مدارع الصوف جمع مدرعة بكسر الميم و هي كالكساء و تدرع الرجل و تمدرع إذا لبسها و العصي جمع عصا. و تقول هذا سوار المرأة و الجمع أسورة و جمع الجمع أساورة و قرئ فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ و قد يكون جمع أساور قال سبحانه يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ قال أبو عمرو بن العلاء أساور هاهنا جمع إسوار و هو السوار. و الذهبان بكسر الذال جمع ذهب كخرب لذكر الحبارى و خربان و العقيان الذهب أيضا قوله ع و اضمحلت الأنباء أي تلاشت و فنيت و الأنباء جمع نبأ و هو الخبر أي لسقط الوعد و الوعيد و بطلا. قوله ع و لا لزمت الأسماء معانيها أي من يسمى مؤمنا أو مسلما حينئذ فإن تسميته مجاز لا حقيقة لأنه ليس بمؤمن إيمانا من فعله و كسبه بل يكون ملجأ إلى الإيمان بما يشاهده من الآيات العظيمة. و المبتلين بفتح اللام جمع مبتلى كالمعطين و المرتضين جمع معطى و مرتضى. و الخصاصة الفقر. شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 154و هذا الكلام هو ما يقوله أصحابنا بعينه في تعليل أفعال الباري سبحانه بالحكمة و المصلحة و أن الغرض بالتكليف هو التعريض للثواب و أنه يجب أن يكون خالصا من الإلجاء و من أن يفعل الواجب بوجه غير وجه وجوبه يرتدع عن قبيح لوجه غير وجه قبحه. و روى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في التاريخ أن موسى قدم هو و أخوه هارون مصر على فرعون لما بعثهما الله تعالى إليه حتى وقفا على بابه يلتمسان الإذن عليه فمكثا سنين يغدوان على بابه و يروحان لا يعلم بهما و لا يجترئ أحد على أن يخبره بشأنهما و قد كانا قالا لمن بالباب إنا رسولا رب العالمين إلى فرعون حتى دخل عليه بطال له يلاعبه و يضحكه فقال له أيها الملك إن على الباب رجلا يقول قولا عجيبا عظيما و يزعم أن له إلها غيرك قال ببابي قال نعم قال أدخلوه فدخل و بيده عصاه و معه هارون أخوه فقال أنا رسول رب العالمين إليك و ذكر تمام الخبر. فإن قلت أي خاصية في الصوف و(14/186)
لبسه و لم اختاره الصالحون على غيره قلت ورد في الخبر أن أول لباس لبسه آدم لما هبط إلى الأرض صوف كبش قيضه الله له و أمره أن يذبحه فيأكل لحمه و يلبس صوفه لأنه أهبط عريان من الجنة فذبحه و غزلت حواء صوفه فلبس آدم منه ثوبا و ألبس حواء ثوبا آخر فلذلك صار شعار الأولياء و انتسبت إليه الصوفية شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 15وَ لَوْ كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ أَهْلَ قُوَّةٍ لَا تُرَامُ وَ عِزَّةٍ لَا تُضَامُ وَ مُلْكٍ تُمَدُّ نَحْوَهُ أَعْنَاقُ الرِّجَالِ وَ تُشَدُّ إِلَيْهِ عُقَدُ الرِّحَالِ لَكَانَ ذَلِكَ أَهْوَنَ عَلَى الْخَلْقِ فِي الِاعْتِبَارِ وَ أَبْعَدَ لَهُمْ مِنَ الِاسْتِكْبَارِ وَ لآَمَنُوا عَنْ رَهْبَةٍ قَاهِرَةٍ لَهُمْ أَوْ رَغْبَةٍ مَائِلَةٍ بِهِمْ فَكَانَتِ النِّيَّاتُ مُشْتَرَكَةً وَ الْحَسَنَاتُ مُقْتَسَمَةً وَ لَكِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ الِاتِّبَاعُ لِرُسُلِهِ وَ التَّصْدِيقُ بِكُتُبِهِ وَ الْخُشُوعُ لِوَجْهِهِ وَ الِاسْتِكَانَةُ لِأَمْرِهِ وَ الِاسْتِسْلَامُ لِطَاعَتِهِ أُمُوراً لَهُ خَاصَّةً لَا يَشُوبُهَا مِنْ غَيْرِهَا شَائِبَةٌ(14/187)
تمد نحوه أعناق الرجال أي لعظمته أي يؤمله المؤملون و يرجوه الراجون و كل من أمل شيئا فقد طمح ببصره إليه معنى لا صورة فكنى عن ذلك بمد العنق. و تشد إليه عقد الرحال يسافر أرباب الرغبات إليه يقول لو كان الأنبياء ملوكا ذوي بأس و قهر لم يمكن إيمان الخلق و انقيادهم إليهم لأن الإيمان في نفسه واجب عقلا بل كان لرهبة لهم أو رغبة فيهم فكانت النيات مشتركة هذا فرض سؤال و جواب عنه كأنه قال لنفسه لم لا يجوز أن يكون إيمانهم على هذا التقدير لوجوبه و لخوف ذلك النبي أو لرجاء نفع ذلك النبي ص فقال لأن النيات تكون حينئذ مشتركة أي يكون المكلف قد فعل الإيمان لكلا الأمرين و كذلك تفسير قوله و الحسنات مقتسمة قال و لا يجوز أن تكون طاعة الله تعالى تعلو إلا لكونها طاعة له لا غير و لا يجوز أن يشوبها و يخالطها من غيرها شائبة. شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 156فإن قلت ما معنى قوله لكان ذلك أهون ى الخلق في الاعتبار و أبعد لهم من الاستكبار قلت أي لو كان الأنبياء كالملوك في السطوة و البطش لكان المكلف لا يشق عليه الاعتبار و الانزجار عن القبائح مشقته عليه إذا تركه لقبحه لا لخوف السيف و كان بعد المكلفين عن الاستكبار و البغي لخوف السيف و التأديب أعظم من بعدهم عنهما إذا تركوهما لوجه قبحهما فكان يكون ثواب المكلف إما ساقطا و إما ناقصا(14/188)
وَ كُلَّمَا كَانَتِ الْبَلْوَى وَ الِاخْتِبَارُ أَعْظَمَ كَانَتِ الْمَثُوبَةُ وَ الْجَزَاءُ أَجْزَلَ أَ لَا تَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ اخْتَبَرَ الْأَوَّلِينَ مِنْ لَدُنْ آدَمَ ص إِلَى الآْخِرِينَ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ بِأَحْجَارٍ لَا تَضُرُّ وَ لَا تَنْفَعُ وَ لَا تُبْصِرُ وَ لَا تَسْمَعُ فَجَعَلَهَا بَيْتَهُ الْحَرَامَ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لِلنَّاسِ قِيَاماً ثُمَّ وَضَعَهُ بِأَوْعَرِ بِقَاعِ الْأَرْضِ حَجَراً وَ أَقَلِّ نَتَائِقِ الدُّنْيَا مَدَراً وَ أَضْيَقِ بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ قُطْراً بَيْنَ جِبَالٍ خَشِنَةٍ وَ رِمَالٍ دَمِثَةٍ وَ عُيُونٍ وَشِلَةٍ وَ قُرًى مُنْقَطِعَةٍ لَا يَزْكُو بِهَا خُفٌّ وَ لَا حَافِرٌ وَ لَا ظِلْفٌ ثُمَّ أَمَرَ آدَمَ ع وَ وَلَدَهُ أَنْ يَثْنُوا أَعْطَافَهُمْ نَحْوَهُ فَصَارَ مَثَابَةً لِمُنْتَجَعِ أَسْفَارِهِمْ وَ غَايَةً لِمُلْقَى رِحَالِهِمْ تَهْوِي إِلَيْهِ ثِمَارُ الْأَفْئِدَةِ مِنْ مَفَاوِزِ قِفَارٍ سَحِيقَةٍ وَ مَهَاوِي فِجَاجٍ عَمِيقَةٍ وَ جَزَائِرِ بِحَارٍ مُنْقَطِعَةٍ حَتَّى يَهُزُّوا مَنَاكِبَهُمْ ذُلُلًا يُهَلِّلُونَ لِلَّهِ حَوْلَهُ وَ يَرْمُلُونَ عَلَى أَقْدَامِهِمْ شُعْثاً غُبْراً لَهُ قَدْ نَبَذُوا السَّرَابِيلَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَ شَوَّهُوا بِإِعْفَاءِ الشُّعُورِ مَحَاسِنَ خَلْقِهِمُ ابْتِلَاءً عَظِيماً وَ امْتِحَاناً شَدِيداً وَ اخْتِبَاراً مُبِيناً وَ تَمْحِيصاً بَلِيغاً جَعَلَهُ اللَّهُ سَبَباً لِرَحْمَتِهِ وَ وُصْلَةً إِلَى جَنَّتِهِ شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 157وَ لَوْ أَرَادَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَضَعَ بَيْتَهُ الْحَرَامَ وَ مَشَاعِرَهُ الْعِظَامَ بَيْنَ جَنَّاتٍ وَ أَنْهَارٍ وَ سَهْلٍ وَ قَرَارٍ جَمَّ الْأَشْجَارِ دَانِيَ الثِّمَارِ مُلْتَفَّ ابُنَى مُتَّصِلَ الْقُرَى بَيْنَ بُرَّةٍ سَمْرَاءَ وَ رَوْضَةٍ(14/189)
خَضْرَاءَ وَ أَرْيَافٍ مُحْدِقَةٍ وَ عِرَاصٍ مُغْدِقَةٍ وَ زُرُوعٍ نَاضِرَةٍ وَ طُرُقٍ عَامِرَةٍ لَكَانَ قَدْ صَغُرَ قَدْرُ الْجَزَاءِ عَلَى حَسَبِ ضَعْفِ الْبَلَاءِ وَ لَوْ كَانَ الْأَسَاسُ الْمَحْمُولُ عَلَيْهَا وَ الْأَحْجَارُ الْمَرْفُوعُ بِهَا مِنْ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ وَ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ وَ نُورٍ وَ ضِيَاءٍ لَخَفَّفَ ذَلِكَ مُصَارَعَةَ الشَّكِّ فِي الصُّدُورِ وَ لَوَضَعَ مُجَاهَدَةَ إِبْلِيسَ عَنِ الْقُلُوبِ وَ لَنَفَى مُعْتَلَجَ الرَّيْبِ مِنَ النَّاسِ وَ لَكِنَّ اللَّهَ يَخْتَبِرُ عِبَادَهُ بِأَنْوَاعِ الشَّدَائِدِ وَ يَتَعَبَّدُهُمْ بِأَنْوَاعِ الْمَجَاهِدِ وَ يَبْتَلِيهِمْ بِضُرُوبِ الْمَكَارِهِ إِخْرَاجاً لِلتَّكَبُّرِ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَ إِسْكَاناً لِلتَّذَلُّلِ فِي نُفُوسِهِمْ وَ لِيَجْعَلَ ذَلِكَ أَبْوَاباً فُتُحاً إِلَى فَضْلِهِ وَ أَسْبَاباً ذُلُلًا لِعَفْوِهِ(14/190)