قوله ع بعيدا فحشه ليس يعني به أنه قد يفحش تارة و يترك الفحش تارات بل لا فحش له أصلا فكنى عن العدم بالبعد لأنه قريب منه. قوله لينا قوله العارف بسام طلق الوجه لين القول و في صفات النبي ص ليس بفظ و لا صخاب. قوله في الزلازل وقور أي لا تحركه الخطوب الطارقة و يقال إن علي بن الحسين ع كان يصلي فوقعت عليه حية فلم يتحرك لها ثم انسابت بين قدميه فما حرك إحداهما عن مكانه و لا تغير لونه. قوله لا يحيف على من يبغض هذا من الأخلاق الشريفة النبوية و في كلام أبي بكر في صفات من يصلح للإمامة إن رضي لم يدخله رضاه في باطل و إن غضب لم يخرجه غضبه عن الحق. قوله يعترف بالحق قبل أن يشهد عليه لأنه إن أنكر ثم شهد عليه فقد ثبت كذبه و إن سكت ثم شهد عليه فقد أقام نفسه في مقام الريبة. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 160قوله و لا ينابز بالألقاب هذا من قوله تعالى وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ. قو و لا يضار بالجار
في الحديث المرفوع أوصاني ربي بالجار حتى ظننت أن يورثه
قوله و لا يشمت بالمصائب نظير قول الشاعر
فلست تراه شامتا بمصيبة و لا جزعا من طارق الحدثان
قوله إن صمت لم يغمه صمته أي لا يحزن لفوات الكلام لأنه يرى الصمت مغنما لا مغرما. قوله و إن ضحك لم يعل صوته هكذا كان ضحك رسول الله ص أكثره التبسم و قد يفر أحيانا و لم يكن من أهل القهقهة و الكركرة. قوله و إن بغي عليه صبر هذا من قول الله تعالى ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ. قوله نفسه منه في عناء لأنه يتعبها بالعبادة و الناس لا يلقون منه عنتا و لا أذى فحالهم بالنسبة إليه خلاف حال نفسه بالنسبة إليه. قوله فصعق همام أغمي عليه و مات قال الله تعالى فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 16ذكر بعض أحوال العارفين(11/134)
و اعلم أن الوجد أمر شريف قد اختلف الناس فيه فقالت الحكماء فيه أقوالا و قالت الصوفية فيه أقوالا أما الحكماء فقالوا الوجد هو حالة تحدث للنفس عند انقطاع علائقها عن المحسوسات بغتة إذا كان قد ورد عليها وارد مشوق و قال بعضهم الوجد هو اتصال النفس بمبادئها المجردة عند سماع ما يقتضي ذلك الاتصال. و أما الصوفية فقد قال بعضهم الوجد رفع الحجاب و مشاهدة المحبوب و حضور الفهم و ملاحظة الغيب و محادثة السر و هو فناؤك من حيث أنت أنت و قال بعضهم الوجد سر الله عند العارفين و مكاشفة من الحق توجب الفناء عن الحق. و الأقوال فيه متقاربة في المعنى و إن اختلفت العبارة و قد مات كثير من الناس بالوجد عند سماع وعظ أو صفقة مطرب و الأخبار في هذا الباب كثيرة جدا و قد رأينا نحن في زماننا من مات بذلك فجأة.
قوله كانت نفسه فيها أي مات و نفث الشيطان على لسانك أي تكلم بلسانك و أصله النفخ بالفم و هو أقل من التفل و إنما نهى أمير المؤمنين القائل فهلا أنت يا أمير المؤمنين لأنه اعترض في غير موضع الاعتراض و ذلك أنه لا يلزم من موت العامي عند وعظ العارف أن يموت العارف عند وعظ نفسه لأن انفعال العامي ذي الاستعداد التام للموت عند سماع المواعظ البالغة أتم من استعداد العارف عند سماع كلام شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 162نفسه أو الفكر في كلام نفسه لأن نفس العارف قوية جدا و الآلة التي يحفر بها الطين قد لا يحفر بها الحجر. فإن قلتإن جواب أمير المؤمنين ع للسائل غير هذا الجواب قلت صدقت إنما أجابه من حيث يعلم هو و السامعون و تصل أفهامهم إليه فخرج معه إلى حديث الآجال و أنها أوقات مقدرة لا تتعداها و ما كان يمكنه ع أن يذكر الفرق بين نفسه و نفوسهم و لا كانت الحال تقتضيه فأجابه بجواب مسكت و هو مع إسكاته الخصم حق و عدل عن جواب يحصل منه اضطراب و يقع فيه تشويش و هذا نهاية السداد و صحة القول(11/135)
شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 187163- و من خطبة له ع يصف فيها المنافقيننَحْمَدُهُ عَلَى مَا وَفَّقَ لَهُ مِنَ الطَّاعَةِ وَ ذَادَ عَنْهُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَ نَسْأَلُهُ لِمِنَّتِهِ تَمَاماً وَ لِحَبْلِهِ اعْتِصَاماً وَ نَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ خَاضَ إِلَى رِضْوَانِ اللَّهِ كُلَّ غَمْرَةٍ وَ تَجَرَّعَ فِيهِ كُلَّ غُصَّةٍ وَ قَدْ تَلَوَّنَ لَهُ الْأَدْنَوْنَ وَ تَأَلَّبَ عَلَيْهِ الْأَقْصَوْنَ وَ خَلَعَتْ عَلَيْهِ الْعَرَبُ أَعِنَّتَهَا وَ ضَرَبَتْ إِلَى مُحَارَبَتِهِ بُطُونَ رَوَاحِلِهَا حَتَّى أَنْزَلَتْ بِسَاحَتِهِ عَدَاوَتَهَا مِنْ أَبْعَدِ الدَّارِ وَ أَسْحَقِ الْمَزَارِ أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَ أُحَذِّرُكُمْ أَهْلَ النِّفَاقِ فَإِنَّهُمُ الضَّالُّونَ الْمُضِلُّونَ وَ الزَّالُّونَ الْمُزِلُّونَ يَتَلَوَّنُونَ أَلْوَاناً وَ يَفْتَنُّونَ افْتِنَاناً وَ يَعْمِدُونَكُمْ بِكُلِّ عِمَادٍ وَ يَرْصُدُونَكُمْ بِكُلِّ مِرْصَادٍ قُلُوبُهُمْ دَوِيَّةٌ وَ صِفَاحُهُمْ نَقِيَّةٌ يَمْشُونَ الْخَفَاءَ وَ يَدِبُّونَ الضَّراءَ وَصْفُهُمْ دَوَاءٌ وَ قَوْلُهُمْ شِفَاءٌ وَ فِعْلُهُمُ الدَّاءُ الْعَيَاءُ حَسَدَةُ الرَّخَاءِ وَ مُؤَكِّدُو الْبَلَاءِ وَ مُقْنِطُو الرَّجَاءِ لَهُمْ بِكُلِّ طَرِيقٍ صَرِيعٌ وَ إِلَى كُلِّ قَلْبٍ شَفِيعٌ وَ لِكُلِّ شَجْوٍ دُمُوعٌ يَتَقَارَضُونَ الثَّنَاءَ وَ يَتَرَاقَبُونَ الْجَزَاءَ إِنْ سَأَلُوا أَلْحَفُوا وَ إِنْ عَذَلُوا كَشَفُوا وَ إِنْ حَكَمُوا أَسْرَفُوا شرح نهج البلة ج : 10 ص : 164قَدْ أَعَدُّوا لِكُلِّ حَقٍّ بَاطِلًا وَ لِكُلِّ قَائِمٍ مَائِلًا وَ لِكُلِّ حَيٍّ قَاتِلًا وَ لِكُلِّ بَابٍ مِفْتَاحاً وَ لِكُلِّ لَيْلٍ مِصْبَاحاً يَتَوَصَّلُونَ إِلَى الطَّمَعِ بِالْيَأْسِ لِيُقِيمُوا بِهِ أَسْوَاقَهُمْ وَ(11/136)
يُنْفِقُوا بِهِ أَعْلَاقَهُمْ يَقُولُونَ فَيُشَبِّهُونَ وَ يَصِفُونَ فَيُمَوِّهُونَ قَدْ هَوَّنُوا الطَّرِيقَ وَ أَضْلَعُوا الْمَضِيقَ فَهُمْ لُمَةُ الشَّيْطَانِ وَ حُمَةُ النِّيرَانِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ
الضمير في له و هو الهاء راجع إلى ما التي بمعنى الذي و قيل بل هو راجع إلى الله سبحانه كأنه قال نحمده على ما وفق من طاعته و الصحيح هو الأول لأن له في الفقرة الأولى بإزاء عنه في الفقرة الثانية و الهاء في عنه ليست عائدة إلى الله و ذاد طرد و المصدر الذياد. و خاض كل غمرة مثل قولك ارتكب كل مهلكة و تقحم كل هول و الغمرة ما ازدحم و كثر من الماء و كذلك من الناس و الجمع غمار. و الغصة الشجا و الجمع غصص. و تلون له الأدنون تغير عليه أقاربه ألوانا. و تألب عليه الأقصون تجمع عليه الأبعدون عنه نسبا. و خلعت إليه العرب أعنتها مثل معناه أوجفوا إليه مسرعين لمحاربته لأن الخيل إذا خلعت أعنتها كان أسرع لجريها. و ضربت إلى محاربته بطون رواحلها كناية عن إسراع العرب نحوه للحرب شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 165لأن الرواحل إذا ضربت بطونها لتساق كان أوحى لها و مراده أنهم كانوا فرسانا و ركبان قوله حتى أنزلت بساحته عداوتها أي حربها فعبر عنها بالعداوة لأن العداوة سبب الحرب فعبر بالسبب عن المسبب ما زلنا نطأ السماء حتى أتيناك يعنون الماء لما كان اعتقادهم أن السماء سبب الماء. و أسحق المزار أبعده مكان سحيق أي بعيد و السحق بضم السين البعد يقال سحقا له و يجوز ضم الحاء كما قالوا عسر و عسر و سحق الشي ء بالضم أي بعد و أسحقه الله أبعده و المزار المكان الذي يزار منه أو المكان الذي يزار فيه و المراد هاهنا هو الأول و من قرأ كتب السيرة علم ما لاقى رسول الله ص في ذات الله سبحانه من المشقة و استهزاء قريش به في ول الدعوة و رميهم إياه بالحجارة حتى أدموا عقبيه و صياح(11/137)
الصبيان به و فرث الكرش على رأسه و فتل الثوب في عنقه و حصره و حصر أهله في شعب بني هاشم سنين عدة محرمة معاملتهم و مبايعتهم و مناكحتهم و كلامهم حتى كادوا يموتون جوعا لو لا أن بعض من كان يحنو لرحم أو لسبب غيره فهو يسرق الشي ء القليل من الدقيق أو التمر فيلقيه إليهم ليلا ثم ضربهم أصحابه و تعذيبهم بالجوع و الوثاق في الشمس و طردهم إياهم عن شعاب مكة حتى خرج من خرج منهم إلى الحبشة و خرج ع مستجيرا منهم تارة بثقيف و تارة ببني عامر و تارة بربيعة الفرس و بغيرهم ثم أمعوا على قتله و الفتك به ليلا حتى هرب منهم لائذا بالأوس و الخزرج تاركا أهله و أولاده و ما حوته يده ناجيا بحشاشة نفسه حتى وصل إلى المدينة فناصبوه الحرب و رموه بالمناسر و الكتائب و ضربوا إليه آباط الإبل شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 166و لم يزل منهم في عناء شد و حروب متصلة حتى أكرمه الله تعالى و نصره و أيد دينه و أظهره و من له أنس بالتواريخ يعلم من تفاصيل هذه الأحوال ما يطول شرحه. سمي النفاق نفاقا من النافقاء و هي بيت اليربوع له بابان يدخل من أحدهما و يخرج من الآخر و كذلك الذي يظهر دينا و يبطن غيره. و الضالون المضلون الذين يضلون أنفسهم و يضلون غيرهم و كذلك الزالون المزلون زل فلان عن الأمر أي أخطأ و أزله غيره. قوله يفتنون يتشعبون فنونا أي ضروبا. و يعمدونكم أي يهدونكم و يفدحونكم يقال عمده المرض يعمده أي هده و منه قولهم للعاشق عميد القلب. قوله بعماد أي بأمر فادح و خطب مؤلم و أصل العمد انشداخ سنام البعير و ماضيه عمد السنام بالكسر عمدا فهو عمد. و يرصدونكم يعدون المكايد لكم أرصدت أعددت و منه
في الحديث إلا أن أرصده لدين علي(11/138)