و التنطع هو التعمق و الاستقصاء و قال عمر إن شقاشق الكلام من شقاشق الشيطان. و منها الفحش و السب و البذاء
قال النبي ص إياكم و الفحش فإن الله لا يحب الفحش و لا يرضى الفحش
و قال ع ليس المؤمن بالطعان و لا باللعان و لا بالسباب و لا البذي ء و قال ع لو كان الفحش رجلا لكان رجل سوء
و منها المزاح الخارج عن قانون الشريعة و كان يقال من مزح استخف به و كان يقال المزاح فحل لا ينتج إلا الشر. و منها الوعد الكاذب و
قد قال النبي ص العدة دين و قد أثنى الله سبحانه على إسماعيل فقال إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ و قال سبحانه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ(11/119)
شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 141و منها الكذب في القول و اليمين و الأمر فيهما مشهور. و منها الغيبة و قد تقدم القول فيها.قوله ع و ملبسهم الاقتصاد أي ليس بالثمين جدا و لا بالحقير جدا كالخرق التي تؤخذ من على المزابل و لكنه أمر بين أمرين و كان ع يلبس الكرابيس و هو الخام الغليظ و كذلك كان عمر رضي الله عنه و كان رسول الله ص يلبس اللين تارة و الخشن أخرى. قوله ع و مشيهم التواضع تقديره و صفة مشيهم التواضع فحذف المضاف و هذا مأخوذ من قوله تعالى وَ اقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ. رأى محمد بن واسع ابنا له يمشي و هو يتبختر و يميس في مشيته فصاح به فأقبل فقال له ويلك لو عرفت نفسك لقصدت في مشيك أما أمك فأمة ابتعتها بمائة درهم و أما أبوك فلا أكثر الله في الناس من أمثاله. و الأصل في هذا الباب قوله تعالى وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا. و قوله غضوا أبصارهم أي خفضوها و غمضوها و غضضت طرفي عن كذا احتملت مكروهه. و قوله وقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم أي لم يشغلوا سمعهم بشي ء غير العلوم النافعة أي لم يشتغلوا بسماع شعر و لا غناء و لا أحاديث أهل الدنيا. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 142قوله نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت في الرخاء يعني أنهم قد طابوا نفسا في الب و الشدة كطيب أنفسهم بأحوالهم في الرخاء و النعمة و ذلك لقلة مبالاتهم بشدائد الدنيا و مصائبها و تقدير الكلام من جهة الإعراب نزلت أنفسهم منهم في حال البلاء نزولا كالنزول الذي نزلته منهم في حال الرخاء فموضع كالذي نصب لأنه صفة مصدر محذوف و الموصول قد حذف العائد إليه و هو الهاء في نزلته كقولك ضربت الذي ضربت أي ضربت الذي ضربته. ثم قال ع إنهم من شدة شوقهم إلى الجنة و من شدة خوفهم من النار تكاد أرواحهم أن تفارق أجسادهم لو لا أن الله تعالى ضرب لهم آجالا ينتهون(11/120)
إليها. ثم ذكر أن الخالق لما عظم في أعينهم استصغروا كل شي ء دونه و صاروا لشدة يقينهم و مكاشفتهم كمن رأى الجنة فهو يتنعم فيها و كمن رأى النار و هو يعذب فيها و لا ريب أن من يشاهد هاتين الحالتين يكون على قدم عظيمة من العبادة و الخوف و الرجاء و هذا مقام جليل و مثله قوله ع في حق نفسه لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا
و الواو في و الجنة واو مع و قد روي بالعطف بالرفع على أنه معطوف على هم و الأول أحسن. ثم وصفهم بحزن القلوب و نحافة الأجسام و عفة الأنفس و خفة الحوائج و أن شرورهم مأمونة على الناس و أنهم صبروا صبرا يسيرا أعقبهم نعيما طويلا. ثم ابتدأهم فقال تجارة مربحة أي تجارتهم تجارة مربحة فحذف المبتدأ و روي تجارة مربحة بالنصب على أنه مصدر محذوف الفعل. قوله أما الليل بالنصب على الظرفية و روي أما الليل على الابتداء. قوله تالين منصوب على أنه حال إما من الضمير المرفوع بالفاعلية في صافون أو من الضمير المجرور بالإضافة في أقدامهم. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 143و الترتيل التبيين و الإيضاح و هو ضد الإسراع و العجل و يروى يرتلونه على أن الضمير يعود إلى القرآن و الرواية الأولى يعود الضمير فيها إلى أجزاء القرآن. قوله يحزنون به أنفسهم أي يستجلبون لها الحزن به و يستثيرون به دواء دائهم إشا إلى البكاء فإنه دواء داء الحزين قال الشاعر
فقلت لها إن البكاء لراحة به يشتفي من ظن أن لا تلاقيا
و قال آخر(11/121)
شجاك من ليلتك الطول فالدمع من عينيك مسدول و هو إذا أنت تأملته حزن على الخدين محلولثم ذكر أنهم إذا مروا بآية فيها ذكر الثواب مالوا إليها و اطمأنوا بها طمعا في نيله و تطلعت أنفسهم إليها شوقا أي اشرأبت. و نصب أعينهم منصوب على الظرفية و روي بالرفع على أنه خبر أن و الظن هاهنا يمكن أن يكون على حقيقته و يمكن أن يكون بمعنى العلم كقوله تعالى أَ لا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ و أصغى إلى الكلام مال إليه بسمعه و زفير النار صوتها. و قد جاء في فضل قراءة القرآن شي ء كثير روي عن النبي ص أنه قال من قرأ القرآن ثم رأى أن أحدا أوتي أفضل مما أوتي فقد استصغر ما عظمه الله
و قال ص لو كان القرآن في إهاب ما مسته النار
و قال أفضل عبادة أمتي قراءة القرآن
شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 144و قال أهل القرآن أهل الله و خاصتهو قال إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد قيل فما جلاؤها قال تلاوة القرآن و ذكر الموت
و قال ع إن الله سبحانه لأشد أذنا إلى قارئ القرآن من صاحب القينة إلى قينته
و قال الحسن رحمه الله ما دون القرآن من غنى و لا بعد القرآن من فاقة(11/122)
ثم ذكر ع صورة صلاتهم و ركوعهم فقال حانون على أوساطهم حنيت العود عطفته يصف هيئة ركوعهم و انحنائهم في الصلاة. مفترشون لجباههم باسطون لها على الأرض. ثم ذكر الأعضاء السبعة التي مباشرتها بالأرض فروض في الصلاة و هي الجبهة و الكفان و الركبتان و القدمان. قوله ع يطلبون إلى الله أي يسألونه يقال طلبت إليك في كذا أي سألتك و الكلام على الحقيقة مقدر فيه حال محذوفة يتعلق بها حرف الجر أي يطلبون سائلين إلى الله في فكاك رقابهم لأن طلب لا يتعدى بحرف الجر. ثم لما فرغ من ذكر الليل قال و أما النهار فحلماء علماء أبرار أتقياء هذه الصفات هي التي يطلع عليها الناظرون لهم نهارا و تلك الصفات المتقدمة من وظائف الليل. ثم ذكر ما هم عليه من الخوف فقال ع إن خوفهم قد براهم بري شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 145القداح و هي السهام واحدها قدح فينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى و ما بهم من مرض نظير هذقول الشاعر
و مخرق عنه القميص تخاله بين البيوت من الحياء سقيماحتى إذا رفع اللواء رأيته تحت اللواء على الخميس زعيما
و يقال للمتقين لشدة خوفهم كأنهم مرضى و لا مرض بهم و تقول العرب للكرام من الناس القليلي المأكل و المشرب رافضي اللباس الرفيع ذوي الأجسام النحيفة مراض من غير مرض و يقولون أيضا للمرأة ذات الطرف الغضيض الفاتر ذات الكسل مريضة من غير مرض قال الشاعر
ضعيفة كر الطرف تحسب أنها حديثة عهد بالإفاقة من سقم
شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 146ذكر الخوف و ما ورد فيه من الآثارو اعلم أن الخوف مقام جليل من مقامات العارفين و هو أحد الأركان التي هي أصول هذا الفن و هو التقوى التي حث الله تعالى عليها و قال إن أكرم الناس عنده أشدهم خوفا له و في هذه الآية وحدها كفاية و إذا نظرت القرآن العزيز وجدت أكثره ذكر المتقين و هم الخائفون و(11/123)