قال النبي ص من خاف الله خافه كل شي ء و من خاف غير الله خوفه الله من كل شي ءو قال ع أتمكم عقلا أشدكم لله خوفا و أحسنكم فيما أمر به و نهى عنه نظرا
و قال يحيى بن معاذ مسكين ابن آدم لو خاف النار كما يخاف الفقر دخل الجنة. و قال ذو النون المصري ينبغي أن يكون الخوف أغلب من الرجاء فإن الرجاء إذا غلب تشوش القلب. و قيل لبعض الصالحين من آمن الخلق غدا قال أشدهم خوفا اليوم. و قيل للحسن يا أبا سعيد كيف نصنع بمجالسة أقوام من أصحابك يخوفوننا حتى تكاد قلوبنا تطير فقال إنك و الله لأن تصحب قوما يخوفونك حتى تدرك الأمن خير لك من أن تصحب قوما يؤمنونك حتى يدركك الخوف.
و قيل للنبي ص في قوله تعالى وَ الَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَ قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ هم الذين يعصون و يخافون المعصية قال لا بل الرجل يصوم و يتصدق و يخاف ألا يقبل منه
شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 147و قال ص ما من قطرة أحب إلى الله تعالى من قطرة دمع من خشية الله أو قطرة دم أريقت في سبيل اللهو قال ع سبعة يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله و ذكر منهم رجلا ذكر الله في خلوة ففاضت عيناه
قوله ع و يقول قد خولطوا أي أصابتهم جنة. ثم قال و لقد خالطهم أمر عظيم أي مازجهم خوف عظيم تولهوا لأجله فصاروا كالمجانين. ثم ذكر أنهم لا يستكثرون في كثير من أعمالهم و لا يرضيهم اجتهادهم و أنهم يتهمون أنفسهم و ينسبونها إلى التقصير في العبادة و إلى هذا نظر المتنبي فقال
يستصغر الخطر الكبير لنفسه و يظن دجلة ليس تكفي شاربا
قال و من أعمالهم مشفقون أي مشفقون من عباداتهم ألا تقبل و إلى هذا نظر أبو تمام فقال
يتجنب الآثام ثم يخافها فكأنما حسناته آثام(11/124)


و مثل قوله أنا أعلم بنفسي من غيري قوله ع لمن زكاه نفاقا أنا دون ما تقول و فوق ما في نفسك. و قوله اللهم لا تؤاخذني بما يقولون إلى آخر الكلام مفرد مستقل بنفسه منقول عنه ع أنه قال لقوم مر عليهم و هم مختلفون في أمره فمنهم الحامد له و منهم الذام فقال اللهم لا تؤاخذني الكلمات إلى آخرها و معناه اللهم شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 148إن كان ما ينسبه الذامون إلي من الأفعال الموجبة الذم حقا فلا تؤاخذني بذلك و اغفر لي ما لا يعلمونه من أفعالي و إن كان ما يقوله الحامدون حقا فاجعلني أفضل مما يظنونه فيفَمِنْ عَلَامَةِ أَحَدِهِمْ أَنَّكَ تَرَى لَهُ قُوَّةً فِي دِينٍ وَ حَزْماً فِي لِينٍ وَ إِيمَاناً فِي يَقِينٍ وَ حِرْصاً فِي عِلْمٍ وَ عِلْماً فِي حِلْمٍ وَ قَصْداً فِي غِنًى وَ خُشُوعاً فِي عِبَادَةٍ وَ تَجَمُّلًا فِي فَاقَةٍ وَ صَبْراً فِي شِدَّةٍ وَ طَلَباً فِي حَلَالٍ وَ نَشَاطاً فِي هُدًى وَ تَحَرُّجاً عَنْ طَمَعٍ يَعْمَلُ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ وَ هُوَ عَلَى وَجَلٍ يُمْسِي وَ هَمُّهُ الشُّكْرُ وَ يُصْبِحُ وَ هَمُّهُ الذِّكْرُ يَبِيتُ حَذِراً وَ يُصْبِحُ فَرِحاً حَذِراً لَمَّا حُذِّرَ مِنَ الْغَفْلَةِ وَ فَرِحاً بِمَا أَصَابَ مِنَ الْفَضْلِ وَ الرَّحْمَةِ إِنِ اسْتَصْعَبَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِيمَا تَكْرَهُ لَمْ يُعْطِهَا سُؤْلَهَا فِيمَا تُحِبُّ قُرَّةُ عَيْنِهِ فِيمَا لَا يَزُولُ وَ زَهَادَتُهُ فِيمَا لَا يَبْقَى يَمْزُجُ الْحِلْمَ بِالْعِلْمِ وَ الْقَوْلَ بِالْعَمَلِ تَرَاهُ قَرِيباً أَمَلُهُ قَلِيلًا زَلَلُهُ خَاشِعاً قَلْبُهُ قَانِعَةً نَفْسُهُ مَنْزُوراً أَكْلُهُ سَهْلًا أَمْرُهُ حَرِيزاً دِينُهُ مَيِّتَةً شَهْوَتُهُ مَكْظُوماً غَيْظُهُ الْخَيْرُ مِنْهُ مَأْمُولٌ وَ الشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونٌ إِنْ كَانَ فِي الْغَافِلِينَ كُتِبَ فِي الذَّاكِرِينَ وَ إِنْ كَانَ فِي الذَّاكِرِينَ(11/125)


لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 149يَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَهُ وَ يُعْطِي مَنْ حَرَمَهُ وَ يَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ بَعِيداً فُحْشُهُ لَيِّناً قَوْلُ غَائِباً مُنْكَرُهُ حَاضِراً مَعْرُوفُهُ مُقْبِلًا خَيْرُهُ مُدْبِراً شَرُّهُ فِي الزَّلَازِلِ وَقُورٌ وَ فِي الْمَكَارِهِ صَبُورٌ وَ فِي الرَّخَاءِ شَكُورٌ لَا يَحِيفُ عَلَى مَنْ يُبْغِضُ وَ لَا يَأْثَمُ فِيمَنْ يُحِبُّ يَعْتَرِفُ بِالْحَقِّ قَبْلَ أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ لَا يُضِيعُ مَا اسْتُحْفِظَ وَ لَا يَنْسَى مَا ذُكِّرَ وَ لَا يُنَابِزُ بِالْأَلْقَابِ وَ لَا يُضَارُّ بِالْجَارِ وَ لَا يَشْمَتُ بِالْمَصَائِبِ وَ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَاطِلِ وَ لَا يَخْرُجُ مِنَ الْحَقِّ إِنْ صَمَتَ لَمْ يَغُمَّهُ صَمْتُهُ وَ إِنْ ضَحِكَ لَمْ يَعْلُ صَوْتُهُ وَ إِنْ بُغِيَ عَلَيْهِ صَبَرَ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يَنْتَقِمُ لَهُ نَفْسُهُ مِنْهُ فِي عَنَاءٍ وَ النَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ أَتْعَبَ نَفْسَهُ لآِخِرَتِهِ وَ أَرَاحَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ بُعْدُهُ عَمَّنْ تَبَاعَدَ عَنْهُ زُهْدٌ وَ نَزَاهَةٌ وَ دُنُوُّهُ مِمَّنْ دَنَا مِنْهُ لِينٌ وَ رَحْمَةٌ لَيْسَ تَبَاعُدُهُ بِكِبْرٍ وَ عَظَمَةٍ وَ لَا دُنُوُّهُ بِمَكْرٍ وَ خَدِيعَةٍ قَالَ فَصَعِقَ هَمَّامٌ صَعْقَةً كَانَتْ نَفْسُهُ فِيهَا فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَخَافُهَا عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا تَصْنَعُ الْمَوَاعِظُ الْبَالِغَةُ بِأَهْلِهَا فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ فَمَا بَالُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ ع وَيْحَكَ إِنَّ لِكُلِّ أَجَلٍ وَقْتاً لَا يَعْدُوهُ وَ سَبَباً لَا يَتَجَاوَزُهُ فَمَهْلًا لَا تَعُدْ لِمِثْلِهَا فَإِنَّمَا نَفَثَ الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِكَ(11/126)


شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 150هذه الألفاظ التي أولها قوة في دين بعضها يتعلق حرف الجر فيه بالظاهر فيكون موضعه نصبا بالمفعولية و بعضها يتعلق بمحذوف فيكون موضعه نصبا أيضا على الصفة و نحن نفصلها. فقوله قوة في دين حرف الجر هاهنا متعلق بالظاهر و هو قوة تقول فن قوي في كذا و على كذا كما تقول مررت بكذا و بلغت إلى كذا. و و حزما في لين هاهنا لا يتعلق حرف الجر بالظاهر لأنه لا معنى له أ لا ترى أنك لا تقول فلان حازم في اللين لأن اللين ليس أمرا يحزم الإنسان فيه و ليس كما تقول فلان حازم في رأيه أو في تدبيره فوجب أن يكون حرف الجر متعلقا بمحذوف تقديره و حزما كائنا في لين. و كذلك قوله و إيمانا في يقين حرف الجر متعلق بمحذوف أي كائنا في يقين أي مع يقين. فإن قلت الإيمان هو اليقين فكيف قال و إيمانا في يقين قلت الإيمان هو الاعتقاد مضافا إلى العمل و اليقين هو سكون القلب فقط فأحدهما غير الآخر. قوله و حرصا في علم حرف الجر هاهنا يتعلق بالظاهر و في بمعنى على كقوله تعالى لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ. قوله و قصدا في غنى حرف الجر متعلق بمحذوف أي هو مقتصد مع كونه غنيا و ليس يجوز أن يكون متعلقا بالظاهر لأنه لا معنى لقولك اقتصد في الغنى إنما يقال اقتصد في النفقة و ذلك الاقتصاد موصوف بأنه مقارن للغنى و مجامع له. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 151قوله و خشوعا في عبادة حرف الجر هاهنا يحتمل الأمرين معا. قوله و تجملا في فاقة حرف الجر هاهنا متعلق بمحذوف و لا يصح تعلقه بالظاهر لأنه إنما يل فلان يتجمل في لباسه و مروءته مع كونه ذا فاقة و لا يقال يتجمل في الفاقة على أن يكون التجمل متعديا إلى الفاقة. قوله و صبرا في شدة حرف الجر هاهنا يحتمل الأمرين. قوله و طلبا في حلال حرف الجر هاهنا يتعلق بالظاهر و في بمعنى اللام. قوله و نشاطا في هدى حرف الجر هاهنا يحتمل الأمرين. قوله و تحرجا عن طمع حرف الجر هاهنا يتعلق(11/127)


بالظاهر لا غير. قوله يعمل الأعمال الصالحة و هو على وجل قد تقدم مثله. قوله يمسي و همه الشكر هذه درجة عظيمة من درجات العارفين و قد أثنى الله تعالى على الشكر و الشاكرين في كتابه في مواضع كثيرة نحو قوله فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَ اشْكُرُوا لِي وَ لا تَكْفُرُونِ فقرن الشكر بالذكر. و قال تعالى ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَ آمَنْتُمْ. و قال تعالى وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ. و لعلو مرتبة الشكر طعن إبليس في بني آدم فقال وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ و قد صدقه الله تعالى في هذا القول فقال وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 152و قال بعض أصحاب المعاني قد قطع الله تعالى بالمزيد مع الشكر و لم يستثن فقال لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ. و اثنى في خمسة أمور و هي الإغناء و الإجابة و الرزق و المغفرة و التوبة. فقال فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ. و قال بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ. و قال يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ. و قال وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ. و قال وَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ. و قال بعضهم كيف لا يكون الشكر مقاما جليلا و هو خلق من أخلاق الربوبية قال تعالى في صفة نفسه وَ اللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ. و قد جعل الله تعالى مفتاح كلام أهل الجنة فقال وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ و جعله خاتمة كلامهم أيضا فقال وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
و قيل للنبي ص قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر فلم تقوم الليل و تتعب نفسك قال أ فلا أكون عبدا شكورا(11/128)

94 / 151
ع
En
A+
A-