وَ احْذَرُوا مَا نَزَلَ بِالْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مِنَ الْمَثُلَاتِ بِسُوءِ الْأَفْعَالِ وَ ذَمِيمِ الْأَعْمَالِ فَتَذَكَّرُوا فِي الْخَيْرِ وَ الشَّرِّ أَحْوَالَهُمْ وَ احْذَرُوا أَنْ تَكُونُوا أَمْثَالَهُمْ فَإِذَا تَفَكَّرْتُمْ فِي تَفَاوُتِ حَالَيْهِمْ فَالْزَمُوا كُلَّ أَمْرٍ لَزِمَتِ الْعِزَّةُ بِهِ حَالَهُمْ وَ زَاحَتِ الْأَعْدَاءُ لَهُ عَنْهُمْ وَ مُدَّتِ الْعَافِيَةُ بِهِ عَلَيْهِمْ وَ انْقَادَتِ النِّعْمَةُ لَهُ مَعَهُمْ وَ وَصَلَتِ الْكَرَامَةُ عَلَيْهِ حَبْلَهُمْ مِنَ الِاجْتِنَابِ لِلْفُرْقَةِ وَ اللُّزُومِ لِلْأُلْفَةِ وَ التَّحَاضِّ عَلَيْهَا وَ التَّوَاصِي بِهَا وَ اجْتَنِبُوا كُلَّ أَمْرٍ كَسَرَ فِقْرَتَهُمْ وَ أَوْهَنَ مُنَّتَهُمْ مِنْ تَضَاغُنِ الْقُلُوبِ وَ تَشَاحُنِ الصُّدُورِ وَ تَدَابُرِ النُّفُوسِ وَ تَخَاذُلِ الْأَيْدِي(14/201)


المثلات العقوبات. و ذميم الأفعال ما يذم منها. و تفاوت حاليهم اختلافهما و زاحت الأعداء بعدت و له أي لأجله. و التحاض عليها تفاعل يستدعي وقوع الحض و هو الحث من الجهتين أي يحث بعضهم بعضا. و الفقرة واحدة فقر الظهر و يقال لمن قد أصابته مصيبة شديدة قد كسرت فقرته. شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 169و المنة القوة. و تضاغن القلوب و تشاحنها واحد و تخاذل الأيدي ألا ينصر الناس بعضهم بعضاوَ تَدَبَّرُوا أَحْوَالَ الْمَاضِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَكُمْ كَيْفَ كَانُوا فِي حَالِ التَّمْحِيصِ وَ الْبَلَاءِ أَ لَمْ يَكُونُوا أَثْقَلَ الْخَلَائِقِ أَعْبَاءً وَ أَجْهَدَ الْعِبَادِ بَلَاءً وَ أَضْيَقَ أَهْلِ الدُّنْيَا حَالًا اتَّخَذَتْهُمُ الْفَرَاعِنَةُ عَبِيداً فَسَامُوهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَ جَرَّعُوهُمْ جُرَعَ الْمُرَارِ فَلَمْ تَبْرَحِ الْحَالُ بِهِمْ فِي ذُلِّ الْهَلَكَةِ وَ قَهْرِ الْغَلَبَةِ لَا يَجِدُونَ حِيلَةً فِي امْتِنَاعٍ وَ لَا سَبِيلًا إِلَى دِفَاعٍ حَتَّى إِذَا رَأَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ جِدَّ الصَّبْرِ مِنْهُمْ عَلَى الْأَذَى فِي مَحَبَّتِهِ وَ الِاحْتِمَالَ لِلْمَكْرُوهِ مِنْ خَوْفِهِ جَعَلَ لَهُمْ مِنْ مَضَايِقِ الْبَلَاءِ فَرَجاً فَأَبْدَلَهُمُ الْعِزَّ مَكَانَ الذُّلِّ وَ الْأَمْنَ مَكَانَ الْخَوْفِ فَصَارُوا مُلُوكاً حُكَّاماً وَ أَئِمَّةً أَعْلَاماً وَ قَدْ بَلَغَتِ الْكَرَامَةُ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ مَا لَمْ تَذْهَبِ الآْمَالُ إِلَيْهِ بِهِمْ(14/202)


تدبروا أي تأملوا و التمحيص التطهير و التصفية. و الأعباء الأثقال واحدها عب ء. و أجهد العباد أتعبهم. و الفراعنة العتاة و كل عات فرعون. و ساموهم سوء العذاب ألزموهم إياه و هذا إشارة إلى قوله تعالى يَسُومُونَكُمْ سُوءَ شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 170الْعَذابِذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ. و المرار بضم الميم شجر مر في الأصل و استعير شرب المرار لكل من يلقى شديد المشقة. و رأى الله منهم جد الصبر أي أشده. و أئمة أعلاما أي يهتدى بهم كالعلم في الفلاة
فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانُوا حَيْثُ كَانَتِ الْأَمْلَاءُ مُجْتَمِعَةً وَ الْأَهْوَاءُ مُؤْتَلِفَةً وَ الْقُلُوبُ مُعْتَدِلَةً وَ الْأَيْدِي مُتَرَادِفَةً وَ السُّيُوفُ مُتَنَاصِرَةً وَ الْبَصَائِرُ نَافِذَةً وَ الْعَزَائِمُ وَاحِدَةً أَ لَمْ يَكُونُوا أَرْبَاباً فِي أَقْطَارِ الْأَرَضِينَ وَ مُلُوكاً عَلَى رِقَابِ الْعَالَمِينَ فَانْظُرُوا إِلَى مَا صَارُوا إِلَيْهِ فِي آخِرِ أُمُورِهِمْ حِينَ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ وَ تَشَتَّتَتِ الْأُلْفَةُ وَ اخْتَلَفَتِ الْكَلِمَةُ وَ الْأَفْئِدَةُ تَشَعَّبُوا مُخْتَلِفِينَ وَ تَفَرَّقُوا مُتَحَارِبِينَ وَ قَدْ خَلَعَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِبَاسَ كَرَامَتِهِ وَ سَلَبَهُمْ غَضَارَةَ نِعْمَتِهِ وَ بَقِيَ قَصَصُ أَخْبَارِهِمْ فِيكُمْ عِبْرَةً لِلْمُعْتَبِرِينَ مِنْكُمْ(14/203)


الأملاء الجماعات الواحد ملأ. شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 171و مترادفة متعاونة البصائر نافذة يقال نفذت بصيرتي في هذا الخبر أي اجتمع همي عليه و لم يبق عندي تردد فيه لعلمي به و تحقيقي إياه. و أقطار الأرضين نواحيها و تشتتت تفرقت. و تشعبوا صاروا شعوبا و قبائل تلفين. و تفرقوا متحزبين اختلفوا أحزابا و روي متحازبين. و غضارة النعمة الطيب اللين منها. و القصص الحديث. يقول انظروا في أخبار من قبلكم من الأمم كيف كانت حالهم في العز و الملك لما كانت كلمتهم واحدة و إلى ما ذا آلت حالهم حين اختلفت كلمتهم فاحذروا أن تكونوا مثلهم و أن يحل بكم إن اختلفتم مثل ما حل بهم
فَاعْتَبِرُوا بِحَالِ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وَ بَنِي إِسْحَاقَ وَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ع فَمَا أَشَدَّ اعْتِدَالَ الْأَحْوَالِ وَ أَقْرَبَ اشْتِبَاهَ الْأَمْثَالِ تَأَمَّلُوا أَمْرَهُمْ فِي حَالِ تَشَتُّتِهِمْ وَ تَفَرُّقِهِمْ لَيَالِيَ كَانَتِ الْأَكَاسِرَةُ وَ الْقَيَاصِرَةُ أَرْبَاباً لَهُمْ يَحْتَازُونَهُمْ عَنْ رِيفِ الآْفَاقِ وَ بَحْرِ الْعِرَاقِ وَ خُضْرَةِ الدُّنْيَا إِلَى مَنَابِتِ الشِّيحِ وَ مَهَافِي الرِّيحِ وَ نَكَدِ الْمَعَاشِ فَتَرَكُوهُمْ عَالَةً مَسَاكِينَ إِخْوَانَ دَبَرٍ وَ وَبَرٍ أَذَلَّ الْأُمَمِ دَاراً وَ أَجْدَبَهُمْ قَرَاراً لَا يَأْوُونَ إِلَى جَنَاحِ دَعْوَةٍ يَعْتَصِمُونَ بِهَا وَ لَا إِلَى ظِلِّ أُلْفَةٍ يَعْتَمِدُونَ عَلَى عِزِّهَا فَالْأَحْوَالُ مُضْطَرِبَةٌ وَ الْأَيْدِي مُخْتَلِفَةٌ وَ الْكَثْرَةُ مُتَفَرِّقَةٌ فِي بَلَاءِ أَزْلٍ وَ أَطْبَاقِ جَهْلٍ مِنْ بَنَاتٍ مَوْءُودَةٍ وَ أَصْنَامٍ مَعْبُودَةٍ وَ أَرْحَامٍ مَقْطُوعَةٍ وَ غَارَاتٍ مَشْنُونَةٍ(14/204)


شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 172لقائل أن يقول ما نعرف أحدا من بني إسحاق و بني إسرائيل احتازتهم الأكاسرة و القياصرة عن ريف الآفاق إلى البادية و منابت الشيح إلا أن يقال يهود خيبر و النضير و بني قريظة و بني قينقاع و هؤلاء نفر قليل لا يعتد بهم و يعلم من فحوى خطبة أنهم غير مرادين بالكلام و لأنه ع قال تركوهم إخوان دبر و وبر و هؤلاء لم يكونوا من أهل الوبر و الدبر بل من أهل المدر لأنهم كانوا ذوي حصون و آطام و الحاصل أن الذين احتازتهم الأكاسرة و القياصرة من الريف إلى البادية و صاروا أهل وبر ولد إسماعيل لا بنو إسحاق و بنو إسرائيل و الجواب أنه ع ذكر في هذه الكلمات و هي قوله فاعتبروا بحال ولد إسماعيل و بني إسحاق و بني إسرائيل المقهورين و القاهرين جميعا أما المقهورون فبنو إسماعيل و أما القاهرون فبنو إسحاق و بنو إسرائيل لأن الأكاسرة من بني إسحاق ذكر كثير من أهل العلم أن فارس من ولد إسحاق و القياصرة من ولد إسحاق أيضا لأن الروم بنو العيص بن إسحاق و على هذا يكون الضمير في أمرهم و تشتتهم و تفرقهم يرجع إلى بني إسماعيل خاصة. فإن قلت فبنو إسرائيل أي مدخل لهم هاهنا قلت لأن بني إسرائيل لما كانوا ملوكا بالشام في أيام أجاب الملك و غيره حاربوا العرب من بني إسماعيل غير مرة و طردوهم عن الشام و ألجئوهم على المقام ببادية الحجاز و يصير تقدير الكلام فاعتبروا بحال ولد إسماعيل مع بني إسحاق و بني إسرائيل فجاء بهم في صدر الكلام على العموم ثم خصص فقال الأكاسرة و القياصرة و هم داخلون في عموم ولد إسحاق و إنما لم يخصص عموم بني إسرائيل لأن العرب لم تكن تعرف ملوك شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 173ولد يعقوب فيذكر لهم أسماءهم في الخطبة بخلاف ولد إسحاق فإنهم كانوا يعرفون ملوكهم من بني ساسان و من بني الأصفر. قوله ع فما أشد اعتدال الأحوال أي ما أشبه الأشياء ضها ببعض و إن حالكم لشبيهة بحال أولئك فاعتبروا بهم. قوله يحتازونهم(14/205)

104 / 147
ع
En
A+
A-