و قلب دو بالتخفيف أي فاسد من داء أصابه و امرأة دوية فإذا قلت رجل دوي بالفتح استوى فيه المذكر و المؤنث و الجماعة لأنه مصدر في الأصل و من روى دوية بالتشديد على بعده فإنما شدده ليقابل نقية. و الصفاح جمع صفحة الوجه و هي ظاهره يقول باطنهم عليل و ظاهرهم صحيح يمشون الخفاء أي في الخفاء ثم حذف الجار فنصب و كذلك يدبون الضراء شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 167و الضراء شجر الوادي الملتف و هذا مثل يضرب لمن يختل صاحبه يقال هو يدب له الضراء و يمشي له الخمر و هو جرف الوادي ثم قال وصفهم داء و قولهم شفاء و فعلهم الداء العياء أأقوالهم أقوال الزاهدين العابدين و أفعالهم أفعال الفاسقين الفاجرين و الداء العياء الذي يعيي الأساة. ثم قال حسدة الرخاء يحسدون على النعم و مؤكدو البلاء إذا وقع واحد من الناس في بلاء أكدوه عليه بالسعايات و النمائم و إغراء السلطان به و لقد أحسن أبو الطيب في قوله يذم البشر
و كأنا لم يرض فينا بريب الدهر حتى أعانه من أعاناكلما أنبت الزمان قناة ركب المرء في القناة سنانا(11/139)
و مقنطو الرجاء أي أهل الرجاء أي يبدلون بشرورهم و أذاهم رجاء الراجي قنوطا. قوله و إلى كل قلب شفيع يصف خلابة ألسنتهم و شدة ملقهم فقد استحوذوا على قلوب الناس بالرياء و التصنع. قوله و لكل شجو دموع الشجو الحزن أي يبكون تباكيا و تعملا لا حقا عند أهل كل حزن و مصاب. يتقارضون الثناء أي يثني زيد على عمرو ليثني عمرو عليه في ذلك المجلس أو يبلغه فيثني عليه في مجلس آخر مأخوذ من القرض. و يتراقبون الجزاء يرتقب كل واحد منهم على ثنائه و مدحه لصاحبه جزاء منه شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 168إما بالمال أو بأمر آخر نحو ثناء يثنيليه أو شفاعة يشفع له أو نحو ذلك. و الإلحاف في السؤال الاستقصاء فيه و هو مذموم قال الله تعالى لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً. قوله و إن عذلوا كشفوا أي إذا عذلك أحدهم كشف عيوبك في ذلك اللوم و العذل و جبهك بها و ربما لا يستحي أن يذكرها لك بمحضر ممن لا تحب ذكرها بحضرته و ليسوا كالناصحين على الحقيقة الذين يعرضون عند العتاب بالذنب تعريضا لطيفا ليقلع الإنسان عنه. و إن حكموا أسرفوا إذا سألك أحدهم ففوضته في مالك أسرف و لم يقنع بشي ء و أحب الاستئصال. قد أعدوا لكل حق باطلا يقيمون الباطل في معارضة الحق و الشبهة في صادمة الحجة و لكل دليل قائم و قول صحيح ثابت احتجاجا مائلا مضادا لذلك الدليل و كلاما مضطربا لذلك القول. و لكل باب مفتاحا أي ألسنتهم ذلقة قادرة على فتح المغلقات للطف توصلهم و ظرف منطقهم. و لكل ليل مصباحا أي كل أمر مظلم فقد أعدوا له كلاما ينيره و يضيئه و يجعله كالمصباح الطارد لليل. و يتوصلون إلى مطامعهم بإظهار اليأس عما في أيدي الناس و بالزهد في الدنيا و في الأثر شركم من أخذ الدنيا بالدين. ثم قال إنما فعلوا ذلك ليقيموا به أسواقهم أي لتنفق سلعتهم. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 169و الأعلاق جمع علق و هو السلعة الينة. يقولون فيشبهون يوقعون الشبه في القلوب. و يصفون فيموهون التمويه(11/140)
التزيين و أصله أن تطلي الحديدة بذهب يحسنها. قد هيئوا الطريق أي الطريق الباطل قد هيئوها لتسلك بتمويهاتهم. و أضلعوا المضيق أمالوه و جعلوه ضلعا أي معوجا أي جعلوا المسلك الضيق معوجا بكلامهم و تلبيسهم فإذا أسلكوه إنسانا اعوج لاعوجاجه. و اللمة بالتخفيف الجماعة و الحمة بالتخفيف أيضا السم و كنى عن إحراق النار بالحمة للمشابهة في المضرة شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 188170- و من خطبة له عالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَظْهَرَ مِنْ آثَارِ سُلْطَانِهِ وَ جَلَالِ كِبْرِيَائِهِ مَا حَيَّرَ مُقَلَ الْعُقُولِ مِنْ عَجَائِبِ قُدْرَتِهِ وَ رَدَعَ خَطَرَاتِ هَمَاهِمِ النُّفُوسِ عَنْ عِرْفَانَ كُنْهِ صِفَتِهِ وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ شَهَادَةَ إِيمَانٍ وَ إِيقَانٍ وَ إِخْلَاصٍ وَ إِذْعَانٍ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ أَرْسَلَهُ وَ أَعْلَامُ الْهُدَى دَارِسَةٌ وَ مَنَاهِجُ الدِّينِ طَامِسَةٌ فَصَدَعَ بِالْحَقِّ وَ نَصَحَ لِلْخَلْقِ وَ هَدَى إِلَى الرُّشْدِ وَ أَمَرَ بِالْقَصْدِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثاً وَ لَمْ يُرْسِلْكُمْ هَمَلًا عَلِمَ مَبْلَغَ نِعَمِهِ عَلَيْكُمْ وَ أَحْصَى إِحْسَانَهُ إِلَيْكُمْ فَاسْتَفْتِحُوهُ وَ اسْتَنْجِحُوهُ وَ اطْلُبُوا إِلَيْهِ وَ اسْتَمْنِحُوهُ فَمَا قَطَعَكُمْ عَنْهُ حِجَابٌ وَ لَا أُغْلِقَ عَنْكُمْ دُونَهُ بَابٌ وَ إِنَّهُ لَبِكُلِّ مَكَانٍ وَ فِي كُلِّ حِينٍ وَ أَوَانٍ وَ مَعَ كُلِّ إِنْسٍ وَ جَانٍّ لَا يَثْلِمُهُ الْعَطَاءُ وَ لَا يَنْقُصُهُ الْحِبَاءُ وَ لَا يَسْتَنْفِدُهُ سَائِلٌ وَ لَا يَسْتَقْصِيهِ نَائِلٌ وَ لَا يَلْوِيهِ شَخْصٌ عَنْ شَخْصٍ وَ لَا يُلْهِيهِ صَوْتٌ عَنْ صَوْتٍ وَ لَا تَحْجُزُهُ هِبَةٌ عَنْ سَلْبٍ وَ لَا يَشْغَلُهُ غَضَبٌ عَنْ(11/141)
رَحْمَةٍ وَ لَا تُولِهُهُ رَحْمَةٌ عَنْ عِقَابٍ وَ لَا يُجِنُّهُ الْبُطُونُ عَنِ الظُّهُورِ وَ لَا يَقْطَعُهُ الظُّهُورُ عَنِ الْبُطُونِ قَرُبَ فَنَأَى وَ عَلَا فَدَنَا وَ ظَهَرَ فَبَطَنَ وَ بَطَنَ فَعَلَنَ وَ دَانَ وَ لَمْ يُدَنْ لَمْ يَذْرَإِ الْخَلْقَ بِاحْتِيَالٍ وَ لَا اسْتَعَانَ بِهِمْ لِكَلَالٍ شرح نهج الاغة ج : 10 ص : 171أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّهَا الزِّمَامُ وَ الْقِوَامُ فَتَمَسَّكُوا بِوَثَائِقِهَا وَ اعْتَصِمُوا بِحَقَائِقِهَا تَؤُلْ بِكُمْ إِلَى أَكْنَانِ الدَّعَةِ وَ أَوْطَانِ السَّعَةِ وَ مَعَاقِلِ الْحِرْزِ وَ مَنَازِلِ الْعِزِّ فِي يَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ وَ تُظْلِمُ لَهُ الْأَقْطَارُ وَ تُعَطَّلُ فِيهِ صُرُومُ الْعِشَارِ وَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَزْهَقُ كُلُّ مُهْجَةٍ وَ تَبْكُمُ كُلُّ لَهْجَةٍ وَ تَذِلُّ الشُّمُّ الشَّوَامِخُ وَ الصُّمُّ الرَّوَاسِخُ فَيَصِيرُ صَلْدُهَا سَرَاباً رَقْرَاقاً وَ مَعْهَدُهَا قَاعاً سَمْلَقاً فَلَا شَفِيعٌ يَشْفَعُ وَ لَا حَمِيمٌ يَنْفَعُ وَ لَا مَعْذِرَةٌ تَدْفَعُ(11/142)
أظهر سبحانه من آثار سلطانه نحو خلق الأفلاك و دخول بعضها في بعض كالمميل الذي يشتمل على المائل و فلك التدوير و غيرهما و نحو خلق الإنسان و ما تدل كتب التشريح من عجيب الحكمة فيه و نحو خلق النبات و المعادن و ترتيب العناصر و علاماتها و الآثار العلوية المتجددة حسب تجدد أسبابها ما حير عقول هؤلاء و أشعر بأنها إذا لم يحط بتفاصيل تلك الحكم مع أنها مصنوعة فالأولى ألا تحيط بالصانع الذي هو بري ء عن المادة و علائق الحس. و المقل جمع مقلة و هي شحمة العين التي تجمع السواد و البياض و مقلت الشي ء نظرت إليه بمقلتي و أضاف المقإلى العقول مجازا و مراده البصائر. و ردع زجر و دفع و هماهم النفوس أفكارها و ما يهمهم به عند التمثيل و الروية في الأمر و أصل الهمهمة صويت يسمع لا يفهم محصوله. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 172و العرفان المعرفة و كنه الشي ء نهايته و أقصاه و الإيقان العلم القطو الإذعان الانقياد و الأعلام المنار و الجبال يستدل بها في الطرقات. و المناهج السبل الواضحة و الطامسة كالدارسة و صدع بالحق بين و أصله الشق يظهر ما تحته و يقال نصحت لزيد و هو أفصح من قولك نصحت زيدا. و القصد العدل. و العبث ما لا غرض فيه أو ما ليس فيه غرض مثله و الهمل الإبل بلا راع و قد أهملت الإبل أرسلتها سدى. قوله علم مبلغ نعمه عليكم و أحصى إحسانه إليكم أي هو عالم بكمية إنعامه عليكم علما مفصلا و كل من علم قدر نعمته على غيره كان أحرى أن تشتد نقمته عليه عند عصيانه له و جرأته عليه بخلاف من يجهل قدر نعمته على الغير فإنه لا يشد غضبه لأنه لا يعلم قدر نعمته المكفورة. قوله فاستفتحوه أي اطلبوا منه الفتح عليكم و النصر لكم. و استنجحوه اطلبوا منه النجاح و الظفر. و اطلبوا إليه أي اسألوه يقال طلبت إلى زيد كذا و في كذا. و استمنحوه بكسر النون اطلبوا منه المنحة و هي العطية و يروى و استميحوه بالياء استمحت الرجل طلبت عطاءه و محت بالرجل أعطيته.(11/143)