ثم ذكر ع أنه لا حجاب يمنع عنه و لا دونه باب يغلق و أنه بكل مكان موجود و في كل حين و أوان و المراد بوجوده في كل مكان إحاطة علمه و هو معنى قوله شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 173تعالى ما يَكُونمِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ و قوله سبحانه وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ. قوله لا يثلمه العطاء بالكسر لا ينقص قدرته. و الحباء النوال و لا يستنفده أي لا يفنيه. و لا يستقصيه لا يبلغ الجود أقصى مقدوره و إن عظم الجود لأنه قادر على ما لا نهاية له. و لا يلويه شخص عن شخص لا يوجب ما يفعله لشخص أو مع شخص إعراضا و ذهولا عن شخص آخر بل هو عالم بالجميع لا يشغله شأن عن شأن لوى الرجل وجهه أي أعرض و انحرف و مثل هذا أراد بقوله و لا يلهيه صوت عن صوت ألهاه كذا أي شغله. و لا تحجزه بالضم هبة عن سلب أي لا تمنعه أي ليس كالقادرين بالقدرة مثلنا فإن الواحد منا يصرفه اهتمامه بعطية زيد عن سلب مال عمرو حالما يكون مهتما بتلك العطية لأن اشتغال القلب بأحد الأمرين يشغله عن الآخر. و مثل هذا قوله و لا يشغله غضب عن رحمة و لا تولهه رحمة عن عقاب أي لا تحدث الرحمة لمستحقها عنده ولها و هو التحير و التردد و تصرفه عن عقاب المستحق و ذلك لأن الواحد منا إذا رحم إنسانا حدث عنده رقة خصوصا إذا توالت منه الرحمة لقوم متعددين فإنه تصير الرحمة كالملكة عنده فلا يطيق مع تلك الحال أن ينتقم و البارئ تعالى بخلاف ذلك لأنه ليس بذي مزاج سبحانه. و لا يجنه البطون عن الظهور و لا يقطعه الظهور عن البطون هذه كلها مصادر بطن(11/144)


شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 174بطونا أي خفي و ظهر ظهورا أي تجلى يقول لا يمنعه خفاؤه عن العقول أن تدركه عند ظهوره بأفعاله و إن لم يكن ظاهرا بذاته و كذلك لا يقطعه ظهوره بأفعاله عن أن يخفى كنهه عن إبصار العقول و إدراكها له و يقال اجتننت كذا أي سترته و منه انين و الجنة للترس و سمي الجن جنا لاستتارهم. ثم زاد المعنى تأكيدا فقال قرب فنأى أي قرب فعلا فنأى ذاتا أي أفعاله قد تعلم و لكن ذاته لا تعلم. ثم قال و علا فدنا أي لما علا عن أن تحيط به العقول عرفته العقول لا أنها عرفت ذاته لكن عرفت أنه شي ء لا يصح أن يعرف و لك خاصته سبحانه فإن ماهيته يستحيل أن تتصور للعقل لا في الدنيا و لا في الآخرة بخلاف غيره من الممكنات. ثم أكد المعنى بعبارة أخرى قال و ظهر فبطن و بطن فعلن و هذا مثل الأول و دان غلب و قهر و لم يدن لم يقهر و لم يغلب. ثم قال لم يذرأ الخلق باحتيال أي لم يخلقهم بحيلة توصل بها إلى إيجادهم بل أوجدهم على حسب علمه بالمصلحة خلقا مخترعا من غير سبب و لا واسطة. قال و لا استعان بهم لكلال أي لإعياء أي لم يأمر المكلفين بالجهاد لحاجته في قهر أعدائه و جاحدي نعمته إليهم و ليس بكال و لا عاجز عن إهلاكهم و لكن الحكمة اقتضت ذلك قال سبحانه وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ أي لبطل التكليف. ثم ذكر أن التقوى قوام الطاعات التي تقوم بها و زمام العبادات لأنها تمسك و تحصن كزمام الناقة المانع لها من الخبط. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 175و الوثائق ج وثيقة و هي ما يوثق به و حقائقها جمع حقيقة و هي الراية يقال فلان حامي الحقيقة. قوله تؤل بالجزم لأنه جواب الأمر أي ترجع. و الأكنان جمع كن و هو الستر و الدعة الراحة السعة الجدة و المعاقل جمع معقل و هو الملجأ و الحرز الحفظ و تشخص الأبصار تبقى مفتوحة لا تطرف. و الأقطار الجوانب و الصروم جمع صرم و صرمة و هي القطعة من الإبل نحو(11/145)


الثلاثين. و العشار النوق أتى عليها من يوم أرسل الفحل فيها عشرة أشهر فزال عنها اسم المخاض و لا يزال ذلك اسمها حتى تضع و الواحدة عشراء و هذا من قوله تعالى وَ إِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ أي تركت مسيبة مهملة لا يلتفت إليها أربابها و لا يحلبونها لاشتغالهم بأنفسهم. و تزهق كل مهجة تهلك و تبكم كل لهجة أي تخرس رجل أبكم و بكيم و الماضي بكم بالكسر. و الشم الشوامخ الجبال العالية و ذلها تدكدكها و هي أيضا الصم الرواسخ. فيصير صلدها و هو الصلب الشديد انصلابه سرابا و هو ما يتراءى في النهار فيظن ماء. و الرقراق الخفيف و معهدها ما جعل منها منزلا للناس قاعا أرضا خالية و السملق الصفصف المستوي ليس بعضه أرفع و بعضه أخفض
شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 189176- و من خطبة له عبَعَثَهُ حِينَ لَا عَلَمٌ قَائِمٌ وَ لَا مَنَارٌ سَاطِعٌ وَ لَا مَنْهَجٌ وَاضِحٌ أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَ أُحَذِّرُكُمُ الدُّنْيَا فَإِنَّهَا دَارُ شُخُوصٍ وَ مَحَلَّةُ تَنْغِيصٍ سَاكِنُهَا ظَاعِنٌ وَ قَاطِنُهَا بَائِنٌ تَمِيدُ بِأَهْلِهَا مَيَدَانَ السَّفِينَةِ تَقْصِفُهَا الْعَوَاصِفُ فِي لُجَجِ الْبِحَارِ فَمِنْهُمُ الْغَرِقُ الْوَبِقُ وَ مِنْهُمُ النَّاجِي عَلَى بُطُونِ الْأَمْوَاجِ تَحْفِزُهُ الرِّيَاحُ بِأَذْيَالِهَا وَ تَحْمِلُهُ عَلَى أَهْوَالِهَا فَمَا غَرِقَ مِنْهَا فَلَيْسَ بِمُسْتَدْرَكٍ وَ مَا نَجَا مِنْهَا فَإِلَى مَهْلَكٍ عِبَادَ اللَّهِ الآْنَ فَاعْلَمُوا وَ الْأَلْسُنُ مُطْلَقَةٌ وَ الْأَبْدَانُ صَحِيحَةٌ وَ الْأَعْضَاءُ لَدْنَةٌ وَ الْمُنْقَلَبُ فَسِيحٌ وَ الْمَجَالُ عَرِيضٌ قَبْلَ إِرْهَاقِ الْفَوْتِ وَ حُلُولِ الْمَوْتِ فَحَقِّقُوا عَلَيْكُمْ نُزُولَهُ وَ لَا تَنْتَظِرُوا قُدُومَهُ(11/146)


يقول بعث الله سبحانه محمدا ص لما لم يبق علم يهتدي به المكلفون لأنه كان زمان الفترة و تبدل المصلحة و اقتضاء وجوب اللطف عليه سبحانه تجديدا لبعثته ليعرف المبعوث المكلفين الأفعال التي تقربهم من فعل الواجبات العقلية و تبعدهم عن المقبحات الفعلية. شرح نهج البلا ج : 10 ص : 177و المنار الساطع المرتفع سطع الصبح سطوعا ارتفع. و دار شخوص دار رحلة شخص عن البلد رحل عنه. و الظاعن المسافر و القاطن المقيم و البائن البعيد يقول ساكن الدنيا ليس بساكن على الحقيقة بل هو ظاعن في المعنى و إن كان في الصورة ساكنا و المقيم بها مفارق و إن ظن أنه مقيم. و تميد بأهلها تتحرك و تميل و الميدان حركة و اضطراب. و تصفقها العواصف تضربها بشدة ضربا بعد ضرب و العواصف الرياح القوية اللجج جمع لجة و هي معظم البحر. الوبق الهالك وبق الرجل بالفتح يبق وبوقا هلك و الموبق منه كالموعد مفعل من وعد يعد و منه قوله تعالى وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً و فيه لغة أخرى وبق الرجل يوبق وبقا و فيه لغة ثالثة وبق الرجل بالكسر يبق بالكسر أيضا و أوبقه الله أي أهلكه. و تحفزه الرياح تدفعه ضرب ع لأهل الدنيا مثلا براكبي السفينة في البحر و قد مادت بهم فمنهم الهالك على الفور و منهم من لا يتعجل هلاكه و تحمله الرياح ساعة أو ساعات ثم مآله إلى الهلاك أيضا. ثم أمر ع بالعمل وقت الإمكان قبل ألا يمكن العمل فكنى عن ذلك بقوله و الألسن منطلقة لأن المحتضر يعتقل لسانه و الأبدان صحيحة لأن المحتضر سقيم البدن و الأعضاء لدنة أي لينة أي قبل الشيخوخة و الهرم و يبس شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 178الأعضاء و الأعصاب و المنقلب فسيح و المجال عريض أي أيام الشبيبة و في الوقت و الأجل مهلة قبل أن يضيق الوقت عليكم. قبل إرهاق الفوت أي قبل أن يجعلكم الفوت و هو فوات الأمر و تعذر استدراكه عليكم مرهقين و المرهق ذي أدرك ليقتل قال الكميت تندى أكفهم و في أبياتهم ثقة المجاور و(11/147)


المضاف المرهق
قوله فحققوا عليكم نزوله و لا تنتظروا قدومه أي اعملوا عمل من يشاهد الموت حقيقة لا عمل من ينتظره انتظارا و يطاول الأوقات مطاولة فإن التسويف داعية التقصير
شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 190179- و من خطبة له عوَ لَقَدْ عَلِمَ الْمُسْتَحْفِظُونَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ص أَنِّي لَمْ أَرُدَّ عَلَى اللَّهِ وَ لَا عَلَى رَسُولِهِ سَاعَةً قَطُّ وَ لَقَدْ وَاسَيْتُهُ بِنَفْسِي فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي تَنْكُصُ فِيهَا الْأَبْطَالُ وَ تَتَأَخَّرُ الْأَقْدَامُ نَجْدَةً أَكْرَمَنِيَ اللَّهُ بِهَا وَ لَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ إِنَّ رَأْسَهُ لَعَلَى صَدْرِي وَ لَقَدْ سَالَتْ نَفْسُهُ فِي كَفِّي فَأَمْرَرْتُهَا عَلَى وَجْهِي وَ لَقَدْ وُلِّيتُ غُسْلَهُ ص وَ الْمَلَائِكَةُ أَعْوَانِي فَضَجَّتِ الدَّارُ وَ الْأَفْنِيَةُ مَلٌا يَهْبِطُ وَ مَلٌا يَعْرُجُ وَ مَا فَارَقَتْ سَمْعِي هَيْنَمَةٌ مِنْهُمْ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى وَارَيْنَاهُ فِي ضَرِيحِهِ فَمَنْ ذَا أَحَقُّ بِهِ مِنِّي حَيّاً وَ مَيِّتاً فَانْفُذُوا عَلَى بَصَائِرِكُمْ وَ لْتَصْدُقْ نِيَّاتُكُمْ فِي جِهَادِ عَدُوِّكُمْ فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنِّي لَعَلَى جَادَّةِ الْحَقِّ وَ إِنَّهُمْ لَعَلَى مَزَلَّةِ الْبَاطِلِ أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَ لَكُمْ
يمكن أن يعني بالمستحفظين الخلفاء الذين تقدموا لأنهم الذين استحفظوا الإسلام أي جعلوا حافظين له و حارسين لشريعته و لحوزته و يجوز أن يعني به العلماء و الفضلاء من الصحابة لأنهم استحفظوا الكتاب أي كلفوا حفظه و حراسته. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 180و الظاهر أنيرمز في قوله ع لم أرد على الله و لا على رسوله ساعة قط إلى أمور وقعت من غيره(11/148)

98 / 151
ع
En
A+
A-