أولى. و إن قال لم يكن ابن عمر يعلم و يعرف ذلك فقد أبطل إسلامه و طعن في رسول الله ص حيث حكم بصحة إسلامه و أجازه يوم الخندق لأنه ع كان قال لا أجيز إلا البالغ العاقل و لذلك لم يجزه يوم أحد. ثم يقال له إن ما نقوله في بلوغ علي ع الحد الذي يحسن فيه التكليف العقلي بل يجب و هو ابن عشر سنين ليس بأعجب من مجي ء الولد لستة أشهر و قد صحح ذلك أهل العلم و استنبطوه من الكتاب و إن كان خارجا من التعارف و التجارب و العادة و كذلك مجي ء الولد لسنتين خا أيضا عن التعارف و العادة و قد صححه الفقهاء و الناس. و يروى أن معاذا لما نهى عمر عن رجم الحامل تركها حتى ولدت غلاما قد نبتت ثنيتاه فقال أبوه ابني و رب الكعبة فثبت ذلك سنة يعمل بها الفقهاء و قد وجدنا العادة تقضي بأن الجارية تحيض لاثنتي عشرة سنة و أنه أقل سن تحيض فيه المرأة و قد(14/271)


شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 243يكون في الأقل نساء يحضن لعشر و لتسع و قد ذكر ذلك الفقهاء و قد قال الشافعي في اللعان لو جاءت المرأة بحمل و زوجها صبي له دون عشر سنين لم يكن ولدا له لأن من لم يبلغ عشر سنين من الصبيان لا يولد له و إن كان له عشر سنين جاز أن يك الولد له و كان بينهما لعان إذا لم يقر به. و قال الفقهاء أيضا إن نساء تهامة يحضن لتسع سنين لشدة الحر ببلادهن. قال الجاحظ و لو لم يعرف باطل هذه الدعوى من آثر التقوى و تحفظ من الهوى إلا بترك علي ع ذكر ذلك لنفسه و الاحتجاج به على خصمه و قد نازع الرجال و ناوى الأكفاء و جامع أهل الشورى لكان كافيا و متى لم تصح لعلي ع هذه الدعوى في أيامه و لم يذكرها أهل عصره فهي عن ولده أعجز و منهم أضعف. و لم ينقل أن عليا ع احتج بذلك في موقف و لا ذكره في مجلس و لا قام به خطيبا و لا أدلى به واثقا لا سيما و قد رضيه الرسول ص عندكم مفزعا و معلما و جعله للناس إماما و لا ادعى له أحد ذلك في عصره كما لم يدعه لنفسه حتى يقول إنسان واحد الدليل على إمامته أن النبي ص دعاه إلى الإسلام أو كلفه التصديق قبل بلوغه ليكون ذلك آية للناس في عصره و حجة له و لولده من بعده فهذا كان أشد على طلحة و الزبير و عائشة من كل ما ادعاه من فضائله و سوابقه و ذكر قرابته. قال شيخنا أبو جعفر رحمه الله إن مثل الجاحظ مع فضله و علمه لا يخفى عليه كذب شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 244هذه الدعوى و فسادها و لكنه يقول ما يقوله تعصبا و عنادا و قد روى الناس كافة افتخار علي ع بالسبق ى الإسلام و أن النبي ص استنبئ يوم الإثنين و أسلم علي يوم الثلاثاء و أنه كان يقول صليت قبل الناس سبع سنين و أنه ما زال يقول أنا أول من أسلم و يفتخر بذلك و يفتخر له به أولياؤه و مادحوه و شيعته في عصره و بعد وفاته و الأمر في ذلك أشهر من كل شهير و قد قدمنا منه طرفا و ما علمنا أحدا من الناس فيما خلا استخف بإسلام علي ع و لا(14/272)


تهاون به و لا زعم أنه أسلم إسلام حدث غرير و طفل صغير و من العجب أن يكون مثل العباس و حمزة ينتظران أبا طالب و فعله ليصدرا عن رأيه ثم يخالفه علي ابنه لغير رغبة و لا رهبة يؤثر القلة على الكثرة و الذل على العزة من غير علم و لا معرفة بالعاقبة و كيف ينكر الجاحظ و العثمانية أن رسول الله ص دعاه إلى الإسلام و كلفه التصديق. و قد روي في الخبر الصحيح أنه كلفه في مبدإ الدعوة قبل ظهور كلمة الإسلام و انتشارها بمكة أن يصنع له طعاما و أن يدعو له بني عبد المطلب فصنع له الطعام و دعاهم له فخرجوا ذلك اليوم و لم ينذرهم ص لكلمة قالها عمه أبو لهب فكلفه في اليوم الثاني أن يصنع مثل ذلك الطعام و أن يدعوهم ثانية فصنعه و دعاهم فأكلوا ثم كلمهم ص فدعاهم إلى الدين و دعاه معهم لأنه من بني عبد المطلب ثم ضمن لمن يوازره منهم و ينصره على قوله أن يجعله أخاه في الدين و وصيه بعد موته و خليفته من بعده فأمسكوا كلهم و أجابه هو وحده و قال أنا أنصرك على ما جئت به و أوازرك و أبايعك فقال لهم لما رأى منهم الخذلان و منه النصر و شاهد منهم المعصية و منه الطاعة و عاين منهم الإباء و منه الإجابة هذا أخي و وصيي و خليفتي من بعدي فقاموا يسخرون و يضحكون و يقولون لأبي طالب أطع ابنك فقد أمره عليك فهل يكلف عمل(14/273)


شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 245الطعام و دعاء القوم صغير مميز و غر غير عاقل و هل يؤتمن على سر النبوة طفل ابن خمس سنين أو ابن سبع و هل يدعى في جملة الشيوخ و الكهول إلا عاقل لبيب و هل يضع رسول الله ص يده في يده و يعطيه صفقة يمينه بالأخوة و الوصية و الخلافة ا و هو أهل لذلك بالغ حد التكليف محتمل لولاية الله و عداوة أعدائه و ما بال هذا الطفل لم يأنس بأقرانه و لم يلصق بأشكاله و لم ير مع الصبيان في ملاعبهم بعد إسلامه و هو كأحدهم في طبقته كبعضهم في معرفته. و كيف لم ينزع إليهم في ساعة من ساعاته فيقال دعاه داعي الصبا و خاطر من خواطر الدنيا و حملته الغرة و الحداثة على حضور لهوهم و الدخول في حالهم بل ما رأيناه إلا ماضيا على إسلامه مصمما في أمره محققا لقوله بفعله قد صدق إسلامه بعفافه و زهده و لصق برسول الله ص من بين جميع من بحضرته فهو أمينه و أليفه في دنياه و آخرته و قد قهر شهوته و جاذب خواطره صابرا على ذلك نفسه لما يرجو من فوز العاقبة و ثواب الآخرة و قد ذكر هو ع في كلامه و خطبه بدء حاله و افتتاح أمره حيث أسلم لما دعا رسول الله ص الشجرة فأقبلت تخد الأرض فقالت قريش ساحر خفيف السحر فقال علي ع يا رسول الله أنا أول من يؤمن بك آمنت بالله و رسوله و صدقتك فيما جئت به و أنا أشهد أن الشجرة فعلت ما فعلت بأمر الله تصديقا لنبوتك و برهانا على صحة دعوتك فهل يكون إيمان قط أصح من هذا الإيمان و أوثق عقدة و أحكم مرة و لكن حنق العثمانية و غيظهم و عصبية الجاحظ و انحرافه مما لا حيلة فيه ثم لينظر المنصف و ليدع الهوى جانبا ليعلم نعمة الله على علي ع بالإسلام حيث أسلم على الوضع الذي أسلم عليه فإنه لو لا الألطاف التي خص بها و الهداية التي منحها لما كان إلا كبعض أقارب محمد ص و أهله فقد كان ممازجا له كممازجته و مخالطا له كمخالطة كثير من أهله و رهطه و لم يستجب منهم شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 246أحد له إلا بعد حين و(14/274)


منهم من لم يستجب له أصلا فإن جعفرا ع كان ملتصقا به و لم يسلم حينئذ و كان عتبة بن أبي لهب ابن عمه و صهره زوج ابنته و لم يصدقه بل كان شديدا عليه و كان لخديجة بنون من غيره و لم يسلموا حينئذ وم ربائبه و معه في دار واحدة و كان أبو طالب أباه في الحقيقة و كافله و ناصره و المحامي عنه و من لولاه لم تقم له قائمة و مع ذلك لم يسلم في أغلب الروايات و كان العباس عمه و صنو أبيه و كالقرين له في الولادة و المنشإ و التربية و لم يستجب له إلا بعد حين طويل و كان أبو لهب عمه و كدمه و لحمه و لم يسلم و كان شديدا عليه فكيف ينسب إسلام علي ع إلى الإلف و التربية و القرابة و اللحمة و التلقين و الحضانة و الدار الجامعة و طول العشرة و الأنس و الخلوة و قد كان كل ذلك حاصلا لهؤلاء أو لكثير منهم و لم يهتد أحد منهم إذ ذاك بل كانوا بين من جحد و كفر و مات على كفره و من أبطأ و تأخر و سبق بالإسلام و جاء سكيتا و قد فاز بالمنزلة غيره. و هل يدل تأمل حال علي ع مع الإنصاف إلا على أنه أسلم لأنه شاهد الأعلام و رأى المعجزات و شم ريح النبوة و رأى نور الرسالة و ثبت اليقين في قلبه بمعرفة و علم و نظر صحيح لا بتقليد و لا حمية و لا رغبة و لا رهبة إلا فيما يتعلق بأمور الآخرة. قال الجاحظ فلو أن عليا ع كان بالغا حيث أسلم لكان إسلام أبي بكر و زيد بن حارثة و خباب بن الأرت أفضل من إسلامه لأن إسلام المقتضب الذي لم يعتد به و لم يعوده و لم يمرن عليه أفضل من إسلام الناشئ الذي ربي فيه و نشأ و حبب(14/275)

118 / 147
ع
En
A+
A-