القول في إسلام أبي بكر و علي و خصائص كل منهما
و ينبغي أن نذكر في هذا الموضع ملخص ما ذكره الشيخ أبو عثمان الجاحظ في كتابه المعروف بكتاب العثمانية في تفضيل إسلام أبي بكر على إسلام علي ع لأن هذا الموضع يقتضيه لقوله ع حكاية عن قريش لما صدق رسول الله ص و هل يصدقك في أمرك إلا مثل هذا لأنهم استصغروا سنه فاستحقروا أمر محمد رسول الله ص حيث لم يصدقه في دعواه إلا غلام صغير السن و شبهة العثمانية التي قررها الجاحظ من هذه الشبهة نشأت و من هذه الكلمة تفرعت لأن خلاصتها أن أبا بكر أسلم و هو ابن أربعين سنة و علي أسلم و لم يبلغ الحلم فكان إسلام أبي بكر أفضل. ثم نذكر ما اعترض به شيخنا أبو جعفر الإسكافي على الجاحظ في كتابه المعروف بنقض العثمانية و يتشعب الكلام بينهما حتى يخرج عن البحث في الإسلامين إلى البحث في أفضلية الرجلين و خصائصهما فإن ذلك لا يخلو عن فائدة جليلة و نكتة شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 216لطيفة لا يليق أن يخ كتابنا هذا عنها و لأن كلامهما بالرسائل و الخطابة أشبه و في الكتابة أقصد و أدخل و كتابنا هذا موضوع لذكر ذلك و أمثاله. قال أبو عثمان قالت العثمانية أفضل الأمة و أولاها بالإمامة أبو بكر بن أبي قحافة لإسلامه على الوجه الذي لم يسلم عليه أحد في عصره و ذلك أن الناس اختلفوا في أول الناس إسلاما فقال قوم أبو بكر و قال قوم زيد بن حارثة و قال قوم خباب بن الأرت. و إذا تفقدنا أخبارهم و أحصينا أحاديثهم و عددنا رجالهم و نظرنا في صحة أسانيدهم كان الخبر في تقدم إسلام أبي بكر أعم و رجاله أكثر و أسانيده أصح و هو بذاك أشهر و اللفظ فيه أظهر مع الأشعار الصحيحة و الأخبار المستفيضة في حياة رسول الله ص و بعد وفاته و ليس بين الأشعار و الأخبار فرق إذا امتنع في مجيئها و أصل مخرجها التباعد و الاتفاق و التواطؤ و لكن ندع هذا المذهب جانبا و نضرب عنه صفحا اقتدارا على الحجة و وثوقا بالفلج و القوة و نقتصر على(14/246)


أدنى نازل في أبي بكر و ننزل على حكم الخصم فنقول إنا وجدنا من يزعم أنه أسلم قبل زيد و خباب و وجدنا من يزعم أنهما أسلما قبله و أوسط الأمور أعدلها و أقربها من محبة الجميع و رضا المخالف أن نجعل إسلامهم كان معا إذ الأخبار متكافئة و الآثار متساوية على ما تزعمون و ليست إحدى القضيتين أولى في صحة العقل من الأخرى ثم نستدل على إمامه أبي بكر بما ورد فيه من الحديث و بما أبانه به الرسول ص من غيره. قالوا فمما روي من تقدم إسلامه ما حدث به أبو داود و ابن مهدي عن شعبة و ابن عيينة عن الجريري عن أبي هريرة قال أبو بكر أنا أحقكم بهذا الأمر يعني الخلافة أ لست أول من صلى. شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 21 روى عباد بن صهيب عن يحيى بن عمير عن محمد بن المنكدر أن رسول الله ص قال إن الله بعثني بالهدى و دين الحق إلى الناس كافة فقالوا كذبت و قال أبو بكر صدقت
و روى يعلى بن عبيد قال جاء رجل إلى ابن عباس فسأله من كان أول الناس إسلاما فقال أ ما سمعت قول حسان بن ثابت
إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلاالثاني التالي المحمود مشهده و أول الناس منهم صدق الرسلا
و قال أبو محجن
سبقت إلى الإسلام و الله شاهد و كنت حبيبا بالعريش المشهر
و قال كعب بن مالك
سبقت أخا تيم إلى دين أحمد و كنت لدى الغيران في الكهف صاحبا
و روى ابن أبي شيبة عن عبد الله بن إدريس و وكيع عن شعبة عن عمرو بن مرة قال قال النخعي أبو بكر أول من أسلم. و
روى هيثم عن يعلى بن عطاء عن عمرو بن عنبسة قال أتيت النبي ص و هو بعكاظ فقلت من بايعك على هذا الأمر فقال بايعني حر و عبد(14/247)


فلقد رأيتني يومئذ و أنا رابع الإسلام. شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 218قال بعض أصحاب الحديث يعني بالحر أبا بكر و بالعبد بلالا. و روى الليث بن سعد عن معاوية بن صالح عن سليم بن عامر عن أبي أمامه قال حدثني عمرو بن عنبسة أنه سأل النبي ص و هو بعكاظ فقال له من تبعك قال تبعني حر و عبد أبو بكر و بلال
و روى عمرو بن إبراهيم الهاشمي عن عبد الملك بن عمير عن أسيد بن صفوان صاحب النبي ص قال لما قبض أبو بكر جاء علي بن أبي طالب ع فقال رحمك الله أبا بكر كنت أول الناس إسلاما(14/248)


و روى عباد عن الحسن بن دينار عن بشر بن أبي زينب عن عكرمة مولى ابن عباس قال إذا لقيت الهاشميين قالوا علي بن أبي طالب أول من أسلم و إذا لقيت الذين يعلمون قالوا أبو بكر أول من أسلم. قال أبو عثمان الجاحظ قالت العثمانية فإن قال قائل فما بالكم لم تذكروا علي بن أبي طالب في هذه الطبقة و قد تعلمون كثرة مقدميه و الرواية فيه قلنا قد علمنا الرواية الصحيحة و الشهادة القائمة أنه أسلم و هو حدث غرير و طفل صغير فلم نكذب الناقلين و لم نستطع أن نلحق إسلامه بإسلام البالغين لأن المقلل زعم أنه أسلم و هو ابن خمس سنين و المكثر زعم أنه أسلم و هو ابن تسع سنين فالقياس أن يؤخذ بالأوسط بين الروايتين و بالأمر بين الأمرين و إنما يعرف حق ذلك من باطله بأن نحصي سنيه التي ولي فيها الخلافة و سني عمر و سني عثمان و سني أبي بكر و مقام النبي ص بالمدينة و مقامه بمكة عند إظهار الدعوة فإذا فعلنا ذلك صح أنه أسلم و هو ابن سبع سنين فالتاريخ المجمع عليه أنه قتل ع في شهر رمضان سنة أربعين. شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 219قال شيخنا أبو جعفر الإسكافي لو لا ما غلب على الناس من الجهل و حب التقليد لم نحتج إلى نقض ما احتجت به العثمانية فقد علم الناس كافة أن الدولو السلطان لأرباب مقالتهم و عرف كل أحد علو أقدار شيوخهم و علمائهم و أمرائهم و ظهور كلمتهم و قهر سلطانهم و ارتفاع التقية عنهم و الكرامة و الجائزة لمن روى الأخبار و الأحاديث في فضل أبي بكر و ما كان من تأكيد بني أمية لذلك و ما ولده المحدثون من الأحاديث طلبا لما في أيديهم فكانوا لا يألون جهدا في طول ما ملكوا أن يخملوا ذكر علي ع و ولده و يطفئوا نورهم و يكتموا فضائلهم و مناقبهم و سوابقهم و يحملوا على شتمهم و سبهم و لعنهم على المنابر فلم يزل السيف يقطر من دمائهم مع قلة عددهم و كثرة عدوهم فكانوا بين قتيل و أسير و شريد و هارب و مستخف ذليل و خائف مترقب حتى إن الفقيه و المحدث و(14/249)


القاضي و المتكلم ليتقدم إليه و يتوعد بغاية الإيعاد و أشد العقوبة ألا يذكروا شيئا من فضائلهم و لا يرخصوا لأحد أن يطيف بهم و حتى بلغ من تقية المحدث أنه إذا ذكر حديثا عن علي ع كنى عن ذكره فقال قال رجل من قريش و فعل رجل من قريش و لا يذكر عليا ع و لا يتفوه باسمه. ثم رأينا جميع المختلفين قد حاولوا نقض فضائله و وجهوا الحيل و التأويلات نحوها من خارجي مارق و ناصب حنق و ثابت مستبهم و ناشئ معاند و منافق مكذب و عثماني حسود يعترض فيها و يطعن و معتزلي قد نقض في الكلام و أبصر علم الاختلاف(14/250)

113 / 147
ع
En
A+
A-