شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 153قوله ع و يصبح و همه الذكر هذه أيضا درجة كبيرة عظيمة من درجات العارفين قال تعالى فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ قال بعض العارفين لأصحابه أنا أعلم متى يذكرني ربي ففزعوا منه فقال إذا ذكرته ذكرني و تلا الآية فسكتوا. و قال يا أَيُّه الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً. و قال فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ. و قال فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً. و قال فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِكُمْ. و قال الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ. و قال في ذم المنافقين وَ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا. و قال وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَ خِيفَةً. و قال وَ لَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ. و
قال النبي ص ذاكر الله في الغافلين كالشجرة الخضراء في وسط الهشيم
و قال ص من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر من ذكر الله
شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 154وسئل ع أي الأعمال أفضل قال أن تموت و لسانك رطب بذكر اللهو قال ص حكاية عن الله تعالى إذا ذكرني عبدي في نفسه ذكرته في نفسي و إذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه و إذا تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا و إذا تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا و إذا مشى إلي هرولت إليه
و قال ص ما جلس قوم مجلسا يذكرون الله تعالى إلا حفت بهم الملائكة و غشيتهم الرحمة و ذكرهم الله فيمن عنده(11/129)


قوله ع يبيت حذرا و يصبح فرحا حذرا لما حذر من الغفلة و فرحا بما أصاب من الفضل و الرحمة. و قد تقدم ذكر الخوف. و قد عرض ع هاهنا بالرجاء المقابل للخوف فإن فرح العارف بما أصاب من الفضل و الرحمة يمكن أن يحمل على أنه فرح بمجرد ما أصاب من فضل الله و رحمته. و يمكن أن يحمل على أنه فرح بما يرجوه من ثواب الله و نعيمه لذا استدل على وصوله إليه و قوي ظنه بظفره به بما عجل الله تعالى له من الفضل و الرحمة في الدنيا و مقام الرجاء للعارفين مقام شريف و هو في مقابلة مقام الخوف و هو المقام الذي يوجد العارف فيه فرحا قال الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 155. و قال النبي ص حكاية عن الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء
دخل ص على رجل من أصحابه و هو يجود بنفسه فقال كيف تجدك قال أجدني أخاف ذنوبي و أرجو رحمة ربي فقال ص ما اجتمعا في قلب عبد في هذا الموطن إلا أعطاه الله ما رجاه و أمنه مما خافه(11/130)


قوله ع إن استصعبت عليه نفسه أي صارت صعبة غير منقادة يقول إذا لم تطاوعه نفسه إلى ما هي كارهة له لم يعطها مرادها فيما تحبه. قوله ع قرة عينه فيما لا يزول و زهادته فيما لا يبقى يقال للفرح المسرور إنه لقرير العين و قرت عينه تقر و المراد بردها لأن دمعة السرور باردة و دمعة الحزن حارة. و هذا الكلام يحتمل أمرين أحدهما أن يعني بما لا يزول البارئ سبحانه و هذا مقام شريف جدا أعظم من سائر المقامات و هو حب العارف لله سبحانه و قد أنكره قوم فقالوا لا معنى لمحبة البارئ إلا المواظبة على طاعته و نحوه قول أصحابنا المتكلمين إن محبة الله تعالى للعبد هي إرادته لثوابه و محبة العبد للبارئ هي إرادته لطاعته فليست المحبة عندهم شيئا زائدا على الإرادة و لا يجوز أن تتعلق بذات الله سبحانه لأن الإرادة لا تتعلق إلا بالحدوث و خالفهم شيخنا أبو الحسن فقال إن الإرادة يمكن أن تتعلق بالباقي ذكر ذلك في الكلام في الأكوان في أول التصفح فأما إثبات الحب في الجملة فقد نطق به القرآن قال سبحانه يُحِبُّهُمْ شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 156وَ يُحِبُّونَهُ و قال أيضا وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ و قال إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُوي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ و
في الحديث أن النبي ص نظر إلى مصعب بن عمير مقبلا و عليه إهاب كبش قد تمنطق به فقال انظروا إلى الرجل الذي قد نور الله قلبه لقد رأيته بين أبوين يغذوانه بأطيب الطعام و الشراب فدعاه حب الله و رسوله إلى ما ترون(11/131)


و يقال إن عيسى ع مر بثلاثة نفر قد نحلت أبدانهم و تغيرت ألوانهم فقال ما الذي بلغ بكم ما أرى قالوا الخوف من النار قال حق على الله أن يؤمن من يخافه ثم جاوزهم إلى ثلاثة آخرين فإذا هم أشد نحولا و تغيرا فقال ما الذي بلغ بكم ما أرى قالوا الشوق إلى الجنة فقال حق على الله أن يعطي من رجاه ثم مر إلى ثلاثة آخرين فإذا هم أشد نحولا و على وجوههم مثل المرائي من النور فقال ما الذي بلغ بكم ما أرى قالوا حب الله عز و جل فقال أنتم المقربون ثلاثا
و قال بعض العارفين
أحبك حبين حب الهوى و حبا لأنك أهل لذاكافأما الذي هو حب الهوى فشغلي بذكرك عمن سواكاو أما الذي أنت أهل له فكشفك لي الحجب حتى أراكافلا الحمد من ذا و لا ذاك لي و لكن لك الحمد في ذا و ذاكا
شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 157ليس يريد بكشف الحجب و الرؤية ما يظنه الظاهريون من أنها الإبصار بالعين بل المعرفة التامة و ذلك لأن المعارف النظرية يصح أن تصير ضرورية عند جمهور أصحابنا فهذا أحد محملي الكلام. و ثانيهما أن يريد بما لا يزول نعيم الجنة و هذا أد المقامين لأن الخلص من العارفين يحبونه و يعشقونه سبحانه لذاته لا خوفا من النار و لا شوقا إلى الجنة و قد قال بعضهم لست أرضى لنفسي أن أكون كأجير السوء إن دفعت إليه الأجرة رضي و فرح و إن منعها سخط و حزن إنما أحبه لذاته. و قال بعض شعرائهم شعرا من جملته
فهجره أعظم من ناره و وصله أطيب من جنته
و قد جاء في كلام أمير المؤمنين ع من هذا الكثير نحو
قوله لم أعبده خوفا و لا طمعا لكني وجدته أهلا للعبادة فعبدته
قوله ع يمزج الحلم بالعلم أي لا يحلم إلا عن علم بفضل الحلم ليس كما يحلم الجاهلون. قوله و القول بالعمل أي لا يقتصر على القول و مثل هذا قول الأحوص
و أراك تفعل ما تقول و بعضهم مذق اللسان يقول ما لا يفعل(11/132)


قوله ع تراه قريبا أمله أي ليست نفسه متعلقة بما عظم من آمال الدنيا و إنما قصارى أمره أن يؤمل القوت و الملبس قليلا زلله أي خطؤه. قوله منزورا أكله أي قليلا و يحمد من الإنسان الأكل النزر قال أعشى باهلة شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 15تكفيه حزة فلذ إن ألم بها من الشواء و يكفي شربه الغمر
و قال متمم بن نويرة
لقد كفن المنهال تحت ردائه فتى غير مبطان العشيات أروعا
قوله ع مكظوما غيظه كظم الغيظ من الأخلاق الشريفة
قال زيد بن علي ع ما سرني بجرعة غيظ أتجرعها و أصبر عليها حمر النعم
و جاء رجل إلى الربيع بن زياد الحارثي فقال يا أبا عبد الرحمن إن فلانا يغتابك و ينال منك فقال و الله لأغيظن من أمره بذلك قال الرجل و من أمره قال الشيطان عدو الله استغواه ليؤثمه و أراد أن يغضبني عليه فأكافئه و الله لا أعطيه ما أحب من ذلك غفر الله لنا و له. و جهل إنسان على عمر بن عبد العزيز فقال أظنك أردت أن يستفزني الشيطان بعز السلطان فأنال منك اليوم ما تناله مني غدا انصرف عافاك الله. و
قال النبي ص الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل
وقال إنسان لرسول الله ص أوصني فقال لا تغضب فأعاد عليه السؤال فقال لا تغضب فقال زدني فقال لا أجد مزيدا
و من كلام بعض الحكماء لا يفي عز الغضب بذلة الاعتذار. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 159قوله إن كان في الغافلين معناه أنه لا يزال ذاكر الله تعالى سواء كان جالسا مع الغافلين أو مع الذاكرين أما إذا كان مع الغافلين فإنه يذكر الله بقلبه و أما إذا كان مع الذاكرين نه يذكر بقلبه و لسانه. قوله ع يعفو عمن ظلمه و يعطي من حرمه و يصل من قطعه من
كلام المسيح ع في الإنجيل أحبوا أعداءكم و صلوا قاطعيكم و اعفوا عن ظالميكم و باركوا على لاعنيكم لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماء الذي تشرق شمسه على الصالحين و الفجرة و ينزل مطره على المطيعين و الأثمة(11/133)

95 / 151
ع
En
A+
A-