لا تقرع لهم صفاة مثل يضرب لمن لا يطمع في جانبه لعزته و قوته
أَلَا وَ إِنَّكُمْ قَدْ نَفَضْتُمْ أَيْدِيَكُمْ مِنْ حَبْلِ الطَّاعَةِ وَ ثَلَمْتُمْ حِصْنَ اللَّهِ الْمَضْرُوبَ عَلَيْكُمْ بِأَحْكَامِ الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدِ امْتَنَّ عَلَى جَمَاعَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِيمَا عَقَدَ بَيْنَهُمْ مِنْ حَبْلِ هَذِهِ الْأُلْفَةِ الَّتِي يَتَقَلَّبُونَ فِي ظِلِّهَا وَ يَأْوُونَ إِلَى كَنَفِهَا بِنِعْمَةٍ لَا يَعْرِفُ أَحَدٌ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ لَهَا قِيمَةً لِأَنَّهَا أَرْجَحُ مِنْ كُلِّ ثَمَنٍ وَ أَجَلُّ مِنْ كُلِّ خَطَرٍ وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ صِرْتُمْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ أَعْرَاباً وَ بَعْدَ الْمُوَالَاةِ أَحْزَاباً مَا تَتَعَلَّقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا بِاسْمِهِ وَ لَا تَعْرِفُونَ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَّا رَسْمَهُ تَقُولُونَ النَّارَ وَ لَا الْعَارَ كَأَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُكْفِئُوا الْإِسْلَامَ عَلَى وَجْهِهِ انْتِهَاكاً لِحَرِيمِهِ وَ نَقْضاً لِمِيثَاقِهِ الَّذِي وَضَعَهُ اللَّهُ لَكُمْ حَرَماً فِي أَرْضِهِ وَ أَمْناً بَيْنَ خَلْقِهِ وَ إِنَّكُمْ إِنْ لَجَأْتُمْ إِلَى غَيْرِهِ حَارَبَكُمْ أَهْلُ الْكُفْرِ ثُمَّ لَا جَبْرَائِيلَ شرح نهج الاغة ج : 13 ص : 180وَ لَا مِيكَائِيلَ وَ لَا مُهَاجِرِينَ وَ لَا أَنْصَارَ يَنْصُرُونَكُمْ إِلَّا الْمُقَارَعَةَ بِالسَّيْفِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَكُمْ وَ إِنَّ عِنْدَكُمُ الْأَمْثَالَ مِنْ بَأْسِ اللَّهِ وَ قَوَارِعِهِ وَ أَيَّامِهِ وَ وَقَائِعِهِ فَلَا تَسْتَبْطِئُوا وَعِيدَهُ جَهْلًا بِأَخْذِهِ وَ تَهَاوُناً بِبَطْشِهِ وَ يَأْساً مِنْ بَأْسِهِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَلْعَنِ الْقُرُونَ الْمَاضِيَةَ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ إِلَّا لِتَرْكِهِمُ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ(14/211)
فَلَعَنَ اللَّهُ السُّفَهَاءَ لِرُكُوبِ الْمَعَاصِي وَ الْحُلَمَاءَ لِتَرْكِ التَّنَاهِي
نفضتم أيديكم كلمة تقال في اطراح الشي ء و تركه و هي أبلغ من أن تقول تركتم حبل الطاعة لأن من يخلي الشي ء من يده ثم ينفض يده منه يكون أشد تخلية له ممن لا ينفضها بل يقتصر على تخليته فقط لأن نفضها إشعار و إيذان بشدة الاطراح و الإعراض. و الباء في قوله بأحكام ااهلية متعلقة بثلمتم أي ثلمتم حصن الله بأحكام الجاهلية التي حكمتم بها في ملة الإسلام. و الباء في قوله بنعمة لا يعرف متعلقة بامتن و في من قوله فيما عقد متعلقة بمحذوف و موضعها نصب على الحال و هذا إشارة إلى قوله تعالى لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ و قوله فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً. و روي تتقلبون في ظلها. شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 181قوله صرتم بعد الهجرة أعرابا الأعراب على عهد رسول الله ص من آمن به من أهل البادية و لم يهاجر إليه و هم ناقصو المرتبة عن المهاجرين لجفائهم و قسوتهم و توحشهم و نشئهم في بعد من مخالطة العلماء و سماع كلام الرسول ص و فيهم أنزل الْعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً وَ أَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ و ليست هذه الآية عامة في كل الأعراب بل خاصة ببعضهم و هم الذين كانوا حول المدينة و هم جهينة و أسلم و أشجع و غفار و إليهم أشار سبحانه بقوله وَ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ و كيف يكون كل الأعراب مذموما و قد قال تعالى وَ مِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ و صارت هذه الكلمة جارية مجرى المثل. و أنشد الحجاج على منبر الكوفة(14/212)
قد لفها الليل بعصلبي أروع خراج من الدوي مهاجر ليس بأعرابيو قال عثمان لأبي ذر أخشى أن تصير بعد الهجرة أعرابيا. و روي و لا يعقلون من الإيمان. و قولهم النار و لا العار منصوبتان بإضمار فعل أي ادخلوا النار و لا تلتزموا العار و هي كلمة جارية مجرى المثل أيضا يقولها أرباب الحمية و الإباء فإذا قيلت في حق كانت صوابا و إذا قيلت في باطل كانت خطأ. و أكفأت الإناء و كفأته لغتان أي كببته. شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 182قوله ثم لا جبرائيل و لا ميكائيل و لا مهاجرين الرواية المشهورة هكذا بالنصب و هو جائز على التشبيه بالنكرة كقولهم معضلة و لا أبا حسن لها قال الراجزلا هيثم الليلة للمطي
و قد روي بالرفع في الجميع. و المقارعة منصوبة على المصدر و قال الراوندي هي استثناء منقطع و الصواب ما ذكرناه و قد روي إلا المقارعة بالرفع تقديره و لا نصير لكم بوجه من الوجوه إلا المقارعة. و الأمثال التي أشار إليها أمير المؤمنين ع هي ما تضمنه القرآن من أيام الله و نقماته على أعدائه و قال تعالى وَ ضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ. و التناهي مصدر تناهى القوم عن كذا أي نهى بعضهم بعضا يقول لعن الله الماضين من قبلكم لأن سفهاءهم ارتكبوا المعصية و حلماءهم لم ينهوهم عنها و هذا من قوله تعالى كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ(14/213)
أَلَا وَ قَدْ قَطَعْتُمْ قَيْدَ الْإِسْلَامِ وَ عَطَّلْتُمْ حُدُودَهُ وَ أَمَتُّمْ أَحْكَامَهُ أَلَا وَ قَدْ أَمَرَنِيَ اللَّهُ بِقِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَ النَّكْثِ وَ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ فَأَمَّا النَّاكِثُونَ فَقَدْ قَاتَلْتُ وَ أَمَّا الْقَاسِطُونَ فَقَدْ جَاهَدْتُ وَ أَمَّا الْمَارِقَةُ فَقَدْ دَوَّخْتُ وَ أَمَّا شَيْطَانُ الرَّدْهَةِ فَقَدْ كُفِيتُهُ بِصَعْقَةٍ سُمِعَتْ لَهَا وَجْبَةُ قَلْبِهِ وَ رَجَّةُ صَدْرِهِ شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 183وَ بَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَ لَئْ أَذِنَ اللَّهُ فِي الْكَرَّةِ عَلَيْهِمْ لَأُدِيلَنَّ مِنْهُمْ إِلَّا مَا يَتَشَذَّرُ فِي أَطْرَافِ الْبِلَادِ تَشَذُّراً
قد ثبت عن النبي ص أنه قال له ع ستقاتل بعدي الناكثين و القاسطين و المارقين
فكان الناكثون أصحاب الجمل لأنهم نكثوا بيعته ع و كان القاسطون أهل الشام بصفين و كان المارقون الخوارج في النهروان و في الفرق الثلاث قال الله تعالى فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ و قال وَ أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً و
قال النبي ص يخرج من ضئضئ هذا قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر أحدكم في النصل فلا يجد شيئا فينظر في الفوق فلا يجد شيئا سبق الفرث و الدم(14/214)
و هذا الخبر من أعلام نبوته ص و من أخباره المفصلة بالغيوب. و أما شيطان الردهة فقد قال قوم إنه ذو الثدية صاحب النهروان و رووا في ذلك خبرا عن النبي ص و ممن ذكر ذلك و اختاره الجوهري صاحب الصحاح و هؤلاء يقولون إن ذا الثدية لم يقتل بسيف و لكن الله رماه يوم النهروان بصاعقة و إليها أشار ع بقوله فقد كفيته بصعقة سمعت لها وجبة شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 184قلبه و قال قوم شيطان الردهة أحد الأبالسة المردة من أعوان عدو الله إبليس و رووا في ذلك خبرا عن النبي ص و أنه كان يتعوذ منه و الردهة شبه نقرة في الجبل يجتمع فيها الء و هذا مثل قوله ع هذا أزب العقبة أي شيطانها و لعل أزب العقبة هو شيطان الردهة بعينه فتارة يرد بهذا اللفظ و تارة يرد بذلك اللفظ و قال قوم شيطان الردهة مارد يتصور في صورة حية و يكون على الردهة و إنما أخذوا هذا من لفظة الشيطان لأن الشيطان الحية و منه قولهم شيطان الحماطة و الحماطة شجرة مخصوصة و يقال إنها كثيرة الحيات. قوله و يتشذر في أطراف الأرض يتمزق و يتبدد و منه قولهم ذهبوا شذر مذر. و البقية التي بقيت من أهل البغي معاوية و أصحابه لأنه ع لم يكن أتى عليهم بأجمعهم و إنما وقفت الحرب بينه و بينهم بمكيدة التحكيم. قوله ع و لئن أذن الله في الكرة عليهم أي إن مد لي في العمر لأديلن منهم أي لتكونن الدولة لي عليهم أدلت من فلان أي غلبته و قهرته و صرت ذا دولة عليه
استدلال قاضي القضاة على إمامة أبي بكر و رد المرتضى عليه(14/215)