قال و روى الطبري في تاريخه عن شداد بن أوس قال سمعت رسول الله ص يحدث عن نفسه و يذكر ما جرى له و هو طفل في أرض بني سعد بن بكر قال لما ولدت استرضعت في بني سعد فبينا أنا ذات يوم منتبذ من شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 205أهلي في بطن واد مع أتراب لي من الصبيان ناذف بالجلة إذا أتاني رهط ثلاثة معهم طشت من ذهب مملوءة ثلجا فأخذوني من بين أصحابي فخرج أصحابي هرابا حتى انتهوا إلى شفير الوادي ثم عادوا إلى الرهط فقالوا ما أربكم إلى هذا الغلام فإنه ليس منا هذا ابن سيد قريش و هو مسترضع فينا غلام يتيم ليس له أب فما ذا يرد عليكم قتله و ما ذا تصيبون من ذلك و لكن إن كنتم لا بد قاتليه فاختاروا منا أينا شئتم فاقتلوه مكانه و دعوا هذا الغلام فإنه يتيم. فلما رأى الصبيان أن القوم لا يحيرون لهم جوابا انطلقوا هرابا مسرعين إلى الحي يؤذنونهم و يستصرخونهم على القوم فعمد أحدهم فأضجعني إضجاعا لطيفا ثم شق ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي و أنا أنظر إليه فلم أجد لذلك حسا ثم أخرج بطني فغسلها بذلك الثلج فأنعم غسلها ثم أعادها مكانها ثم قام الثاني منهم فقال لصاحبه تنح فنحاه عني ثم أدخل يده في جوفي و أخرج قلبي و أنا أنظر إليه فصدعه ثم أخرج منه مضغة سوداء فرماها ثم قال بيده يمنة منه و كأنه يتناول شيئا فإذا في يده خاتم من نور تحار أبصار الناظرين دونه فختم به قلبي ثم أعاده مكانه فوجدت برد ذلك الخاتم في قلبي دهرا ثم قال الثالث لصاحبه تنح عنه فأمر يده ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي فالتأم ذلك الشق ثم أخذ بيدي فأنهضني من مكاني إنهاضا لطيفا و قال للأول الذي شق بطني زنه بعشرة من أمته فوزنني بهم فرجحتهم فقال دعوه فلو وزنتموه بأمته كلها لرجحهم ثم ضموني إلى صدرهم و قبلوا رأسي و ما بين عيني و قالوا يا حبيب الله لا ترع إنك لو تدري ما يراد بك من الخير لقرت عيناك فبينا أنا كذلك إذا أنا بالحي قد جاءوا بحذافيرهم و إذا أمي و هي(14/236)
شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 206ظئري أمام الحي تهتف بأعلى صوتها و تقول يا ضعيفاه فانكب علي أولئك الرهط فقبلوا رأسي و ما بين عيني و قالوا حبذا أنت من ضعيف ثم قالت ظئري يا وحيداه فانكبوا علي و ضمي إلى صدورهم و قبلوا رأسي و ما بين عيني ثم قالوا حبذا أنت من وحيد و ما أنت بوحيد إن الله و ملائكته معك و المؤمنين من أهل الأرض ثم قالت ظئري يا يتيماه استضعفت من بين أصحابك فقتلت لضعفك فانكبوا علي و ضموني إلى صدورهم و قبلوا رأسي و ما بين عيني و قالوا حبذا أنت من يتيم ما أكرمك على الله لو تعلم ما يراد بك من الخير قال فوصل الحي إلى شفير الوادي فلما بصرت بي أمي و هي ظئري نادت يا بني أ لا أراك حيا بعد فجاءت حتى انكبت علي و ضمتني إلى صدرها فو الذي نفسي بيده إني لفي حجرها قد ضمتني إليها و إن يدي لفي يد بعضهم فجعلت ألتفت إليهم و ظننت أن القوم يبصرونهم فإذا هم لا يبصرونهم فيقول بعض القوم إن هذا الغلام قد أصابه لمم أو طائف من الجن فانطلقوا به إلى كاهن بني فلان حتى ينظر إليه و يداويه فقلت ما بي شي ء مما يذكرون نفسي سليمة و إن فؤادي صحيح ليست بي قلبة فقال أبي و هو زوج ئري أ لا ترون كلامه صحيحا إني لأرجو ألا يكون على ابني بأس. فاتفق القوم على أن يذهبوا إلى الكاهن بي فاحتملوني حتى ذهبوا بي إليه فقصوا عليه قصتي فقال اسكتوا حتى أسمع من الغلام فهو أعلم بأمره منكم فسألني فقصصت عليه أمري و أنا يومئذ ابن خمس سنين فلما سمع قولي وثب و قال يا للعرب اقتلوا هذا الغلام فهو و اللات و العزى لئن عاش ليبدلن دينكم و ليخالفن أمركم و ليأتينكم بما لم تسمعوا به قط فانتزعتني ظئري من حجره و قالت لو علمت أن هذا يكون من قولك ما أتيتك به شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 207ثم احتملوني فأصبحت و قد صار فجسدي أثر الشق ما بين صدري إلى منتهى عانتي كأنه الشراك(14/237)
و روي أن بعض أصحاب أبي جعفر محمد بن علي الباقر ع سأله عن قول الله عز و جل إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً فقال ع يوكل الله تعالى بأنبيائه ملائكة يحصون أعمالهم و يؤدون إليه تبليغهم الرسالة و وكل بمحمد ص ملكا عظيما منذ فصل عن الرضاع يرشده إلى الخيرات و مكارم الأخلاق و يصده عن الشر و مساوئ الأخلاق و هو الذي كان يناديه السلام عليك يا محمد يا رسول الله و هو شاب لم يبلغ درجة الرسالة بعد فيظن أن ذلك من الحجر و الأرض فيتأمل فلا يرى شيئا
و روى الطبري في التاريخ عن محمد بن الحنفية عن أبيه علي ع قال سمعت رسول الله ص يقول ما هممت بشي ء مما كان أهل الجاهلية يعملون به غير مرتين كل ذلك يحول الله تعالى بيني و بين ما أريد من ذلك ثم ما هممت بسوء حتى أكرمني الله برسالته قلت ليلة لغلام من قريش كان يعى معي بأعلى مكة لو أبصرت لي غنمي حتى أدخل مكة فأسمر بها كما يسمر الشباب فخرجت أريد ذلك حتى إذا جئت أول دار من دور مكة سمعت عزفا بالدف و المزامير فقلت ما هذا قالوا هذا فلان تزوج ابنة فلان فجلست أنظر إليهم فضرب الله على أذني فنمت فما أيقظني إلا مس الشمس فرجعت إلى صاحبي فقال ما فعلت فقلت ما صنعت شيئا ثم أخبرته الخبر ثم قلت له ليلة أخرى مثل ذلك فقال أفعل فخرجت فسمعت حين دخلت مكة مثل ما سمعت حين دخلتها تلك الليلة فجلست شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 208أنظر فضرب الله على أذني فما أيقظني إلا مس الشمس فرجعت إلى صاح فأخبرته الخبر ثم ما هممت بعدها بسوء حتى أكرمني الله برسالته(14/238)
و روى محمد بن حبيب في أماليه قال قال رسول الله ص أذكر و أنا غلام ابن سبع سنين و قد بنى ابن جدعان دارا له بمكة فجئت مع الغلمان نأخذ التراب و المدر في حجورنا فننقله فملأت حجري ترابا فانكشفت عورتي فسمعت نداء من فوق رأسي يا محمد أرخ إزارك فجعلت أرفع رأسي فلا أرى شيئا إلا أني أسمع الصوت فتماسكت و لم أرخه فكأن إنسانا ضربني على ظهري فخررت لوجهي و انحل إزاري فسترني و سقط التراب إلى الأرض فقمت إلى دار أبي طالب عمي و لم أعد
و أما حديث مجاورته ع بحراء فمشهور و قد ورد في الكتب الصحاح أنه كان يجاور في حراء من كل سنة شهرا و كان يطعم في ذلك الشهر من جاءه من المساكين فإذا قضى جواره من حراء كان أول ما يبدأ به إذا انصرف أن يأتي باب الكعبة قبل أن يدخل بيته فيطوف بها سبعا أو ما شاء الله من ذلك ثم يرجع إلى بيته حتى جاءت السنة التي أكرمه الله فيها بالرسالة فجاور في حراء شهر رمضان و معه أهله خديجة و علي بن أبي طالب و خادم لهم فجاءه جبريل بالرسالة و
قال ع جاءني و أنا نائم بنمط فيه كتاب فقال اقرأ قلت ما أقرأ فغتني حتى ظننت أنه الموت ثم أرسلني فقال اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ إلى قوله عَلَّمَ الْإِنْسانَ شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 209ما لَمْ يَعْلَمْ فقرأته ثم انصرف عني فانتبهت من نومي و كما كتب في قلبي كتاب
و ذكر تمام الحديث. و أما حديث أن الإسلام لم يجتمع عليه بيت واحد يومئذ إلا النبي و هو ع و خديجة فخبر عفيف الكندي مشهور و قد ذكرناه من قبل و أن أبا طالب قال له أ تدري من هذا قال لا قال هذا ابن أخي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب و هذا ابني علي بن أبي طالب و هذه المرأة خلفهما خديجة بنت خويلد زوجة محمد ابن أخي و ايم الله ما أعلم على الأرض كلها أحدا على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة. و أما رنة الشيطان(14/239)
فروى أبو عبد الله أحمد بن حنبل في مسنده عن علي بن أبي طالب ع قال كنت مع رسول الله ص صبيحة الليلة التي أسري به فيها و هو بالحجر يصلي فلما قضى صلاته و قضيت صلاتي سمعت رنة شديدة فقلت يا رسول الله ما هذه الرنة قال أ لا تعلم هذه رنة الشيطان علم أني أسري بي الليلة إلى السماء فأيس من أن يعبد في هذه الأرض
و قد روي عن النبي ص ما يشابه هذا لما بايعه الأنصار السبعون ليلة العقبة سمع من العقبة صوت عال في جوف الليل يا أهل مكة هذا مذمم و الصباة معه قد أجمعوا على حربكم فقال رسول الله ص للأنصار أ لا تسمعون ما يقول هذا أزب العقبة يعني شيطانها و قد روي أزبب العقبة ثم التفت إليه فقال استمع يا عدو الله أما و الله لأفرغن لك
شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 210و روي عن جعفر بن محمد الصادق ع قال كان علي ع يرى مع رسول الله ص قبل الرسالة الضوء و يسمع الصوت و قال له ص لو لا أني خاتم الأنبياء لكنت شريكا في النبوة فإن لا تكن نبيا فإنك وصي نبي و وارثه بل أنت سيد الأوصياء و إمام الأتقياء(14/240)