شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 220و عرف الشبه و مواضع الطعن و ضروب التأويل قد التمس الحيل في إبطال مناقبه و تأول مشهور فضائله فمرة يتأولها بما لا يحتمل و مرة يقصد أن يضع من قدرها بقياس منتقض و لا يزداد مع ذلك إلا قوة و رفعة و وضوحا و استنارة و قد علمت أن معية و يزيد و من كان بعدهما من بني مروان أيام ملكهم و ذلك نحو ثمانين سنة لم يدعوا جهدا في حمل الناس على شتمه و لعنه و إخفاء فضائله و ستر مناقبه و سوابقه روى خالد بن عبد الله الواسطي عن حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن يساف عن عبد الله بن ظالم قال لما بويع لمعاوية أقام المغيرة بن شعبة خطباء يلعنون عليا ع فقال سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أ لا ترون إلى هذا الرجل الظالم يأمر بلعن رجل من أهل الجنة. روى سليمان بن داود عن شعبة عن الحر بن الصباح قال سمعت عبد الرحمن بن الأخنس يقول شهدت المغيرة بن شعبة خطب فذكر عليا ع فنال منه. روى أبو كريب قال حدثنا أبو أسامة قال حدثنا صدقة بن المثنى النخعي عن رياح بن الحارث قال بينما المغيرة بن شعبة بالمسجد الأكبر و عنده ناس إذ جاءه رجل يقال له قيس بن علقمة فاستقبل المغيرة فسب عليا ع. روى محمد بن سعيد الأصفهاني عن شريك عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن علي بن الحسين عن أبيه علي بن الحسين ع قال قال لي مروان ما كان في القوم أدفع عن صاحبنا من صاحبكم قلت فما بالكم تسبونه على المنابر قال إنه لا يستقيم لنا الأمر إلا بذلك. روى مالك بن إسماعيل أبو غسان النهدي عن ابن أبي سيف قال خطب مروان و الحسن ع جالس فنال من علي ع فقال الحسن ويلك يا مروان أ هذا الذي تشتم شر الناس قال لا و لكنه خير الناس. شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 221و روى أبو غسان أيضا قال قال عمر بن عبد العزيز كان أبي يخطب فلا يزال مستمرا في خطبته حتى إذا صار إلى ذكر علي و سبه تقطع لسانه و اصفر وج و تغيرت حاله فقلت له في ذلك فقال أ و قد فطنت لذلك إن هؤلاء لو(14/251)


يعلمون من علي ما يعلمه أبوك ما تبعنا منهم رجل. و روى أبو عثمان قال حدثنا أبو اليقظان قال قام رجل من ولد عثمان إلى هشام بن عبد الملك يوم عرفة فقال إن هذا يوم كانت الخلفاء تستحب فيه لعن أبي تراب. و روى عمرو بن الفناد عن محمد بن فضيل عن أشعث بن سوار قال سب عدي بن أرطاة عليا ع على المنبر فبكى الحسن البصري و قال لقد سب هذا اليوم رجل إنه لأخو رسول الله ص في الدنيا و الآخرة. و روى عدي بن ثابت عن إسماعيل بن إبراهيم قال كنت أنا و إبراهيم بن يزيد جالسين في الجمعة مما يلي أبواب كندة فخرج المغيرة فخطب فحمد الله ثم ذكر ما شاء أن يذكر ثم وقع في علي ع فضرب إبراهيم على فخذي أو ركبتي ثم قال أقبل علي فحدثني فإنا لسنا في جمعة أ لا تسمع ما يقول هذا. و روى عبد الله بن عثمان الثقفي قال حدثنا ابن أبي سيف قال قال ابن لعامر بن عبد الله بن الزبير لولده لا تذكر يا بني عليا إلا بخير فإن بني أمية لعنوه على منابرهم ثمانين سنة فلم يزده الله بذلك إلا رفعة إن الدنيا لم تبن شيئا قط إلا رجعت على ما بنت فهدمته و إن الدين لم يبن شيئا قط و هدمه. و روى عثمان بن سعيد قال حدثنا مطلب بن زياد عن أبي بكر بن عبد الله الأصبهاني قال كان دعي لبني أمية يقال له خالد بن عبد الله لا يزال يشتم عليا ع(14/252)


شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 222فلما كان يوم جمعة و هو يخطب الناس قال و الله إن كان رسول الله ليستعمله و إنه ليعلم ما هو و لكنه كان ختنه و قد نعس سعيد بن المسيب ففتح عينيه ثم قال ويحكم ما قال هذا الخبيث رأيت القبر انصدع و رسول الله ص يقول كذبت يا عدو اللهو روى القناد قال حدثنا أسباط بن نصر الهمداني عن السدي قال بينما أنا بالمدينة عند أحجار الزيت إذ أقبل راكب على بعير فوقف فسب عليا ع فخف به الناس ينظرون إليه فبينما هو كذلك إذ أقبل سعد بن أبي وقاص فقال اللهم إن كان سب عبدا لك صالحا فأر المسلمين خزيه فما لبث أن نفر به بعيره فسقط فاندقت عنقه. و روى عثمان بن أبي شيبة عن عبد الله بن موسى عن فطر بن خليفة عن أبي عبد الله الجدلي قال دخلت على أم سلمة رحمها الله فقالت لي أ يسب رسول الله ص فيكم و أنتم أحياء قلت و أنى يكون هذا قالت أ ليس يسب علي ع و من يحبه. و روى العباس بن بكار الضبي قال حدثني أبو بكر الهذلي عن الزهري قال قال ابن عباس لمعاوية أ لا تكف عن شتم هذا الرجل قال ما كنت لأفعل حتى يربو عليه الصغير و يهرم فيه الكبير فلما ولي عمر بن عبد العزيز كف عن شتمه فقال الناس ترك السنة. قال و قد روي عن ابن مسعود إما موقوفا عليه أو مرفوعا كيف أنتم إذا شملتكم فتنة يربو عليها الصغير و يهرم فيها الكبير يجري عليها الناس فيتخذونها سنة فإذا غير منها شي ء قيل غيرت السنة. شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 223قال أبو جعفر و قد تعلمون أن بعض الملوك ربما أحدثوا قولا أو دينا لهوى فيحملون النالى ذلك حتى لا يعرفوا غيره كنحو ما أخذ الناس الحجاج بن يوسف بقراءة عثمان و ترك قراءة ابن مسعود و أبي بن كعب و توعد على ذلك بدون ما صنع هو و جبابرة بني أمية و طغاة مروان بولد علي ع و شيعته و إنما كان سلطانه نحو عشرين سنة فما مات الحجاج حتى اجتمع أهل العراق على قراءة عثمان و نشأ أبناؤهم و لا يعرفون غيرها لإمساك الآباء عنها و(14/253)


كف المعلمين عن تعليمها حتى لو قرأت عليهم قراءة عبد الله و أبي ما عرفوها و لظنوا بتأليفها الاستكراه و الاستهجان لإلف العادة و طول الجهالة لأنه إذا استولت على الرعية الغلبة و طالت عليهم أيام التسلط و شاعت فيهم المخافة و شملتهم التقية اتفقوا على التخاذل و التساكت فلا تزال الأيام تأخذ من بصائرهم و تنقص من ضمائرهم و تنقض من مرائرهم حتى تصير البدعة التي أحدثوها غامرة للسنة التي كانوا يعرفونها و لقد كان الحجاج و من ولاه كعبد الملك و الوليد و من كان قبلهما و بعدهما من فراعنة بني أمية على إخفاء محاسن علي ع و فضائله و فضائل ولده و شيعته و إسقاط أقدارهم أحرص منهم على إسقاط قراءة عبد الله و أبي لأن تلك القراءات لا تكون سببا لزوال ملكهم و فساد أمرهم و انكشاف حالهم و في اشتهار فضل علي ع و ولده و إظهار محاسنهم بوارهم و تسليط حكم الكتاب المنبوذ عليهم فحرصوا و اجتهدوا في إخفاء فضائله و حملوا الناس على كتمانها و سترها و أبى الله أن يزيد أمره و أمر ولده إلا استنارة و إشراقا و حبهم إلا شغفا و شدة و ذكرهم إلا انتشارا و كثرة و حجتهم إلا وضوحا و قوة و فضلهم إلا ظهورا و شأنهم إلا علوا و أقدارهم إلا إعظاما حتى أصبحوا بإهانتهم إياهم أعزاء و بإماتتهم ذكرهم أحياء و ما أرادوا به و بهم من الشر تحول خيرا فانتهى إلينا من ذكر فضائله و خصائصه و مزاياه و سوابقه ما لم يتقدمه السابقون و لا ساواه فيه القاصدون و لا يلحقه الطالبون و لو لا أنها كانت(14/254)


شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 224كالقبلة المنصوبة في الشهرة و كالسنن المحفوظة في الكثرة لم يصل إلينا منها في دهرنا حرف واحد إذا كان الأمر كما وصفناه. قال فأما ما احتج به الجاحظ بإمامة أبي بكر بكونه أول الناس إسلاما فلو كان هذا احتجاجا صحيحا لاحتج به أبو بكيوم السقيفة و ما رأيناه صنع ذلك لأنه أخذ بيد عمر و يد أبي عبيدة بن الجراح و قال للناس قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا منهما من شئتم و لو كان هذا احتجاجا صحيحا لما قال عمر كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها و لو كان احتجاجا صحيحا لادعى واحد من الناس لأبي بكر الإمامة في عصره أو بعد عصره بكونه سبق إلى الإسلام و ما عرفنا أحدا ادعى له ذلك على أن جمهور المحدثين لم يذكروا أن أبا بكر أسلم إلا بعد عدة من الرجال منهم علي بن أبي طالب و جعفر أخوه و زيد بن حارثة و أبو ذر الغفاري و عمرو بن عنبسة السلمي و خالد بن سعيد بن العاص و خباب بن الأرت و إذا تأملنا الروايات الصحيحة و الأسانيد القوية و الوثيقة وجدناها كلها ناطقة بأن عليا ع أول من أسلم. فأما الرواية عن ابن عباس أن أبا بكر أولهم إسلاما فقد روي عن ابن عباس خلاف ذلك بأكثر مما رووا و أشهر فمن ذلك ما رواه يحيى بن حماد عن أبي عوانة و سعيد بن عيسى عن أبي داود الطيالسي عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس أنه قال أول من صلى من الرجال علي ع. و
روى الحسن البصري قال حدثنا عيسى بن راشد عن أبي بصير عن عكرمة عن ابن عباس قال فرض الله تعالى الاستغفار لعلي ع في القرآن شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 225على كل مسلم بقوله تعالى رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ فكل من أم بعد علي فهو يستغفر لعلي ع
و روى سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال السباق ثلاثة سبق يوشع بن نون إلى موسى و سبق صاحب يس إلى عيسى و سبق علي بن أبي طالب إلى محمد عليه و عليهم السلام(14/255)

114 / 147
ع
En
A+
A-