شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 281بفضيلة النبوة و كانت قريش و العرب تطلبه كما تطلب محمدا ص و كان يدبر من أمر الإسلام و تسريب العساكر و تجهيز السرايا و قتل الأعداء ما يدبره محمد ص لكان للجاحظ أن يقول ذلك فأما و حاله حاله و هو أضعف المسلمين جنانا و أقلهم عند عرب ترة لم يرم قط بسهم و لا سل سيفا و لا أراق دما و هو أحد الأتباع غير مشهور و لا معروف و لا طالب و لا مطلوب فكيف يجوز أن يجعل مقامه و منزلته مقام رسول الله ص و منزلته و لقد خرج ابنه عبد الرحمن مع المشركين يوم أحد فرآه أبو بكر فقام مغيظا عليه فسل من السيف مقدار إصبع يريد البروز إليه فقال له رسول الله ص يا أبا بكر شم سيفك و أمتعنا بنفسك و لم يقل له و أمتعنا بنفسك إلا لعلمه بأنه ليس أهلا للحرب و ملاقاة الرجال و أنه لو بارز لقتل. و كيف يقول الجاحظ لا فضيلة لمباشرة الحرب و لقاء الأقران و قتل أبطال الشرك و هل قامت عمد الإسلام إلا على ذلك و هل ثبت الدين و استقر إلا بذلك أ تراه لم يسمع قول الله تعالى إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ و المحبة من الله تعالى هي إرادة الثواب فكل من كان أشد ثبوتا في هذا الصف و أعظم قتالا كان أحب إلى الله و معنى الأفضل هو الأكثر ثوابا فعلي ع إذا هو أحب المسلمين إلى الله لأنه أثبتهم قدما في الصف المرصوص لم يفر قط بإجماع الأمة و لا بارزه قرن إلا قتله. أ تراه لم يسمع قول الله تعالى وَ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً و قوله إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 282فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرا وَ الْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ ثم قال سبحانه مؤكدا لهذا البيع و(14/311)


الشراء وَ مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ و قال الله تعالى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَ لا نَصَبٌ وَ لا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَ لا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ. فمواقف الناس في الجهاد على أحوال و بعضهم في ذلك أفضل من بعض فمن دلف إلى الأقران و استقبل السيوف و الأسنة كان أثقل على أكتاف الأعداء لشدة نكايته فيهم ممن وقف في المعركة و أعان و لم يقدم و كذلك من وقف في المعركة و أعان و لم يقدم إلا أنه بحيث تناله السهام و النبل أعظم غناء و أفضل ممن وقف حيث لا يناله ذلك و لو كان الضعيف و الجبان يستحقان الرئاسة بقلة بسط الكف و ترك الحرب و أن ذلك يشاكل فعل النبي ص لكان أوفر الناس حظا في الرئاسة و أشدهم لها استحقاقا حسان بن ثابت و إن بطل فضل علي ع في الجهاد لأن النبي ص كان أقلهم قتالا كما زعم الجاحظ ليبطلن على هذا القياس فضل أبي بكر في الإنفاق لأن رسول الله ص كان أقلهم مالا. و أنت إذا تأملت أمر العرب و قريش و نظرت السير و قرأت الأخبار عرفت أنها كانت تطلب محمدا ص و تقصد قصده و تروم قتله فإن أعجزها و فاتها طلبت عليا ع و أرادت قتله لأنه كان أشبههم بالرسول حالا و أقربهم منه قربا و أشدهم عنه دفعا و أنهم متى قصدوا عليا فقتلوه أضعفوا أمر محمد ص و كسروا شوكته إذ كان أعلى من ينصره في البأس و القوة و الشجاعة شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 283و النجدة و الإقدام و البسالة أ لا ترى إلى قول عتبة بن ربيعة يوم بدر و قد خرج هو و أخوه شيبة و ابنه الوليد بن عتبة فأخرج إليه الرسول نفرمن الأنصار فاستنسبوهم فانتسبوا لهم فقالوا ارجعوا إلى قومكم ثم نادوا يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا فقال النبي ص لأهله(14/312)


الأدنين قوموا يا بني هاشم فانصروا حقكم الذي آتاكم الله على باطل هؤلاء قم يا علي قم يا حمزة قم يا عبيدة أ لا ترى ما جعلت هند بنت عتبة لمن قتله يوم أحد لأنه اشترك هو و حمزة في قتل أبيها يوم بدر أ لم تسمع قول هند ترثي أهلها
ما كان عن عتبة لي من صبر أبي و عمي و شقيق صدري أخي الذي كان كضوء البدر بهم كسرت يا علي ظهريو ذلك لأنه قتل أخاها الوليد بن عتبة و شرك في قتل أبيها عتبة و أما عمها شيبة فإن حمزة تفرد بقتله. و قال جبير بن مطعم لوحشي مولاه يوم أحد إن قتلت محمدا فأنت حر و إن قتلت عليا فأنت حر و إن قتلت حمزة فأنت حر فقال أما محمد فسيمنعه أصحابه و أما علي فرجل حذر كثير الالتفات في الحرب و لكني سأقتل حمزة فقعد له و زرقه بالحربة فقتله. و لما قلنا من مقاربة حال علي ع في هذا الباب لحال رسول الله ص و مناسبتها إياها ما وجدناه في السير و الأخبار من إشفاق رسول الله ص و حذره عليه و دعائه له بالحفظ و السلامة(14/313)


قال ص يوم الخندق و قد برز علي إلى عمرو و رفع يديه إلى السماء بمحضر من أصحابه اللهم إنك أخذت مني شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 284حمزة يوم أحد و عبيدة يوم بدر فاحفظ اليوم علي عليا رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَ أَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَو لذلك ضن به عن مبارزة عمرو حين دعا عمرو الناس إلى نفسه مرارا في كلها يحجمون و يقدم علي فيسأل الإذن له في البراز حتى قال له رسول الله ص إنه عمرو فقال و أنا علي فأدناه و قبله و عممه بعمامته و خرج معه خطوات كالمودع له القلق لحاله المنتظر لما يكون منه ثم لم يزل ص رافعا يديه إلى السماء مستقبلا لها بوجهه و المسلمون صموت حوله كأنما على رءوسهم الطير حتى ثارت الغبرة و سمعوا التكبير من تحتها فعلموا أن عليا قتل عمرا فكبر رسول الله ص و كبر المسلمون تكبيرة سمعها من وراء الخندق من عساكر المشركين و لذلك قال حذيفة بن اليمان لو قسمت فضيلة علي ع بقتل عمرو يوم الخندق بين المسلمين بأجمعهم لوسعتهم و قال ابن عباس في قوله تعالى وَ كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ قال بعلي بن أبي طالب. قال الجاحظ على أن مشي الشجاع بالسيف إلى الأقران ليس على ما توهمه من لا يعلم باطن الأمر لأن معه في حال مشيه إلى الأقران بالسيف أمورا أخرى لا يبصرها الناس و إنما يقضون على ظاهر ما يرون من إقدامه و شجاعته فربما كان سبب ذلك الهوج و ربما كان الغرارة و الحداثة و ربما كان الإحراج و الحمية و ربما كان لمحبة النفخ و الأحدوثة و ربما كان طباعا كطباع القاسي و الرحيم و السخي و البخيل شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 285قال شيخنا أبو جعفر رحمه الله فيقال للجاحظ فعلى أيها كان مشي علي بن أبي طالب إلى الأقران بالسيف فأيما قلت من ذلك بانت عداوتك لله تعالى و لرسوله و إن كان مشيه ليس على وجه مما ذكرت و إنما كان على وجه نصرة و القصد إلى المسابقة إلى ثواب الآخرة و الجهاد في سبيل الله و إعزاز الدين كنت بجميع(14/314)


ما قلت معاندا و عن سبيل الإنصاف خارجا و في إمام المسلمين طاعنا و إن تطرق مثل هذا الوهم على علي ع ليتطرقن مثله على أعيان المهاجرين و الأنصار أرباب الجهاد و القتال الذين نصروا رسول الله ص بأنفسهم و وقوه بمهجهم و فدوه بأبنائهم و آبائهم فلعل ذلك كان لعلة من العلل المذكورة و في ذلك الطعن في الدين و في جماعة المسلمين. و لو جاز أن يتوهم هذا في علي ع و في غيره لما
قال رسول الله ص حكاية عن الله تعالى لأهل بدر اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم
و لا قال لعلي ع برز الإيمان كله إلى الشرك كله(14/315)

126 / 147
ع
En
A+
A-