فإنه لم يسم في هذا الحديث أبا بكر و بلالا و كيف و أبو بكر لم يشتر بلالا إلا بعد ظهور الإسلام بمكة فلما أظهر بلال إسلامه عذبه أمية بن خلف و لم يكن ذلك حال إخفاء رسول الله ص الدعوة و لا في ابتداء أمر الإسلام. شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 231و قد قيل إنه ع إن عنى بالحر علي بن أبي طالب و بالعبد زيد بن حارثة. و روى ذلك محمد بن إسحاق قال و قد روى إسماعيل بن نصر الصفار عن محمد بن ذكوان عن الشعبي قال قال الحجاج للحسن و عنده جماعة من التابعين و ذكر علي بن أبي طالب ما تقول أنت يا حسن فقال ما أقول هو أول من صلى إلى القبلة و أجاب دعوة رسول الله ص و إن لعلي منزلة من ربه و قرابة من رسوله و قد سبقت له سوابق لا يستطيع ردها أحد فغضب الحجاج غضبا شديدا و قام عن سريره فدخل بعض البيوت و أمر بصرفنا. قال الشعبي و كنا جماعة ما منا إلا من نال من علي ع مقاربة للحجاج غير الحسن بن أبي الحسن رحمه الله. و روى محرز بن هشام عن إبراهيم بن سلمة عن محمد بن عبيد الله قال قال رجل للحسن ما لنا لا نراك تثني على علي و تقرظه قال كيف و سيف الحجاج يقطر دما إنه لأول من أسلم و حسبكم بذلك. قال فهذه الأخبار. و أما الأشعار المروية فمعروفة كثيرة منتشرة فمنها قول عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب مجيبا للوليد بن عقبة بن أبي معيط
و إن ولي الأمر بعد محمد علي و في كل المواطن صاحبه وصي رسول الله حقا و صنوه و أول من صلى و من لان جانبهو قال خزيمة بن ثابت في هذا
وصي رسول الله من دون أهله و فارسه مذ كان في سالف الزمن و أول من صلى من الناس كلهم سوى خيرة النسوان و الله ذو منن شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 232و قال أبو سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس حين بويع أبو بكرما كنت أحسب أن الأمر منصرف عن هاشم ثم منها عن أبي حسن أ ليس أول من صلى لقبلتهم و أعلم الناس بالأحكام و السننو قال أبو الأسود الدؤلي يهدد طلحة و الزبير(14/261)
و إن عليا لكم مصحر يماثله الأسد الأسودأما إنه أول العابدين بمكة و الله لا يعبد
و قال سعيد بن قيس الهمداني يرتجز بصفين
هذا علي و ابن عم المصطفى أول من أجابه فيما روى هو الإمام لا يبالي من غوىو قال زفر بن يزيد بن حذيفة الأسدي
فحوطوا عليا و انصروه فإنه وصي و في الإسلام أول أول و إن تخذلوه و الحوادث جمة فليس لكم عن أرضكم متحولقال و الأشعار كالأخبار إذا امتنع في مجي ء القبيلين التواطؤ و الاتفاق كان ورودهما حجة فأما قول الجاحظ فأوسط الأمور أن نجعل إسلامهما معا فقد أبطل بهذا ما احتج به لإمامة أبي بكر لأنه احتج بالسبق و قد عدل الآن عنه. قال أبو جعفر و يقال لهم لسنا نحتاج من ذكر سب علي ع إلا مجامعتكم إيانا على أنه أسلم قبل الناس و دعواكم أنه أسلم و هو طفل دعوى غير مقبولة لا بحجة. فإن قلتم و دعوتكم أنه أسلم و هو بالغ دعوى غير مقبولة إلا بحجة شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 233قلنا قد ثبت إسلامه بحكم إقراركم و لو كان طفلا لكان في الحقيقةير مسلم لأن اسم الإيمان و الإسلام و الكفر و الطاعة و المعصية إنما يقع على البالغين دون الأطفال و المجانين و إذا أطلقتم و أطلقنا اسم الإسلام فالأصل في الإطلاق الحقيقة كيف و
قد قال النبي ص أنت أول من آمن بي و أنت أول من صدقني
و قال لفاطمة زوجتك أقدمهم سلما أو قال إسلاما(14/262)
فإن قالوا إنما دعاه النبي ص إلى الإسلام على جهة العرض لا التكليف. قلنا قد وافقتمونا على الدعاء و حكم الدعاء حكم الأمر و التكليف ثم ادعيتم أن ذلك كان على وجه العرض و ليس لكم أن تقبلوا معنى الدعاء عن وجهه إلا لحجة. فإن قالوا لعله كان على وجه التأديب و التعليم كما يعتمد مثل ذلك مع الأطفال قلنا إن ذلك إنما يكون إذا تمكن الإسلام بأهله أو عند النشوء عليه و الولادة فيه فأما في دار الشرك فلا يقع مثل ذلك لا سيما إذا كان الإسلام غير معروف و لا معتاد بينهم على أنه ليس من سنة النبي ص دعاء أطفال المشركين إلى الإسلام و التفريق بينهم و بين آبائهم قبل أن يبلغوا الحلم. و أيضا فمن شأن الطفل اتباع أهله و تقليد أبيه و المضي على منشئه و مولده و قد كانت منزلة النبي ص حينئذ منزلة ضيق و شدة و وحدة و هذه منازل لا ينتقل إليها إلا من ثبت الإسلام عنده بحجة و دخل اليقين قلبه بعلم و معرفة. فإن قالوا إن عليا ع كان يألف النبي ص فوافقه على طريق المساعدة له قلنا إنه و إن كان يألفه أكثر من أبويه و إخوته و عمومته و أهل بيته و لم يكن الإلف ليخرجه عما نشأ عليه و لم يكن الإسلام مما غذي به و كرر على سمعه شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 234لأن الإسلام خلع الأنداد و البراءة ممن أشرك بالله و هذا لا يجتمع في اعتقاد طفل. و من العجب قول العباس لعفيف بن قيس ننتظر الشيخ و ما يصنع فإذا كان العباس و حمزة ينتظران أبا طالب و يصدران عن رأيه فكيف يخالفه ابنه و يؤثر القلة على الكثرة و يفارق المحبوب إلى المكروه و العز إلى الذل و الأمن إلى الخوف عن غير معرفة و لا علم بما فيه. فأما قوله إن المقلل يزعم أنه أسلم و هو ابن خمس سنين و المكثر يزعم أنه أسلم و هو ابن تسع سنين فأول ما يقال في ذلك إن الأخبار جاءت في سنه ع يوم أسلم على خمسة أقسام فجعلناه في قسمين القسم الأول الذين قالوا أسلم و هو ابن خمس عشرة سنة حدثنا بذلك أحمد بن سعيد الأسدي(14/263)
عن إسحاق بن بشر القرشي عن الأوزاعي عن حمزة بن حبيب عن شداد بن أوس قال سألت خباب بن الأرت عن إسلام علي فقال أسلم و هو ابن خمس عشرة سنة و لقد رأيته يصلي قبل الناس مع النبي ص و هو يومئذ بالغ مستحكم البلوغ و روى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن الحسن أن أول من أسلم علي بن أبي طالب و هو ابن خمس عشرة سنة. القسم الثاني الذين قالوا إنه أسلم و هو ابن أربع عشرة سنة رواه أبو قتادة الحراني عن أبي حازم الأعرج عن حذيفة بن اليمان قال كنا نعبد الحجارة و نشرب الخمر و علي من أبناء أربع عشرة سنة قائم يصلي مع النبي ص ليلا و نهارا و قريش يومئذ تسافه رسول الله ص ما يذب عنه إلا علي شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 235ع و روى ابن أبي شيبة عن جرير بن عبد الحميد قال أسلم علي و هو ابن أربع عشرة سنة. القسم الثالث الذين قالوا أس و هو ابن إحدى عشرة سنة
رواه إسماعيل بن عبد الله الرقي عن محمد بن عمر عن عبد الله بن سمعان عن جعفر بن محمد ع عن أبيه عن محمد بن علي ع أن عليا حين أسلم كان ابن إحدى عشرة سنة
و روى عبد الله بن زياد المدني عن محمد بن علي الباقر ع قال أول من آمن بالله علي بن أبي طالب و هو ابن إحدى عشرة سنة و هاجر إلى المدينة و هو ابن أربع و عشرين سنة(14/264)
القسم الرابع الذين قالوا إنه أسلم و هو ابن عشر سنين رواه نوح بن دراج عن محمد بن إسحاق قال أول ذكر آمن و صدق بالنبوة علي بن أبي طالب ع و هو ابن عشر سنين ثم أسلم زيد بن حارثة ثم أسلم أبو بكر و هو ابن ست و ثلاثين سنة فيما بلغنا. القسم الخامس الذين قالوا إنه أسلم و هو ابن تسع سنين رواه الحسن بن عنبسة الوراق عن سليم مولى الشعبي عن الشعبي قال أول من أسلم من الرجال علي بن أبي طالب و هو ابن تسع سنين و كان له يوم قبض رسول الله ص تسع و عشرون سنة. قال شيخنا أبو جعفر فهذه الأخبار كما تراها فإما أن يكون الجاحظ جهلها أو قصد العناد. فأما قوله فالقياس أن نأخذ بأوسط الأمرين من الروايتين فنقول إنه أسلم و هو ابن سبع سنين فإن هذا تحكم منه و يلزمه مثله في رجل ادعى قبل رجل عشرة شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 236دراهم فأنكر ذلك و قال إنما يستحق قبلي أربعة دراهم فينبغي أن نأخذ الأمر متوسط و يلزمه سبعة دراهم و يلزمه في أبي بكر حيث قال قوم كان كافرا و قال قوم كان إماما عادلا أن نقول أعدل الأقاويل أوسطها و هو منزلة بين المنزلتين فنقول كان فاسقا ظالما و كذلك في جميع الأمور المختلف فيها. فأما قوله و إنما يعرف حق ذلك من باطله بأن نحصي سني ولاية عثمان و عمر و أبي بكر و سني الهجرة و مقام النبي ص بمكة بعد الرسالة إلى أن هاجر فيقال له لو كانت الروايات متفقة على هذه التاريخات لكان لهذا القول مساغ و لكن الناس قد اختلفوا في ذلك فقيل إن رسول الله ص أقام بمكة بعد الرسالة خمس عشرة سنة رواه ابن عباس و قيل ثلاث عشرة سنة و روي عن ابن عباس أيضا و أكثر الناس يرونه و قيل عشر سنين رواه عرة بن الزبير و هو قول الحسن البصري و سعيد بن المسيب و اختلفوا في سن رسول الله ص فقال قوم كان ابن خمس و ستين و قيل كان ابن ثلاث و ستين و قيل كان ابن ستين و اختلفوا في سن علي ع فقيل كان ابن سبع و ستين و قيل كان ابن خمس و ستين و قيل ابن ثلاث و(14/265)