كما جرى يوم الحديبية عند سطر كتاب الصلح فإن بعض الصحابة أنكر ذلك و قال يا رسول الله أ لسنا المسلمين قال بلى قال أ و ليسوا الكافرين قال بلى قال فكيف نعطي الدنية في ديننا فقال ص إنما أعمل بما أومر به
فقال قوم من الصحابة أ لم يكن قد وعدنا بدخول مكة و ها نحن قد صددنا عنها ثم ننصرف بعد أن أعطينا الدنية في ديننا و الله لو أجد أعوانا لم أعط الدنية أبدا فقال أبو بكر لهذا القائل ويحك الزم غرزه فو الله إنه لرسول الله ص و إن الله لا يضيعه. ثم قال له أ قال لك إنه سيدخلها هذا العام قال لا قال فسيدخلها فلما فتح النبي ص مكة و أخذ مفاتيح الكعبة دعاه فقال هذا الذي وعدتم به. و اعلم أن هذا الخبر صحيح لا ريب فيه و الناس كلهم رووه و ليس عندي بقبيح و لا مستهجن أن يكون سؤال هذا الشخص لرسول الله ص عما سأله عنه على سبيل الاسترشاد و التماسا لطمأنينة النفس فقد قال الله تعالى لخليله إبراهيم أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي و قد كانت الصحابة تراجع رسول الله ص في الأمور و تسأله عما يستبهم عليها و تقول له أ هذا منك أم من الله و قال له السعدان رحمهما الله يوم الخندق و قد عزم على مصالحة الأحزاب ببعض تمر المدينة أ هذا من الله أم رأي رأيته من نفسك قال بل من نفسي قالا لا و الله لا نعطيهم منها تمرة واحدة و أيدينا في مقابض سيوفنا. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 181و قالت الأنصار له يوم بدر و قد نزل بمنزل لم يستصلحوأ نزلت هذا المنزل عن رأي رأيت أم بوحي أوحي إليك قال بل عن رأي رأيته قالوا إنه ليس لنا بمنزل ارحل عنه فانزل بموضع كذا. و أما قول أبي بكر له الزم غرزه فو الله إنه لرسول الله ص فإنما هو تأكيد و تثبيت على عقيدته التي في قلبه و لا يدل ذلك على الشك فقد قال الله تعالى لنبيه وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا و كل أحد لا يستغني عن زيادة(11/149)


اليقين و الطمأنينة و قد كانت وقعت من هذا القائل أمور دون هذه القصة كقوله دعني أضرب عنق أبي سفيان و قوله دعني أضرب عنق عبد الله بن أبي و قوله دعني أضرب عنق حاطب بن أبي بلتعة و نهي النبي ص له عن التسرع إلى ذلك و جذبه ثوب رسول الله ص حين قام على جنازة ابن سلول يصلي و قوله كيف تستغفر لرأس المنافقين و ليس في ذلك جميعه ما يدل على وقوع القبيح منه و إنما الرجل كان مطبوعا على الشدة و الشراسة و الخشونة و كان يقول ما يقول على مقتضى السجية التي طبع عليها و على أي حال كان فلقد نال الإسلام بولايته و خلافته خيرا كثيرا. قوله ع و لقد واسيته بنفسي يقال واسيته و آسيته و بالهمزة أفصح و هذا مما اختص ع بفضيلته غير مدافع ثبت معه يوم أحد و فر الناس و ثبت معه يوم حنين و فر الناس و ثبت تحت رايته يوم خيبر حتى فتحها و فر من كان بعث بها من قبله. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 182و روى المحدثون أن رسول الله ص لما ارتث يوم أحد قال الناس قتل محمد رأته كتيبة من المشركين و هو صريع بين القتلى إلا أنه حي فصمدت له فقال لعلي ع اكفنهذه فحمل عليها ع و قتل رئيسها ثم صمدت له كتيبة أخرى فقال يا علي اكفني هذه فحمل عليها فهزمها و قتل رئيسها ثم صمدت له كتيبة ثالثة فكذلك
فكان رسول الله ص بعد ذلك يقول قال لي جبريل يا محمد إن هذه للمواساة فقلت و ما يمنعه و هو مني و أنا منه فقال جبريل و أنا منكما
و روى المحدثون أيضا أن المسلمين سمعوا ذلك اليوم صائحا من جهة السماء ينادي لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي فقال رسول الله ص لمن حضره أ لا تسمعون هذا صوت جبريل(11/150)


و أما يوم حنين فثبت معه في نفر يسير من بني هاشم بعد أن ولى المسلمون الأدبار و حامى عنه و قتل قوما من هوازن بين يديه حتى ثابت إليه الأنصار و انهزمت هوازن و غنمت أموالها. و أما يوم خيبر فقصته مشهورة. قوله ع نجدة أكرمني الله سبحانه بها النجدة الشجاعة و انتصابها هاهنا على أنها مصدر و العامل فيه محذوف. ثم ذكر ع وفاة رسول الله ص فقال لقد قبض و إن رأسه لعلى صدري و لقد سالت نفسه في كفي فأمررتها على وجهي يقال إن رسول الله شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 183ص قاء دما يسيرا وقت موته و إن عليا ع مسح بذلك الدم وجهه. و قد ر أن أبا طيبة الحجام شرب دمه ع و هو حي فقال له إذن لا يجع بطنك. قوله ع فضجت الدار و الأفنية أي النازلون في الدار من الملائكة أي ارتفع ضجيجهم و لجبهم يعني أني سمعت ذلك و لم يسمعه غيري من أهل الدار. و الملأ الجماعة يهبط قوم من الملائكة و يصعد قوم و العروج الصعود و الهينمة الصوت الخفي و الضريح الشق في القبر
ذكر خبر موت الرسول ع(11/151)


و قد روي من قصة وفاة رسول الله ص أنه عرضت له الشكاة التي عرضت في أواخر صفر من سنة إحدى عشرة للهجرة فجهز جيش أسامة بن زيد فأمرهم بالمسير إلى البلقاء حيث أصيب زيد و جعفر ع من الروم و خرج في تلك الليلة إلى البقيع و قال إني قد أمرت بالاستغفار عليهم فقال ع السلام عليكم يا أهل القبور ليهنكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع أولها آخرها ثم استغفر لأهل البقيع طويلا ثم قال لأصحابه إن جبريل كان يعارضني القرآن في كل عام مرة و قد عارضني به العام مرتين فلا أراه إلا لحضور أجلي ثم انصرف إلى بيته فخطب الناس في غده فقال معاشر الناس قد حان مني خفوق من بين أظهركم فمن كان له عندي عدة فليأتني أعطه إياها و من كان علي دين فليأتني أقضه أيها الناس إنه ليس بين الله و بين أحد نسب و لا أمر يؤتيه به خيرا شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 184أو يصرف عنه شرا إ العمل ألا لا يدعين مدع و لا يتمنين متمن و الذي بعثني بالحق لا ينجي إلا عمل مع رحمة و لو عصيت لهويت اللهم قد بلغت(11/152)


ثم نزل فصلى بالناس صلاة خفيفة ثم دخل بيت أم سلمة ثم انتقل إلى بيت عائشة يعلله النساء و الرجال أما النساء فأزواجه و بنته ع و أما الرجال فعلي ع و العباس و الحسن و الحسين ع و كانا غلامين يومئذ و كان الفضل بن العباس يدخل أحيانا إليهم ثم حدث الاختلاف بين المسلمين أيام مرضه فأول ذلك التنازع الواقع يوم قال ص ائتوني بدواة و قرطاس و تلا ذلك حديث التخلف عن جيش أسامة و قول عياش بن أبي ربيعة أ يولى هذا الغلام على جلة المهاجرين و الأنصار. ثم اشتد به المرض و كان عند خفة مرضه يصلي بالناس بنفسه فلما اشتد به المرض أمر أبا بكر أن يصلي بالناس. و قد اختلف في صلاته بهم فالشيعة تزعم أنه لم يصل بهم إلا صلاة واحدة و هي الصلاة التي خرج رسول الله ص فيها يتهادى بين علي ع و الفضل فقام في المحراب مقامه و تأخر أبو بكر. و الصحيح عندي و هو الأكثر الأشهر أنها لم تكن آخر صلاة في حياته ص بالناس جماعة و أن أبا بكر صلى بالناس بعد ذلك يومين ثم مات ص فمن قائل يقول إنه توفي لليلتين بقيتا من صفر و هو القول الذي تقوله الشيعة و الأكثرون أنه توفي في شهر ربيع الأول بعد مضي أيام منه. و قد اختلفت الرواية في موته فأنكر عمر ذلك و قال إنه لم يمت و إنه غاب و سيعود فثناه أبو بكر عن هذا القول و تلا عليه الآيات المتضمنة أنه سيموت فرجع إلى قوله. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 185ثم اختلفوا في موضع دفنه فرأى قوم أن يدفنوه بمكة لأنها مسقط رأسه و قال من قال بل بالمدينة ندفنه بالبقيع عند شهداء أحد ثم اتفقوا على دفنه في بيت الذي قبض فيه و صلوا عليه إرسالا لا يؤمهم أحد. و قيل إن عليا ع أشار بذلك فقبلوه. و أنا أعجب من ذلك لأن الصلاة عليه كانت بعد بيعة أبي بكر فما الذي منع من أن يتقدم أبو بكر فيصلي عليه إماما. و تنازعوا في تلحيده و تضريحه فأرسل العباس عمه إلى أبي عبيدة بن الجراح و كان يحفر لأهل مكة و يضرح على عادتهم رجلا و أرسل علي رجلا(11/153)

99 / 151
ع
En
A+
A-