عن الريف يبعدونهم عنه و الريف الأرض ذات الخصب و الزرع و الجمع أرياف و رافت الماشية أي رعت الريف و قد أرفنا أي صرنا إلى الريف و أرافت الأرض أي أخصبت و هي أرض ريفة بتشديد الياء. و بحر العراق دجلة و الفرات أما الأكاسرة فطردوهم عن بحر العراق و أما القياصرة فطردوهم عن ريف الآفاق أي عن الشام و ما فيه من المرعى و المنتجع. قوله ع أربابا لهم أي ملوكا و كانت العرب تسمى الأكاسرة أربابا و لما عظم أمر حذيفة بن بدر عندهم سموه رب معد. و منابت الشيح أرض العرب و الشيح نبت معروف. و مهافي الريح المواضع التي تهفو فيها أي تهب و هي الفيافي و الصحاري. و نكد المعاش ضيقه و قلته. و تركوهم عالة أي فقراء جمع عائل و العائل ذو العيلة و العيلة الفقر قال تعالى وَ إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ قال الشاعر
تعيرنا أننا عالة صعاليك نحن و أنتم ملوك
شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 174نظيره قائد و قادة و سائس و ساسة. و قوله إخوان دبر و وبر الدبر مصدر دبر البعير أي عقره القتب و الوبر للبعير بمنزلة الصوف للضأن و الشعر للمعز. قوله أذل الأمم دارا لعدم المعاقل و الحصون المنيعة فيها. و أجدبهم قرارا لعدم الزرع الشجر و النخل بها و الجدب المحل. و لا يأوون لا يلتجئون و لا ينضمون. و الأزل الضيق و أطباق جهل جمع طبق أي جهل متراكم بعضه فوق بعض. و غارات مشنونة متفرقة و هي أصعب الغارات
فصل في ذكر الأسباب التي دعت العرب إلى وأد البنات
من بنات موءودة كان قوم من العرب يئدون البنات قيل إنهم بنو تميم خاصة و إنه استفاض منهم في جيرانهم و قيل بل كان ذلك في تميم و قيس و أسد و هذيل و بكر بن وائل قالوا و ذلك أن رسول الله ص دعا عليهم
فقال اللهم اشدد وطأتك على مضر و اجعل عليهم سنين كسني يوسف(14/206)


فأجدبوا سبع سنين حتى أكلوا الوبر بالدم و كانوا يسمونه العلهز فوأدوا البنات لإملاقهم و فقرهم و قد دل على ذلك بقوله وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ قال وَ لا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ. و قال قوم بل وأدوا البنات أنفة و زعموا أن تميما منعت النعمان الإتاوة سنة من شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 175السنين فوجه إليهم أخاه الريان بن المنذر و جل من معه من بكر بن وائل فاستاق النعم و سبى الذراري و في ذلك يقول بعض بني يشكرلما رأوا راية النعمان مقبلة قالوا ألا ليت أدنى دارنا عدن يا ليت أم تميم لم تكن عرفت مرا و كانت كمن أودى به الزمن إن تقتلونا فأعيار مخدعة أو تنعموا فقديما منكم المنن منكم زهير و عتاب و محتضن و ابنا لقيط و أودى في الوغى قفوفدت بنو تميم إلى النعمان و استعطفوه فرق عليهم و أعاد عليهم السبي و قال كل امرأة اختارت أباها ردت إليه و إن اختارت صاحبها تركت عليه فكلهن اخترن آباءهن إلا ابنة قيس بن عاصم فإنها اختارت من سباها و هو عمرو بن المشمرخ اليشكري فنذر قيس بن عاصم المنقري التميمي ألا يولد له بنت إلا وأدها و الوأد أن يخنقها في التراب و يثقل وجهها به حتى تموت ثم اقتدى به كثير من بني تميم قال سبحانه وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ أي على طريق التبكيت و التوبيخ لمن فعل ذلك أو أجازه كما قال سبحانه يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ. و من جيد شعر الفرزدق قوله في هجاء جرير
أ لم تر أنا بني دارم زرارة منا أبو معبدو منا الذي منع الوائدات و أحيا الوليد فلم يوأدأ لسنا بأصحاب يوم النسار و أصحاب ألوية المربد(14/207)


شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 176أ لسنا الذين تميم بهم تسامى و تفخر في المشهدو ناجية الخير و الأقرعان و قبر بكاظمة الموردإذا ما أتى قبره عائذ أناخ على القبر بالأسعدأ يطلب مجد بني دارم عطية كالجعل الأسودقرنبى يحك قفا مقرف لئيم مآثره قعددو مجد بني دارم فوقه ان السماكين و الفرقد
و في الحديث أن صعصعة بن ناجية بن عقال لما وفد على رسول الله ص قال يا رسول الله إني كنت أعمل في الجاهلية عملا صالحا فهل ينفعني ذلك اليوم قال ع و ما عملت قال ضللت ناقتين عشراوين فركبت جملا و مضيت في بغائهما فرفع لي بيت حريد فقصدته فإذا شيخ جالس بفنائه فسألته عن الناقتين فقال ما نارهما قلت ميسم بني دارم قال هما عندي و قد أحيا الله بهما قوما من أهلك من مضر فجلست معه ليخرجهما إلى فإذا عجوز قد خرجت من كسر البيت فقال لها ما وضعت إن كان سقبا شاركنا في أموالنا و إن كان حائلا وأدناها فقالت العجوز وضعت أنثى فقلت له أ تبيعها قال و هل تبيع العرب أولادها قلت إنما أشتري حياتها و لا أشتري رقها قال فبكم قلت احتكم قال بالناقتين و الجمل قلت أ ذاك لك على أن يبلغني الجمل و إياها قال بعتك فاستنقذتها شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 177منه بالجمل و الناقتين و آمنت بك يا رسول الله و قدارت لي سنة في العرب أن أشتري كل موءودة بناقتين عشراوين و جمل فعندي إلى هذه الغاية ثمانون و مائتا موءودة قد انقذتهن قال ع لا ينفعك ذاك لأنك لم تبتغ به وجه الله و أن تعمل في إسلامك عملا صالحا تثب عليه
و روى الزبير في الموفقيات أن أبا بكر قال في الجاهلية لقيس بن عاصم المنقري ما حملك على أن وأدت قال مخافة أن يخلف عليهن مثلك(14/208)


فَانْظُرُوا إِلَى مَوَاقِعِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ حِينَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولًا فَعَقَدَ بِمِلَّتِهِ طَاعَتَهُمْ وَ جَمَعَ عَلَى دَعْوَتِهِ أُلْفَتَهُمْ كَيْفَ نَشَرَتِ النِّعْمَةُ عَلَيْهِمْ جَنَاحَ كَرَامَتِهَا وَ أَسَالَتْ لَهُمْ جَدَاوِلَ نَعِيمِهَا وَ الْتَفَّتِ الْمِلَّةُ بِهِمْ فِي عَوَائِدِ بَرَكَتِهَا فَأَصْبَحُوا فِي نِعْمَتِهَا غَرِقِينَ وَ فِي خُضْرَةِ عَيْشِهَا فَاكِهِينَ قَدْ تَرَبَّعَتِ الْأُمُورُ بِهِمْ فِي ظِلِّ سُلْطَانٍ قَاهِرٍ وَ آوَتْهُمُ الْحَالُ إِلَى كَنَفِ عِزٍّ غَالِبٍ وَ تَعَطَّفَتِ الْأُمُورُ عَلَيْهِمْ فِي ذُرَى مُلْكٍ ثَابِتٍ فَهُمْ حُكَّامٌ عَلَى الْعَالَمِينَ وَ مُلُوكٌ فِي أَطْرَافِ الْأَرَضِينَ يَمْلِكُونَ الْأُمُورَ عَلَى مَنْ كَانَ يَمْلِكُهَا عَلَيْهِمْ وَ يُمْضُونَ الْأَحْكَامَ فِيمَنْ كَانَ يُمْضِيهَا فِيهِمْ لَا تُغْمَزُ لَهُمْ قَنَاةٌ وَ لَا تُقْرَعُ لَهُمْ صَفَاةٌ(14/209)


لما ذكر ما كانت العرب عليه من الذل و الضيم و الجهل عاد فذكر ما أبدل الله شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 178به حالهم حين بعث إليهم محمدا ص فعقد عليهم طاعتهم كالشي ء المنتشر المحلول فعقدها بملة محمد ص. و الجداول الأنهر. و التفت الملة بهم أي كانوا متفرقين فالتملة محمد بهم أي جمعتهم و يقال التف الحبل بالحطب أي جمعه و التف الحطب بالحبل أي اجتمع به. و في في قوله في عوائد بركتها متعلقة بمحذوف و موضع الجار و المجرور نصب على الحال أي جمعتهم الملة كائنة في عوائد بركتها و العوائد جمع عائدة و هي المنفعة تقول هذا أعود عليك أي أنفع لك و روي و التقت الملة بالقاف أي اجتمعت بهم من اللقاء و الرواية الأولى أصح. و أصبحوا في نعمتها غرقين مبالغة في وصف ما هم فيه من النعمة. و فاكهين ناعمين و روي فكهين أي أشرين و قد قرئ بهما في قوله تعالى وَ نَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ و قال الأصمعي فاكهين مازحين و المفاكهة الممازحة و من أمثالهم لا تفاكه أمة و لا تبل على أكمة فأما قوله تعالى فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ فقيل تندمون و قيل تعجبون. و عن في قوله و عن خضرة عيشها متعلقة بمحذوف تقديره فأصبحوا فاكهين فكاهة صادرة عن خضرة عيشها أي خضرة عيش النعمة سبب لصدور الفكاهة و المزاح عنه. و تربعت الأمور بهم أي أقامت من قولك ربع بالمكان أي أقام به. شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 179و آوتهم الحال بالمد أي ضمتهم و أنزلتهم قال تعالى آوى إِلَيْهِ أَخاهُ أي ضمه إليه و أنزله و يجوز أوتهم بغير مد أفعلت في هذا المعنى فعلت واحد عن أبي زيد. و الكنف الجانب و تعطفت الأمور عليهم كناية عن السيادة و الإقبال يقال قد تعطف الدهر على فلان أي أقبل حظه و سعادته بعد أن لم يكن كذلك. و في ذرا ملك بضم الذال أي في أعاليه جمع ذروة و يكنى عن العزيز الذي لا يضام فيقال لا يغمز له قناة أي هو صلب و القناة إذا لم تلن في يد الغامز كانت أبعد عن الحطم و الكسر. و(14/210)

105 / 147
ع
En
A+
A-