و الحنادس الظلم. و المهاوي جمع مهواة بالفتح و هي الهوة يتردى الصيد فيها و قد تهاوى الصيد في المهواة إذا سقط بعضه في أثر بعض. قوله ع ذللا عن سياقه انتصب على الحال جمع ذلول و هو السهل المقادة و هو حال من الضمير في أعنقوا أي أسرعوا منقادين لسوقه إياهم. و سلسا جمع سلس و هو السهل أيضا و إنما قسم ذللا و سلسا بين سياقه و قياده لأن المستعمل في كلامهم قدت الفرس فوجدته سلسا أو صعبا و لا يستحسنون سقته فوجدته سلسا أو صعبا و إنما المستحسن عندهم سقته فوجدته ذلولا أو شموسا. قوله ع أمرا منصوب بتقدير فعل أي اعتمدوا أمرا و كبرا معطوف عليه أو ينصب كبرا على المصدر بأن يكون اسما واقعا موقعه كالعطاء موضع الإعطاء. و قال الراوندي أمرا منصوب هاهنا لأنه مفعول به و ناصبه المصدر الذي هو سياقه و قياده تقول سقت و قدت قيادا و هذا غير صحيح لأن مفعول هذين المصدرين محذوف تقديره عن سياقه إياهم و قياده إياهم و هذا هو معنى الكلام و لو فرضنا مفعول شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 149أحد هذين المصدرين أمرا لفسد معنى الكلام و قال الراوندي أيضا و يجوز أن يكون أمرا حالا و هذا أيضا ليس بشي ء لأن الحال وصف هيئة الفاعل أو المفعول و أمرا ليس كذلك. قوله ع تشت القلوب فيه أي أن الحمية و الفخر و الكبر و العصبية ما زالت القلوب متشابهة متماثلة فيها. و تتابعت القرون عليه جمع قرن بالفتح و هي الأمة من الناس. و كبرا تضايقت الصدور به أي كبر في الصدور حتى امتلأت به و ضاقت عنه لكثرته. ثم أمر بالحذر من طاعة الرؤساء أرباب الحمية و فيه إشارة إلى قوله تعالى إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَ كُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا. و قد كان أمر في الفصل الأول بالتواضع لله و نهى هاهنا عن التواضع للرؤساء و قد جاء
في الخبر المرفوع ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء و أحسن منه تكبر الفقراء على الأغنياء(14/181)


الذين تكبروا عن حسبهم أي جهلوا أنفسهم و لم يفكروا في أصلهم من النطف المستقذرة من الطين المنتن قال الشاعر
ما بال من أوله نطفة و جيفة آخره يفخريصبح لا يملك تقديم ما يرجو و لا تأخير ما يحذر
قوله ع و ألقوا الهجينة على ربهم روي الهجينة على فعيلة كالطبيعة و الخليقة و روي الهجنة على فعلة كالمضغة و اللقمة و المراد بهما الاستهجان من قولك هو يهجن كذا أي يقبحه و يستهجنه أي يستقبحه أي نسبوا ما في الأنساب شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 150من القبح بزعمهملى ربهم مثل أن يقولوا للرجل أنت عجمي و نحن عرب فإن هذا ليس إلى الإنسان بل هو إلى الله تعالى فأي ذنب له فيه. قوله و جاحدوا الله أي كابروه و أنكروا صنعه إليهم. و آساس بالمد جمع أساس. و اعتزاء الجاهلية قولهم يا لفلان و سمع أبي بن كعب رجلا يقول يا لفلان فقال عضضت بهن أبيك فقيل له يا أبا المنذر ما كنت فحاشا
قال سمعت رسول الله ص يقول من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه و لا تكنوا(14/182)


قوله فلا تكونوا لنعمة الله أضدادا لأن البغي و الكبر يقتضيان زوال النعمة و تبدلها بالنقمة. قوله و لا تطيعوا الأدعياء مراده هاهنا بالأدعياء الذين ينتحلون الإسلام و يبطنون النفاق. ثم وصفهم فقال الذين شربتم بصفوكم كدرهم أي شربتم كدرهم مستبدلين ذلك بصفوكم و يروى الذين ضربتم أي مزجتم و يروى شريتم أي بعتم و استبدلتم. و الأحلاس جمع حلس و هو كساء رقيق يكون على ظهر البعير ملازما له فقيل لكل ملازم أمر هو حلس ذلك الأمر. و الترجمان بفتح التاء هو الذي يفسر لسانا بلسان غيره و قد تضم التاء و يروى و نثا في أسماعكم من نث الحديث أي أفشاه شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 15فَلَوْ رَخَّصَ اللَّهُ فِي الْكِبْرِ لِأَحَدٍ مِنْ عِبَادِهِ لَرَخَّصَ فِيهِ لِخَاصَّةِ أَنْبِيَائِهِ وَ لَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ كَرَّهَ إِلَيْهِمُ التَّكَابُرَ وَ رَضِيَ لَهُمُ التَّوَاضُعَ فَأَلْصَقُوا بِالْأَرْضِ خُدُودَهُمْ وَ عَفَّرُوا فِي التُّرَابِ وُجُوهَهُمْ وَ خَفَضُوا أَجْنِحَتَهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ كَانُوا قَوْماً مُسْتَضْعَفِينَ قَدِ اخْتَبَرَهُمُ اللَّهُ بِالْمَخْمَصَةِ وَ ابْتَلَاهُمْ بِالْمَجْهَدَةِ وَ امْتَحَنَهُمْ بِالْمَخَاوِفِ وَ مَحَّصَهُمْ بِالْمَكَارِهِ فَلَا تَعْتَبِرُوا الرِّضَا وَ السُّخْطَ بِالْمَالِ وَ الْوَلَدِ جَهْلًا بِمَوَاقِعِ الْفِتْنَةِ وَ الِاخْتِبَارِ فِي مَوْضِعِ الْغِنَى وَ الْإِقْتَارِ فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى أَ يَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَ بَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ(14/183)


التكابر التعاظم و الغرض مقابلة لفظة التواضع لتكون الألفاظ مزدوجة. و عفر وجهه ألصقه بالعفر. و خفضوا أجنحتهم ألانوا جانبهم. و المخمصة الجوع و المجهدة المشقة و أمير المؤمنين ع كثير الاستعمال لمفعل و مفعلة بمعنى المصدر إذا تصفحت كلامه عرفت ذلك. و محصهم أي طهرهم و روي مخضهم بالخاء و الضاد المعجمة أي حركهم و زلزلهم. شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 152ثم نهى أن يعتبر رضا الله و سخطه بما نراه من إعطائه الإنسان مالا و ولدا فإن ذلك جهل بمواقع الفتنة و الاختبار. و قوله تعالى أَ يَحْسَبُونَ الآية دليل على ما قاله ع و الأد العقلية أيضا دلت على أن كثيرا من الآلام و الغموم و البلوى إنما يفعله الله تعالى للألطاف و المصالح و ما الموصولة في الآية يعود إليها محذوف و مقدر لا بد منه و إلا كان الكلام غير منتظم و غير مرتبط بعضه ببعض و تقديره نسارع لهم في الخيرات(14/184)


فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَخْتَبِرُ عِبَادَهُ الْمُسْتَكْبِرِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ بِأَوْلِيَائِهِ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي أَعْيُنِهِمْ وَ لَقَدْ دَخَلَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ وَ مَعَهُ أَخُوهُ هَارُونُ ع عَلَى فِرْعَوْنَ وَ عَلَيْهِمَا مَدَارِعُ الصُّوفِ وَ بِأَيْدِيهِمَا الْعِصِيُّ فَشَرَطَا لَهُ إِنْ أَسْلَمَ بَقَاءَ مُلْكِهِ وَ دَوَامِ عِزِّهِ فَقَالَ أَ لَا تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَيْنِ يَشْرِطَانِ لِي دَوَامَ الْعِزِّ وَ بَقَاءَ الْمُلْكِ وَ هُمَا بِمَا تَرَوْنَ مِنْ حَالِ الْفَقْرِ وَ الذُّلِّ فَهَلَّا أُلْقِيَ عَلَيْهِمَا أَسَاوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ إِعْظَاماً لِلذَّهَبِ وَ جَمْعِهِ وَ احْتِقَاراً لِلصُّوفِ وَ لُبْسِهِ وَ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِأَنْبِيَائِهِ حَيْثُ بَعَثَهُمْ أَنْ يَفْتَحَ لَهُمْ كُنُوزَ الذِّهْبَانِ وَ مَعَادِنَ الْعِقْيَانِ وَ مَغَارِسَ الْجِنَانِ وَ أَنْ يَحْشُرَ مَعَهُمْ طُيُورَ السَّمَاءِ وَ وُحُوشَ الْأَرَضِينَ لَفَعَلَ وَ لَوْ فَعَلَ لَسَقَطَ الْبَلَاءُ وَ بَطَلَ الْجَزَاءُ وَ اضْمَحَلَّتِ الْأَنْبَاءُ وَ لَمَا وَجَبَ لِلْقَابِلِينَ أُجُورُ الْمُبْتَلَيْنَ وَ لَا اسْتَحَقَّ الْمُؤْمِنُونَ ثَوَابَ الْمُحْسِنِينَ وَ لَا لَزِمَتِ الْأَسْمَاءُ مَعَانِيَهَا وَ لَكِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ رُسُلَهُ أُولِي قُوَّةٍ فِي عَزَائِمِهِمْ وَ ضَعَفَةً فِيمَا شرح نهج البلاغة ج : 13 ص : 153تَرَى الْأَعْيُنُ مِنْ حَالَاتِهِمْ مَعَ قَنعَةٍ تَمْلَأُ الْقُلُوبَ وَ الْعُيُونَ غِنًى وَ خَصَاصَةٍ تَمْلَأُ الْأَبْصَارَ وَ الْأَسْمَاعَ أَذًى(14/185)

100 / 147
ع
En
A+
A-