إلى العدد بل عنوا الكثرة في القدر لأنه أسلم على يديه خمسة من أهل الشورى شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 271كلهم يصلح للخلافة و هم أكفاء علي ع و منازعوه الرئاسة و الإمامة فهؤلاء أكثر من جميع الناس. قال شيخنا أبو جعفر رحمه الله أخبرونا من هذا الذي أسلم ذلك اليوم من أهل بيت أبي بكر إذا كانت امرأته لم تسلم و ابنه عبد الرحمن لم يسلم و أبقحافة لم يسلم و أخته أم فروة لم تسلم و عائشة لم تكن قد ولدت في ذلك الوقت لأنها ولدت بعد مبعث النبي ص بخمس سنين و محمد بن أبي بكر ولد بعد مبعث رسول الله ص بثلاث و عشرين سنة لأنه ولد في حجة الوداع و أسماء بنت أبي بكر التي قد روى الجاحظ هذا الخبر عنها كانت يوم بعث رسول الله ص بنت أربع سنين و في رواية من يقول بنت سنتين فمن الذي أسلم من أهل بيته يوم أسلم نعوذ بالله من الجهل و الكذب و المكابرة و كيف أسلم سعد و الزبير و عبد الرحمن بدعاء أبي بكر و ليسوا من رهطه و لا من أترابه و لا من جلسائه و لا كانت بينهم قبل ذلك صداقة متقدمة و لا أنس وكيد و كيف ترك أبو بكر عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة لم يدخلهما في الإسلام برفقه و حسن دعائه و قد زعمتم أنهما كانا يجلسان إليه لعلمه و طريف حديثه و ما باله لم يدخل جبير بن مطعم في الإسلام و قد ذكرتم أنه أدبه و خرجه و منه أخذ جبير العلم بأنساب قريش و مآثرها فكيف عجز عن هؤلاء الذين عددناهم و هم منه بالحال التي وصفنا و دعا من لم يكن بينه و بينه أنس و لا معرفة إلا معرفة عيان و كيف لم يقبل منه عمر بن الخطاب و قد كان شكله و أقرب الناس شبها به في أغلب أخلاقه و لئن رجعتم إلى الإنصاف لتعلمن أن هؤلاء لم يكن إسلامهم إلا بدعاء الرسول ص لهم و على يديه أسلموا و لو فكرتم في حسن التأتي في الدعاء ليصحن لأبي طالب في ذلك(14/301)
شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 272على شركه أضعاف ما ذكرتموه لأبي بكر لأنكم رويتم أن أبا طالب قال لعلي ع يا بني الزمه فإنه لن يدعوك إلا إلى خير و قال لجعفر صل جناح ابن عمك فأسلم بقوله و لأجله أصفق بنو عبد مناف على نصرة رسول الله ص بمكة من بني مخزوم و بني سهم بني جمح و لأجله صبر بنو هاشم على الحصار في الشعب و بدعائه و إقباله على محمد ص أسلمت امرأته فاطمة بنت أسد فهو أحسن رفقا و أيمن نقيبة من أبي بكر و غيره و إنما منعه عن الإسلام أن ثبت أنه لم يسلم إلا تقية و أبو بكر لم يكن له إلا ابن واحد و هو عبد الرحمن فلم يمكنه أن يدخله في الإسلام و لا أمكنه إذ لم يقبل منه الإسلام أن يجعله كبعض مشركي قريش في قلة الأذى لرسول الله ص و فيه أنزل وَ الَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَ تَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَ قَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَ هُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ و إنما يعرف حسن رفق الرجل و تأتيه بأن يصلح أولا أمر بيته و أهله ثم يدعو الأقرب فالأقرب فإن رسول الله ص لما بعث كان أول من دعا زوجته خديجة ثم مكفوله و ابن عمه عليا ع ثم مولاه زيدا ثم أم أيمن خادمته فهل رأيتم أحدا ممن كان يأوي إلى رسول الله ص لم يسارع و هل التاث عليه أحد من هؤلاء فهكذا يكون حسن التأتي و الرفق في الدعاء هذا و رسول الله مقل و هو من جملة عيال خديجة حين بعثه الله تعالى و أبو بكر عندكم كان موسرا و كان أبوه مقترا و كذلك ابنه و امرأته أم عبد الله و الموسر في فطرة العقول أولى أن يتبع من المقتر و إنما حسن التأتي و الرفق في الدعاء ما صنعه مصعب بن عمير لسعد بن معاذ لما دعاه و ما صنع سعد بن معاذ ببني عبد الأشهل لما دعاهم و ما صنع بريدة بن الحصيب بأسلم لما دعاهم قالوا أسلم بدعائه ثمانون بيتا من قومه(14/302)
شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 273و أسلم بنو عبد الأشهل بدعاء سعد في يوم واحد و أما من لم يسلم ابنه و لا امرأته و لا أبوه و لا أخته بدعائه فهيهات أن يوصف و يذكر بالرفق في الدعاء و حسن التأتي و الأناة قال الجاحظ ثم أعتق أبو بكر بعد ذلك جماعة من المعذبين في اه و هم ست رقاب منهم بلال و عامر بن فهيرة و زنيرة النهدية و ابنتها و مر بجارية يعذبها عمر بن الخطاب فابتاعها منه و أعتقها و أعتق أبا عيسى فأنزل الله فيه فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَ اتَّقى وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى إلى آخر السورة. قال شيخنا أبو جعفر رحمه الله أما بلال و عامر بن فهيرة فإنما أعتقهما رسول الله ص روى ذلك الواقدي و ابن إسحاق و غيرهما و أما باقي مواليهم الأربعة فإن سامحناكم في دعواكم لم يبلغ ثمنهم في تلك الحال لشدة بغض مواليهم لهم إلا مائة درهم أو نحوها فأي فخر في هذا و أما الآية فإن ابن عباس قال في تفسيرها فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَ اتَّقى وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى أي لأن يعود. و قال غيره نزلت في مصعب بن عمير قال الجاحظ و قد علمتم ما صنع أبو بكر في ماله و كان ماله أربعين ألف درهم فأنفقه في نوائب الإسلام و حقوقه و لم يكن خفيف الظهر قليل العيال و النسل فيكون فاقد جميع اليسارين بل كان ذا بنين و بنات و زوجة و خدم و حشم و يعول والديه و ما ولدا و لم يكن النبي ص قبل ذلك عنده مشهورا فيخاف العار في ترك مواساته فكان إنفاقه على الوجه الذي لا نجد في غاية الفضل مثله و لقد
قال النبي ص ما نفعني مال كما نفعني مال أبي بكر(14/303)
شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 274قال شيخنا أبو جعفر رحمه الله أخبرونا على أي نوائب الإسلام أنفق هذا المال و في أي وجه وضعه فإنه ليس بجائز أن يخفى ذلك و يدرس حتى يفوت حفظه و ينسى ذكره و أنتم فلم تقفوا على شي ء أكثر من عتقه بزعمكم ست رقاب لعلها لا يبلغ ثمنهي ذلك العصر مائة درهم و كيف يدعي له الإنفاق الجليل و قد باع من رسول الله ص بعيرين عند خروجه إلى يثرب و أخذ منه الثمن في مثل تلك الحال و روى ذلك جميع المحدثين و قد رويتم أيضا أنه كان حيث كان بالمدينة غنيا موسرا و رويتم عن عائشة أنها قالت هاجر أبو بكر و عنده عشرة آلاف درهم و قلتم إن الله تعالى أنزل فيه وَ لا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَ السَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى قلتم هي في أبي بكر و مسطح بن أثاثة فأين الفقر الذي زعمتم أنه أنفق حتى تخلل بالعباءة و رويتم أن لله تعالى في سمائه ملائكة قد تخللوا بالعباءة و أن النبي ص رآهم ليلة الإسراء فسأل جبرائيل عنهم فقال هؤلاء ملائكة تأسوا بأبي بكر بن أبي قحافة صديقك في الأرض فإنه سينفق عليك ماله حتى يخلل عباءه في عنقه و أنتم أيضا رويتم أن الله تعالى لما أنزل آية النجوى فقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ الآية لم يعمل بها إلا علي بن أبي طالب وحده مع إقراركم بفقره و قلة ذات يده و أبو بكر في الحال التي ذكرنا من السعة أمسك عن مناجاته فعاتب الله المؤمنين في ذلك فقال أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ تابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فجعله سبحانه ذنبا يتوب عليهم منه و هو إمساكهم عن تقديم الصدقة فكيف سخت نفسه بإنفاق أربعين ألفا و أمسك عن مناجاة الرسول و إنما كان يحتاج فيها إلى إخراج درهمين. و أما ما ذكر من كثرة عياله و نفقته عليهم فليس(14/304)
في ذلك دليل على تفضيله لأن شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 275نفقته على عياله واجبة مع أن أرباب السيرة ذكروا أنه لم يكن ينفق على أبيه شيئا و أنه كان أجيرا لابن جدعان على مائدته يطرد عنها الذبان.ال الجاحظ و قد تعلمون ما كان يلقى أصحاب النبي ص ببطن مكة من المشركين و حسن صنيع كثير منهم كصنيع حمزة حين ضرب أبا جهل بقوسه ففلق هامته و أبو جهل يومئذ سيد البطحاء و رئيس الكفر و أمنع أهل مكة و قد عرفتم أن الزبير سل سيفه و استقبل به المشركين لما أرجف أن محمدا ص قد قتل و أن عمر بن الخطاب قال حين أسلم لا يعبد الله سرا بعد اليوم و أن سعدا ضرب بعض المشركين بلحي جمل فأراق دمه فكل هذه الفضائل لم يكن لعلي بن أبي طالب فيها ناقة و لا جمل و قد قال الله تعالى لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا فإذا كان الله تعالى قد فضل من أنفق قبل الفتح لأنه لا هجرة بعد الفتح على من أنفق بعد الفتح فما ظنكم بمن أنفق من قبل الهجرة و من لدن مبعث النبي ص إلى الهجرة و إلى بعد الهجرة. قال شيخنا أبو جعفر رحمه الله إننا لا ننكر فضل الصحابة و سوابقهم و لسنا كالإمامية الذين يحملهم الهوى على جحد الأمور المعلومة و لكننا ننكر تفضيل أحد من الصحابة على علي بن أبي طالب و لسنا ننكر غير ذلك و ننكر تعصب الجاحظ للعثمانية و قصده إلى فضائل هذا الرجل و مناقبه بالرد و الإبطال و أما حمزة فهو عندنا ذو فضل عظيم و مقام جليل و هو سيد الشهداء الذين استشهدوا على عهد رسول الله(14/305)