و لا قال أوجب طلحة. و قد علمنا ضرورة من دين الرسول ص تعظيمه لعلي ع تعظيما دينيا لأجل جهاده و نصرته فالطاعن فيه طاعن في رسول الله ص إذ زعم أنه قد يمكن أن يكون جهاده لا لوجه الله تعالى بل لأمر آخر من الأمور التي عددها و بعثه على التفوه بها إغواء الشيطان و كيده و الإفراط في عداوة من أمر الله بمحبته و نهى عن بغضه و عداوته. شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 286أ ترى رسول الله ص خفي عليه من أمر علي ع ما لاح للجاحظ و العثمانية فمدحه و هو غير مستحق للمدح. قال الجاحظ فصاحب النفس المختارة المعتدلة يكون قتاله طاعة و فراره صية لأن نفسه معتدلة كالميزان في استقامة لسانه و كفتيه فإذا لم يكن كذلك كان إقدامه طباعا و فراره طباعا. قال شيخنا أبو جعفر رحمه الله فيقال له فلعل إنفاق أبي بكر على ما تزعم أربعين ألف درهم لا ثواب له لأن نفسه ربما تكون غير معتدلة لأنه يكون مطبوعا على الجود و السخاء و لعل خروجه مع النبي ص يوم الهجرة إلى الغار لا ثواب له فيه لأن أسبابه كانت له مهيجة و دواعيه غالبة محبة الخروج و بغض المقام و لعل رسول الله ص في دعائه إلى الإسلام و إكبابه على الصلوات الخمس في جوف الليل و تدبيره أمر الأمة لا ثواب له فيه لأنه قد تكون نفسه غير معتدلة بل يكون في طباعه الرئاسة و حبها و العبادة و الالتذاذ بها و لقد كنا نعجب من مذهب أبي عثمان أن المعارف ضرورة و أنها تقع طباعا و في قوله بالتولد و حركة الحجر بالطبع حتى رأينا من قوله ما هو أعجب منه فزعم أنه ربما يكون جهاد علي ع و قتله المشركين لا ثواب له فيه لأنه فعله طبعا و هذا أطرف من قوله في المعرفة و في التولد. قال الجاحظ و وجه آخر أن عليا لو كان كما يزعم شيعته ما كان له بقتل الأقران كبير فضيلة و لا عظيم طاعة لأنه قد(14/316)
روي عن النبي ص أنه قال له شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 287ستقاتل بعدي الناكثين و القاسطين و المارقينفإذا كان قد وعده بالبقاء بعده فقد وثق بالسلامة من الأقران و علم أنه منصور عليهم و قاتلهم فعلى هذا يكون جهاد طلحة و الزبير أعظم طاعة منه. قال شيخنا أبو جعفر رحمه الله هذا راجع على الجاحظ في النبي ص لأن الله تعالى قال له وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فلم يكن له في جهاده كبير طاعة و كثير طاعة و
كثير من الناس يروي عنه ص اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر و عمر
فوجب أن يبطل جهادهما و
قد قال للزبير ستقاتل عليا و أنت ظالم له
فأشعره بذلك أنه لا يموت في حياة رسول الله ص و قال في الكتاب العزيز لطلحة وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ قالوا نزلت في طلحة فأعلمه بذلك أنه يبقى بعده فوجب ألا يكون لهما كبير ثواب في الجهاد و الذي صح عندنا من الخبر و هو قوله ستقاتل بعدي الناكثين أنه قال لما وضعت الحرب أوزارها و دخل الناس في دين الله أفواجا و وضعت الجزية و دانت العرب قاطبة. قال الجاحظ ثم قصد الناصرون لعلي و القائلون بتفضيله إلى الأقران الذين قتلهم فأطروهم و غلوا فيهم و ليسوا هناك فمنهم عمرو بن عبد ود تركتموه أشجع من عامر بن الطفيل و عتبة بن الحارث و بسطام بن قيس و قد سمعنا بأحاديث حروب الفجار و ما كان بين قريش و دوس و حلف الفضول فما سمعت لعمرو بن عبد ود ذكرا في ذلك. شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 288قال شيخنا أبو جعفر رحمه الله أمر عو بن عبد ود أشهر و أكثر من أن يحتج له فلنتلمح كتب المغازي و السير و لينظر ما رثته به شعراء قريش لما قتل فمن ذلك ما ذكره محمد بن إسحاق في مغازيه قال و قال مسافع بن عبد مناف بن زهرة بن حذافة بن جمح يبكي عمرو بن عبد الله بن عبد ود حين قتله علي بن أبي طالب ع مبارزة لما جزع المذاد أي قطع الخندق(14/317)
عمرو بن عبد كان أول فارس جزع المذاد و كان فارس مليل سمح الخلائق ماجد ذو مرة يبغي القتال بشكة لم ينكل و لقد علمتم حين ولوا عنكم أن ابن عبد منهم لم يعجل حتى تكفنه الكماة و كلهم يبغي القتال له و ليس بمؤتل و لقد تكنفت الفوارس فارسا بجنوب سلع غير نكس أميل لنزال هناك فارس غالب بجنوب سلع ليته لم ينزل فاذهب علي ما ظفرت بمثلها فخرا و لو لاقيت مثل المعضل نفسي الفداء لفارس من غالب لاقى حمام الموت لم يتحلحل أعني الذي جزع المذاد و لم يكن فشلا و ليس لدى الحروب بزو قال هبيرة بن أبي وهب المخزومي يعتذر من فراره عن علي بن أبي طالب و تركه عمرا يوم الخندق و يبكيه شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 28لعمرك ما وليت ظهري محمدا و أصحابه جبنا و لا خيفة القتل و لكنني قلبت أمري فلم أجد لسيفي غناء إن وقفت و لا نبلي وقفت فلما لم أجد لي مقدما صدرت كضرغام هزبر إلى شبل ثنى عطفه عن قرنه حين لم يجد مجالا و كان الحزم و الرأي من فعلي فلا تبعدن يا عمرو حيا و هالكا مت محمود الثنا ماجد الفعل و لا تبعدن يا عمرو حيا و هالكا فقد كنت في حرب العدا مرهف النصل فمن لطراد الخيل تقدع بالقنا و للبذل يوما عند قرقرة البزل هنالك لو كان ابن عمرو لزارها و فرجها عنهم فتى غير ما وغل كفتك علي لن ترى مثل موقف وقفت على شلو المقدم كافما ظفرت كفاك يوما بمثلها أمنت بها ما عشت من زلة النعل
و قال هبيرة بن أبي وهب أيضا يرثي عمرا و يبكيه
لقد علمت عليا لؤي بن غالب لفارسها عمرو إذا ناب نائب و فارسها عمرو إذا ما يسوقه علي و إن الموت لا شك طالب عشية يدعوه علي و إنه لفارسها إذ خام عنه الكتائ شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 290فيا لهف نفسي إن عمرا لكائن بيثرب لا زالت هناك المصائب لقد أحرز العليا علي بقتله و للخير يوما لا محالة جاو قال حسان بن ثابت الأنصاري يذكر عمرا(14/318)
أمسى الفتى عمرو بن عبد ناظرا كيف العبور و ليته لم ينظرو لقد وجدت سيوفنا مشهورة و لقد وجدت جيادنا لم تقصرو لقد لقيت غداة بدر عصبة ضربوك ضربا غير ضرب الحسرأصبحت لا تدعى ليوم عظيمة يا عمرو أو لجسيم أمر منكر
و قال حسان أيضا
لقد شقيت بنو جمح بن عمرو و مخزوم و تيم ما نقيل و عمرو كالحسام فتى قريش كأن جبينه سيف صقيل فتى من نسل عامر أريحي تطاوله الأسنة و النصول دعاه الفارس المقدام لما تكشفت المقانب و الخيول أبو حسن فقنعه حساما جرازا لا أفل و لا نكول فغادره مكبا مسلحبا على عفر بعد القتيل
فهذه الأشعار فيه بل بعض ما قيل فيه. و أما الآثار و الأخبار فموجودة في كتب السير و أيام الفرسان و وقائعهم و ليس شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 291أحد من أرباب هذا العلم يذكر عمرا إلا قال كان فارس قريش و شجاعها و إنما قال له حسانو لقد لقيت غداة بدر عصبة(14/319)
لأنه شهد مع المشركين بدرا و قتل قوما من المسلمين ثم فر مع من فر و لحق بمكة و هو الذي كان قال و عاهد الله عند الكعبة ألا يدعوه أحد إلى واحدة من ثلاث إلا أجابه و آثاره في أيام الفجار مشهورة تنطق بها كتب الأيام و الوقائع و لكنه لم يذكر مع الفرسان الثلاثة و هم عتبة و بسطام و عامر لأنهم كانوا أصحاب غارات و نهب و أهل بادية و قريش أهل مدينة و ساكنو مدر و حجر لا يرون الغارات و لا ينهبون غيرهم من العرب و هم مقتصرون على المقام ببلدتهم و حماية حرمهم فلذلك لم يشتهر اسمه كاشتهار هؤلاء. و يقال له إذا كان عمرو كما تذكر ليس هناك فما باله لما جزع الخندق في ستة فرسان هو أحدهم فصار مع أصحاب النبي ص على أرض واحدة و هم ثلاثة آلاف و دعاهم إلى البراز مرارا لم ينتدب أحد منهم للخروج إليه و لا سمح منهم أحد بنفسه حتى وبخهم و قرعهم و ناداهم أ لستم تزعمون أنه من قتل منا فإلى النار و من قتل منكم فإلى الجنة أ فلا يشتاق أحدكم إلى أن يذهب إلى الجنة أو يقدم عدوه إلى النار فجبنوا كلهم و نكلوا و ملكهم الرعب و الوهل فإما أن يكون هذا أشجع الناس كما قيل عنه أو يكون المسلمون كلهم أجبن العرب و أذلهم و أفشلهم و قد روى الناس كلهم الشعر الذي أنشده لما نكل القوم بجمعهم عنه و أنه جال بفرسه و استدار و ذهب يمنة ثم ذهب يسرة ثم وقف تجاه القوم فقال
و لقد بححت من النداء بجمعهم هل من مبارز
شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 292و وقفت إذ جبن المشيع وقفة القرن المناجزو كذاك أني لم أزل متسرعا نحو الهزاهزإن الشجاعة في الفتى و الجود من خير الغرائفلما برز إليه علي أجابه فقال له
لا تعجلن فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجزذو نية و بصيرة يرجو الغداة نجاة فائزإني لأرجو أن أقيم عليك نائحة الجنائزمن ضربة تفنى و يبقى ذكرها عند الهزاهز(14/320)