبلها ما يجب أن يكون بطلا شجاعا فإن عليا ع لم يشهد قبل بدر حربا و قد رأى الناس آثاره فيها. شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 293قال الجاحظ و قد ثبت أبو بكر مع النبي ص يوم أحد كما ثبت علي فلا فخر لأحدهما على صاحبه في ذلك اليوم. قال شيخنا أبو جعفر رحمه الله أما ثباته يوم أحد فأكثر المؤرخين و أرباب السير ينكرونه و جمههم يروي أنه لم يبق مع النبي ص إلا علي و طلحة و الزبير و أبو دجانة و قد روي عن ابن عباس أنه قال و لهم خامس و هو عبد الله بن مسعود و منهم من أثبت سادسا و هو المقداد بن عمرو و روى يحيى بن سلمة بن كهيل قال قلت لأبي كم ثبت مع رسول الله ص يوم أحد فقال اثنان قلت من هما قال علي و أبو دجانة. و هب أن أبا بكر ثبت يوم أحد كما يدعيه الجاحظ أ يجوز له أن يقول ثبت كما ثبت علي فلا فخر لأحدهما على الآخر و هو يعلم آثار علي ع ذلك اليوم و أنه قتل أصحاب الألوية من بني عبد الدار منهم طلحة بن أبي طلحة الذي رأى رسول الله ص في منامه أنه مردف كبشا فأوله و قال كبش الكتيبة نقتله فلما قتله علي ع مبارزة و هو أول قتيل قتل من المشركين ذلك اليوم كبر رسول الله ص و قال هذا كبش الكتيبة. و ما كان منه من المحاماة عن رسول الله ص و قد فر الناس و أسلموه فتصمد له كتيبة من قريش فيقول يا علي اكفني هذه فيحمل عليها فيهزمها و يقتل عميدها حتى سمع المسلمون و المشركون(14/321)


صوتا من قبل السماء
لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي
و حتى قال النبي ص عن جبرائيل ما قال. أ تكون هذه آثاره و أفعاله ثم يقول الجاحظ لا فخر لأحدهما على صاحبه. شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 294 رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ. قال الجاحظ و لأبي بكر في ذلك اليوم مقام مشهور خرج ابنه عبد الرحمن فارسا مكفرا في الحديد يسأل المبارزة و يقول أنا عبد الرحمن بن عتيق فنهإليه أبو بكر يسعى بسيفه فقال له النبي ص شم سيفك و ارجع إلى مكانك و متعنا بنفسك. قال شيخنا أبو جعفر رحمه الله ما كان أغناك يا أبا عثمان عن ذكر هذا المقام المشهور لأبي بكر فإنه لو تسمعه الإمامية لأضافته إلى ما عندها من المثالب لأن قول النبي ص ارجع دليل على أنه لا يحتمل مبارزة أحد لأنه إذا لم يحتمل مبارزة ابنه و أنت تعلم حنو الابن علي الأب و تبجيله له و إشفاقه عليه و كفه عنه لم يحتمل مبارزة الغريب الأجنبي. و قوله له و متعنا بنفسك إيذان له بأنه كان يقتل لو خرج و رسول الله كان أعرف به من الجاحظ فأين حال هذا الرجل من حال الرجل الذي صلى بالحرب و مشى إلى السيف بالسيف فقتل السادة و القادة و الفرسان و الرجالة. قال الجاحظ على أن أبا بكر و إن لم تكن آثاره في الحرب كآثار غيره فقد بذل الجهد و فعل ما يستطيعه و تبلغه قوته و إذا بذل المجهود فلا حال أشرف من حاله. شرح نهج الاغة ج : 13 ص : 295قال شيخنا أبو جعفر رحمه الله أما قوله إنه بذل الجهد فقد صدق و أما قوله لا حال أشرف من حاله فخطأ لأن حال من بلغت قوته فأعملها في قتل المشركين أشرف من حال من نقصت قوته عن بلوغ الغاية أ لا ترى أن حال الرجل أشرف في الجهاد من حال المرأة و حال البالغ الأيد أشرف من حال الصبي الضعيف. فهذه جملة ما ذكره الشيخ أبو جعفر محمد بن عبد الله الإسكافي رحمه الله في نقض العثمانية اقتصرنا عليها هاهنا و سنعود فيما بعد(14/322)


إلى ذكر جملة أخرى من كلامه إذا اقتضت الحال ذكره
شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 239296- و من كلام له ع قاله لعبد الله بن عباس و قد جاءه برسالة من عثمانو هو محصور يسأله فيها الخروج إلى ماله بينبع ليقل هتف الناس باسمه للخلافة بعد أن كان سأله مثل ذلك من قبل فقال ع
يَا ابْنَ عَبَّاسٍ مَا يُرِيدُ عُثْمَانُ إِلَّا أَنْ يَجْعَلَنِي جَمَلًا نَاضِحاً بِالْغَرْبِ أَقْبِلْ وَ أَدْبِرْ بَعَثَ إِلَيَّ أَنْ أَخْرُجَ ثُمَّ بَعَثَ إِلَيَّ أَنْ أَقْدَمَ ثُمَّ هُوَ الآْنَ يَبْعَثُ إِلَيَّ أَنْ أَخْرُجَ وَ اللَّهِ لَقَدْ دَفَعْتُ عَنْهُ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ آثِماً
ينبع على يفعل مثل يحلم و يحكم اسم موضع كان فيه نخل لعلي بن أبي طالب ع و ينبع الآن بلد صغير من أعمال المدينة. و هتف الناس باسمه نداؤهم و دعاؤهم و أصله الصوت يقال هتف الحمام يهتف هتفا و هتف زيد بعمرو هتافا أي صاح به و قوس هتافة و هتفى أي ذات صوت. و الناضح البعير يستقى عليه و قال معاوية لقيس بن سعد و قد دخل عليه شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 297في رهط من الأنصار ما فعلت نواضحكم يهزأ به فقال أنصبناها في طلب أبيك يوم بدر. و الغرب الدلو العظيمة. قوله أقبل و أدبر أي يقول لي ذلك كما يقال للناضح و قد صرح العباس بن مرس بهذه الألفاظ فقال
أراك إذا أصبحت للقوم ناضحا يقال له بالغرب أدبر و أقبل(14/323)


قوله لقد دفعت عنه حتى خشيت أن أكون آثما يحتمل أن يريد بالغت و اجتهدت في الدفاع عنه حتى خشيت أن أكون آثما في كثرة مبالغتي و اجتهادي في ذلك و إنه لا يستحق الدفاع عنه لجرائمه و أحداثه و هذا تأويل من ينحرف عن عثمان و يحتمل أن يريد لقد دفعت عنه حتى كدت أن ألقي نفسي في الهلكة و أن يقتلني الناس الذين ثاروا به فخفت الإثم في تغريري بنفسي و توريطها في تلك الورطة العظيمة و يحتمل أن يريد لقد جاهدت الناس دونه و دفعتهم عنه حتى خشيت أن أكون آثما بما نلت منهم من الضرب بالسوط و الدفع باليد و الإعانة بالقول أي فعلت من ذلك أكثر مما يحب
وصية العباس قبل موته لعلي(14/324)


قرأت في كتاب صنفه أبو حيان التوحيدي في تقريظ الجاحظ قال نقلت من خط الصولي قال الجاحظ إن العباس بن عبد المطلب أوصى علي بن أبي طالب ع في علته التي مات فيها فقال أي بني إني مشف على الظعن عن الدنيا إلى الله الذي فاقتي إلى عفوه و تجوزه أكثر من حاجتي إلى ما أنصحك فيه و أشير عليك به شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 298و لكن العرق نبوض و الرحم عروض و إذا قضيت حق العمومة فلا أبالي بعد إن هذا الرجل يعني عثمان قد جاءني مرارا بحديثك و ناظرني ملاينا و مخاشنا في أمرك و لم أجد عليك إلا مثل ما أجد منك عليه و لا رأيت منه لك إلاثل ما أجد منك له و لست تؤتى من قلة علم و لكن من قلة قبول و مع هذا كله فالرأي الذي أودعك به أن تمسك عنه لسانك و يدك و همزك و غمزك فإنه لا يبدؤك ما لم تبدأه و لا يجيبك عما لم يبلغه و أنت المتجني و هو المتأني و أنت العائب و هو الصامت فإن قلت كيف هذا و قد جلس مجلسا أنا به أحق فقد قاربت و لكن ذاك بما كسبت يداك و نكص عنه عقباك لأنك بالأمس الأدنى هرولت إليهم تظن أنهم يحلون جيدك و يختمون إصبعك و يطئون عقبك و يرون الرشد بك و يقولون لا بد لنا منك و لا معدل لنا عنك و كان هذا من هفواتك الكبر و هناتك التي ليس لك منها عذر و الآن بعد ما ثللت عرشك بيدك و نبذت رأي عمك في البيداء يتدهده في السافياء خذ بأحزم مما يتوضح به وجه الأمر لا تشار هذا الرجل و لا تماره و لا يبلغنه عنك ما يحنقه عليك فإنه إن كاشفك أصاب أنصارا و إن كاشفته لم تر إلا ضرارا و لم تستلج إلا عثارا و اعرف من هو بالشام له و من هاهنا حوله من يطيع أمره و يمتثل قوله لا تغترر بناس يطيفون بك و يدعون الحنو عليك و الحب لك فإنهم بين مولى جاهل و صاحب متمن و جليس يرعى العين و يبتدر المحضر و لو ظن الناس بك ما تظن بنفسك لكان الأمر لك و الزمام في يدك و لكن هذا حديث يوم مرض رسول الله ص فات ثم حرم الكلام فيه حين مات فعليك الآن بالعزوف عن شي ء(14/325)

128 / 147
ع
En
A+
A-