أحق من بذلت له النصيحة و دعوته إلى الهدى و أحق من أجابني إليه و أعانني عليه أو كما قال فقال أبو طالب يا ابن أخي إني لا أستطيع أن أفارق ديني و دين آبائي و ما كانوا عليه و لكن و الله لا يخلص إليك شي ء تكرهه ما بقيت. قال الطبري و قد روى هؤلاء المذكورون أن أبا طالب قال لعلي ع يا بني ما هذا الذي أنت عليه فقال يا أبت إني آمنت بالله و برسوله و صدقته بما شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 200جاء به و صليت لله معه قال فزعموا أنه قال له أما إنه لا يدعو إلا إلىر فالزمه. و
روى الطبري في تاريخه أيضا قال حدثنا أحمد بن الحسين الترمذي قال حدثنا عبد الله بن موسى قال أخبرنا العلاء عن المنهال بن عمر و عن عبد الله بن عبد الله قال سمعت عليا ع يقول أنا عبد الله و أخو رسوله و أنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كاذب مفتر صليت قبل الناس بسبع سنين
و في غير رواية الطبري أنا الصديق الأكبر و أنا الفاروق الأول أسلمت قبل إسلام أبي بكر و صليت قبل صلاته بسبع سنين(14/231)


كأنه ع لم يرتض أن يذكر عمر و لا رآه أهلا للمقايسة بينه و بينه و ذلك لأن إسلام عمر كان متأخرا. و روى الفضل بن عباس رحمه الله قال سألت أبي عن ولد رسول الله ص الذكور أيهم كان رسول الله ص له أشد حبا فقال علي بن أبي طالب ع فقلت له سألتك عن بنيه فقال إنه كان أحب إليه من بنيه جميعا و أرأف ما رأيناه زايله يوما من الدهر منذ كان طفلا إلا أن يكون في سفر لخديجة و ما رأينا أبا أبر بابن منه لعلي و لا ابنا أطوع لأب من علي له. و روى الحسين بن زيد بن علي بن الحسين ع قال سمعت زيدا أبي ع يقول كان رسول الله يمضغ اللحمة و التمرة حتى تلين و يجعلهما في فم علي ع و هو صغير في حجره و كذلك كان أبي علي بن الحسين ع يفعل بي و لقد كان يأخذ الشي ء من الورك و هو شديد الحرارة فيبرده في الهواء أو ينفخ عليه حتى يبرد ثم يلقمنيه أ فيشفق علي من حرارة لقمة و لا يشفق علي من النار لو كان أخي إماما الوصية كما يزعم هؤلاء لكان أبي أفضى بذلك إلي و وقاني من حر جهنم. شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 201و روى جبير بن مطعم قال قال أبي مطعم بن عدي لنا و نحن صبيان بمكة أ لا ترون حب هذا الغلام يعني عليا لمحمد و اتباعه له دون أبيه و اللات و العزى لوددت أن ابني بفتي بني نوفل جميعا. و روى سعيد بن جبير قال سألت أنس بن مالك فقلت أ رأيت قول عمر عن الستة إن رسول الله ص مات و هو عنهم راض أ لم يكن راضيا عن غيرهم من أصحابه فقال بلى مات رسول الله ص و هو راض عن كثير من المسلمين و لكن كان عن هؤلاء أكثر رضا فقلت له فأي الصحابة كان رسول الله ص له أحمد أو كما قال قال ما فيهم أحد إلا و قد سخط منه فعلا و أنكر عليه أمرا إلا اثنان علي بن أبي طالب و أبو بكر بن أبي قحافة فإنهما لم يقترفا منذ أتى الله بالإسلام أمرا أسخطا فيه رسول الله ص
ذكر حال رسول الله في نشوئه(14/232)


و ينبغي أن نذكر الآن ما ورد في شأن رسول الله ص و عصمته بالملائكة ليكون ذلك تقريرا و إيضاحا لقوله ع و لقد قرن الله به من لدن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته و أن نذكر حديث مجاورته ع بحراء و كون علي ع معه هناك و أن نذكر ما ورد في أنه لم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله ص و عليا و خديجة و أن نذكر ما ورد في سماعه رنة الشيطان و أن نذكر ما ورد في كونه ع وزيرا للمصطفى ص أما المقام الأول فروى محمد بن إسحاق بن يسار في كتاب السيرة النبوية و رواه أيضا محمد بن جرير الطبري في تاريخه قال كانت حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 202أم رسول الله ص التي أرضعته تحدث أنها خرجت من بلدها و معها زوجها و ابن لها ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر يلتمسن الرضاع بمكة في سنة شهباء لم تبق شيئا قالت فخرجت على أتان لنا قمراء عجفاء و معنا شارف لنا ما تبض بقطرة لا ننام ليلنا أجمع من بكاء صبينا الذي معنا من الجوع ما في ثديي ما يغنيه و لا في شارفنا ما يغديه و لكنا نرجو الغيث و الفرج فخرجت على أتاني تلك و لقد أراثت بالركب ضعفا و عجفا حتى شق ذلك عليهم حتى قدمنا مكة نلتمس الرضاع فما منا امرأة إلا و قد عرض عليها محمد ص فتأباه إذا قيل لها إنه يتيم و ذلك أنا إنما كنا نرجو المعروف من أبي الصبي فكنا نقول يتيم ما عسى أن تصنع أمه و جده فكنا نكرهه لذلك فما بقيت امرأة ذهبت معي إلا أخذت رضيعا غيري فلما اجتمعنا للانطلاق قلت لصاحبي و الله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي لم آخذ رضيعا و الله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه قال لا عليك أن تفعلي و عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة فذهبت إليه فأخذته و ما يحملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره قالت فلما أخذته رجعت إلى رحلي فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن فرضع حتى روي و شرب معه أخوه حتى روي و ما كنا ننام قبل ذلك من بكاء صبينا جوعا فنام و قام(14/233)


زوجي إلى شارفنا تلك فنظر إليها فإذا أنها حافل فحلب منها ما شرب و شربت حتى انتهينا ريا و شبعا فبتنا بخير ليلة قالت يقول شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 203صاحبي حين أصبحنا أ تعلمين و الله يا حليمةقد أخذت نسمة مباركة فقلت و الله إني لأرجو ذلك ثم خرجنا و ركبت أتاني تلك و حملته معي عليها فو الله لقطعت بالركب ما يقدر عليها شي ء من حميرهم حتى إن صواحبي ليقلن لي ويحك يا بنت أبي ذؤيب اربعي علينا أ ليس هذه أتانك التي كنت خرجت عليها فأقول لهن بلى و الله إنا لهي فيقلن و الله إن لها لشأنا. قالت ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد و ما أعلم أرضا من أرض العرب أجدب منها فكانت غنمي تروح علي حين قدمنا به معنا شباعا ملأى لبنا فكنا نحتلب و نشرب و ما يحلب إنسان قطرة لبن و لا يجدها في ضرع حتى إن الحاضر من قومنا ليقولون لرعاتهم ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعي ابنة أبي ذؤيب فيفعلون فتروح أغنامهم جياعا ما تبض بقطرة و تروح غنمي شباعا لبنا فلم نزل نعرف من الله الزيادة و الخير به حتى مضت سنتاه و فصلته فكان يشب شبابا لا يشبه الغلمان فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاما جفرا فقدمنا به على أمه آمنة بنت وهب و نحن أحرص شي ء على مكثه فينا لما كنا نرى من بركته فكلمنا أمه و قلنا لها لو تركته عندنا حتى يغلظ فإنا نخشى عليه وباء مكة فلم نزل بها حتى ردته معنا. فرجعنا به إلى بلاد بني سعد فو الله إنه لبعد ما قدمنا بأشهر مع أخيه في بهم لنا خلف بيوتنا إذ أانا أخوه يشتد فقال لي و لأبيه ها هو ذاك أخي القرشي قد جاءه(14/234)


شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 204رجلان عليهما ثياب بياض فأضجعاه و شقا بطنه فهما يسوطانه قالت فخرجت أنا و أبوه نشتد نحوه فوجدناه قائما ممتقعا وجهه فالتزمته و التزمه أبوه و قلنا ما لك يا بني قال جاءني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني ثم شقا بطني فالتمسا فيه شي لا أدري ما هو قالت فرجعنا به إلى خبائنا و قال لي أبوه يا حليمة لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب فألحقيه بأهله قالت فاحتملته حتى قدمت به على أمه فقالت ما أقدمك به يا ظئر و قد كنت حريصة عليه و على مكثه عندك فقلت لها قد بلغ الله بابني و قضيت الذي علي و تخوفت عليه الأحداث و أديته إليك كما تحبين قالت أ تخوفت عليه الشيطان قلت نعم قالت كلا و الله ما للشيطان عليه من سبيل و إن لابني شأنا أ فلا أخبرك خبره قلت بلى قالت رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور أضاءت له قصور بصرى من الشام ثم حملت به فو الله ما رأيت حملا قط كان أخف و لا أيسر منه ثم وقع حين ولدته و إنه لواضع يديه بالأرض و رافع رأسه إلى السماء دعيه عنك و انطلقي راشدة.(14/235)

110 / 147
ع
En
A+
A-