و أما خبر الوزارة فقد ذكره الطبري في تاريخه عن عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب ع قال لما أنزلت هذه الآية وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ على رسول الله ص دعاني فقال يا علي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتك الأقربين فضقت بذلك ذرعا و علمت أني متى أنادهم بهذا الأمر أر منهم ما أكره فصمت حتى جاءني جبريل ع فقال يا محمد إنك إن لم تفعل ما أمرت به يعذبك ربك فاصنع لنا صاعا من طعام و اجعل عليه رجل شاة و املأ لنا عسا من لبن ثم اجمع بني عبد المطلب حتى أكلمهم و أبلغهم ما أمرت به ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم و هم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه و فيهم أعمامه أبو طالب و حمزة و العباس و أبو لهب فلما اجتمعوا إليه دعا بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به فلما وضعته تناول رسول الله ص بضعة من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة ثم قال كلوا باسم الله فأكلوا حتى ما لهم إلى شي ء من حاجة و ايم الله الذي نفس علي بيده إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمته لجميعهم ثم قال اسق القوم يا علي فجئتهم بذلك العس فشربوا منه حتى رووا جميعا و ايم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله فلما أراد رسول الله ص أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى لكلام فقال لشد ما سحركم صاحبكم فتفرق القوم و لم يكلمهم رسول الله ص فقال من الغد يا علي إن هذا الرجل قد سبقني شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 211إلى ما سمعت من القول فتفرق القوم قبل أن أكلمهم فعد لنا اليوم إلى مثل ما صنعت بالأمس ثم اجمعهم لي ففعلت ثم جمعتهم ثمعاني بالطعام فقربته لهم ففعل كما فعل بالأمس فأكلوا حتى ما لهم بشي ء حاجة ثم قال اسقهم فجئتهم بذلك العس فشربوا منه جميعا حتى رووا ثم تكلم رسول الله ص فقال يا بني عبد المطلب إني و الله ما أعلم أن شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به إني قد جئتكم بخير ادنيا و الآخرة و قد أمرني الله أن أدعوكم إليه فأيكم يوازرني على هذا(14/241)


الأمر على أن يكون أخي و وصيي و خليفتي فيكم فأحجم القوم عنها جميعا و قلت أنا و إني لأحدثهم سنا و أرمصهم عينا و أعظمهم بطنا و أحمشهم ساقا أنا يا رسول الله أكون وزيرك عليه فأعاد القول فأمسكوا و أعدت ما قلت فأخذ برقبتي ثم قال لهم هذا أخي و وصيي و خليفتي فيكم فاسمعوا له و أطيعوا فقام القوم يضحكون و يقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع لابنك و تطيع
و يدل على أنه وزير رسول الله ص من نص الكتاب و السنة قول الله تعالى وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي و
قال النبي ص في الخبر المجمع على روايته بين سائر فرق الإسلام أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي
فأثبت له جميع مراتب هارون عن موسى فإذن هو وزير رسول الله ص و شاد أزره و لو لا أنه خاتم النبيين لكان شريكا في أمره. شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 212و روى أبو جعفر الطبري أيضا في التاريخ أن رجلا قال لعلي ع يا أمير المؤمنين بم ورثت ابن عمك دون عمك فقال علي ع هاؤم ثلاث مرات حتى اشرأب الناس و نشروا آذانهم ثم قال جمع رسول الله ص بني عبد المطلب بمكة و هم رهطه كلهم يأكل الجذعة و يشرب الفرق فصنع مدا من طعام حتى أكلوا و شبعوا و بقي الطعام كما هو كأنه لم يمس ثم دعا بغمر فشربوا و رووا و بقي الشراب كأنه لم يشرب ثم قال يا بني عبد المطلب إني بعثت إليكم خاصة و إلى الناس عامة فأيكم يبايعني على أن يكون أخي و صاحبي و وارثي فلم يقم إليه أحد فقمت إليه و كنت من أصغر القوم فقال اجلس ثم قال ذلك ثلاث مرات كل ذلك أقوم إليه فيقول اجلس حتى كان في الثالثة فضرب بيده على يدي فعند ذلك ورثت ابن عمي دون عمي(14/242)


وَ لَقَدْ كُنْتُ مَعَهُ ص لَمَّا أَتَاهُ الْمَلَأُ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالُوا لَهُ يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ قَدِ ادَّعَيْتَ عَظِيماً لَمْ يَدَّعِهِ آبَاؤُكَ وَ لَا أَحَدٌ مِنْ بَيْتِكَ وَ نَحْنُ نَسْأَلُكَ أَمْراً إِنْ أَنْتَ أَجَبْتَنَا إِلَيْهِ وَ أَرَيْتَنَاهُ عَلِمْنَا أَنَّكَ نَبِيٌّ وَ رَسُولٌ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ عَلِمْنَا أَنَّكَ سَاحِرٌ كَذَّابٌ فَقَالَ ص وَ مَا تَسْأَلُونَ قَالُوا تَدْعُو لَنَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ حَتَّى تَنْقَلِعَ بِعُرُوقِهَا وَ تَقِفَ بَيْنَ يَدَيْكَ فَقَالَ ص إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 213شَيْ ءٍ قَدِيرٌ فَإِنْ فَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ ذَلِكَ أَ تُؤْمِنُونَ وَ تَشْهَدُونَ بِالْحَقِّ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَإِنِّي سَأُرِيكُمْ مَا تَطْلُبُونَ وَ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكُمْ لَا تَفِيئُونَ إِلَى خَيْرٍ وَ أَنَّ فُمْ مَنْ يُطْرَحُ فِي الْقَلِيبِ وَ مَنْ يُحَزِّبُ الْأَحْزَابَ ثُمَّ قَالَ ص يَا أَيَّتُهَا الشَّجَرَةُ إِنْ كُنْتِ تُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الآْخِرِ وَ تَعْلَمِينَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَانْقَلِعِي بِعُرُوقِكِ حَتَّى تَقِفِي بَيْنَ يَدَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ الَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَانْقَلَعَتْ بِعُرُوقِهَا وَ جَاءَتْ وَ لَهَا دَوِيٌّ شَدِيدٌ وَ قَصْفٌ كَقَصْفِ أَجْنِحَةِ الطَّيْرِ حَتَّى وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ ص مُرَفْرِفَةً وَ أَلْقَتْ بِغُصْنِهَا الْأَعْلَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص وَ بِبَعْضِ أَغْصَانِهَا عَلَى مَنْكِبِي وَ كُنْتُ عَنْ يَمِينِهِ ص فَلَمَّا نَظَرَ الْقَوْمُ إِلَى ذَلِكَ قَالُوا عُلُوّاً وَ اسْتِكْبَاراً فَمُرْهَا فَلْيَأْتِكَ نِصْفُهَا وَ يَبْقَى نِصْفُهَا فَأَمَرَهَا فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ نِصْفُهَا كَأَعْجَبِ إِقْبَالٍ وَ أَشَدِّهِ دَوِيّاً فَكَادَتْ تَلْتَفُّ بِرَسُولِ(14/243)


اللَّهِ ص فَقَالُوا كُفْراً وَ عُتُوّاً فَمُرْ هَذَا النِّصْفَ فَلْيَرْجِعْ إِلَى نِصْفِهِ كَمَا كَانَ فَأَمَرَهُ ص فَرَجَعَ فَقُلْتُ أَنَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِنِّي أَوَّلُ مُؤْمِنٍ بِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ أَوَّلُ مَنْ أَقَرَّ بِأَنَّ الشَّجَرَةَ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى تَصْدِيقاً بِنُبُوَّتِكَ وَ إِجْلَالًا لِكَلِمَتِكَ فَقَالَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ بَلْ سَاحِرٌ كَذَّابٌ عَجِيبُ السِّحْرِ خَفِيفٌ فِيهِ وَ هَلْ يُصَدِّقُكَ فِي أَمْرِكَ إِلَّا مِثْلُ هَذَا يَعْنُونَنِي وَ إِنِّي لَمِنْ قَوْمٍ لَا تَأْخُذُهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ سِيمَاهُمْ سِيمَا الصِّدِّيقِينَ وَ كَلَامُهُمْ كَلَامُ الْأَبْرَارِ عُمَّارُ اللَّيْلِ وَ مَنَارُ النَّهَارِ مُتَمَسِّكُونَ بِحَبْلِ الْقُرْآنِ يُحْيُونَ سُنَنَ اللَّهِ وَ سُنَنَ رَسُولِهِ لَا يَسْتَكْبِرُونَ وَ لَا يَعْلُونَ وَ لَا يَغُلُّونَ وَ لَا يُفْسِدُونَ قُلُوبُهُمْ فِي الْجِنَانِ وَ أَجْسَادُهُمْ فِي الْعَمَلِ(14/244)


شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 214الملأ الجماعة و لا تفيئون لا ترجعون و من يطرح في القليب كعتبة و شيبة ابني ربيعة بن عبد شمس و عمرو بن هشام بن المغيرة المكنى أبا جهل و غيرهم طرحوا في قليب بدر بعد انقضاء الحرب و من يحزب الأحزاب أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية. القصف و القصيف الصوت و سيماهم علامتهم و مثله سيمياء. و معنى قوله ع قلوبهم في الجنان و أجسادهم في العمل أن قلوبهم ملتذة بمعرفة الله تعالى و أجسادهم نصبة بالعبادة. و أما أمر الشجرة التي دعاها رسول الله ص فالحديث الوارد فيها كثير مستفيض قد ذكره المحدثون في كتبهم و ذكره المتكلمون في معجزات الرسول ص و الأكثرون رووا الخبر فيها على الوضع الذي جاء في خطبة أمير المؤمنين و منهم من يروي ذلك مختصرا أنه دعا شجرة فأقبلت تخد إليه الأرض خدا. و قد ذكر البيهقي في كتاب دلائل النبوة حديث الشجرة و رواه أيضا محمد بن إسحاق بن يسار في كتاب السيرة و المغازي على وجه آخر قال محمد بن إسحاق كان ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف أشد قريش كلها فخلا يوما برسول الله ص في بعض شعاب مكة فقال له رسول الله ص يا ركانة أ لا تتقي الله و تقبل ما أدعوك إليه قال لو أعلم أن الذي تقول حق لاتبعتك قال أ فرأيت إن صرعتك أ تعلم أن ما أقول لك حق قال نعم قال فقم حتى أصارعك فقام ركانة فلما بطش به رسول الله ص أضجعه لا يملك من نفسه شيئا فقال عد يا محمد فعاد فصرعه فقال يا محمد إن هذا لعجب حين تصرعني فقال رسول الله ص و أعجب من ذلك إن شئت أريتكه إن اتقيت الله و اتبعت أمري شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 215قال ما هو قال أدعو لك هذه الشجرة التي تراها فتأتي قال فادعها فدعاها فأقبلت حتى وقفت بين يدي رسول الله ص ثم قال ارجعي إلى مكانك فرجعت إلى مكانها فرجع ركانة إلى قومه و قال يا بني عبد مناف ساحروا بصاحبكمهل الأرض فما رأيت أسحر منه قط ثم أخبرهم بالذي رأى و الذي صنع(14/245)

112 / 147
ع
En
A+
A-