روى المبرد في الكامل أن رجلا قال لعمر بن الخطاب اتق الله يا أمير المؤمنين فقال له رجل أ تألت على أمير المؤمنين أي أ تنتقصه فقال عمر دعه فلا خير فيهم إذا لم يقولوها و لا خير فينا إذا لم تقل لنا. و كتب أبو العتاهية إلى سهل بن صالح و كان مقيما بمكة أما بعد فأنا أوصيك بتقوى الله الذي لا غناء بك عن تقاته و أتقدم إليك عن الله و نذكرك مكر الله فيما دبت به إليك ساعات الليل و النهار فلا تخدعن عن دينك فإن ساعاتك أوقاتك إن ظفرت بذلك منك وجدت الله فيك أسرع مكرا و أنفذ فيك أمرا و وجدت ما مكرت به في غير ذات الله غير راد عنك يد الله و لا مانع لك من أمر الله و لعمري لقد ملأت عينك الفكر و اضطربت في سمعك أصوات العبر و رأيت آثار نعم الله نسختها آثار نقمه حين استهزئ بأمره و جوهر بمعاندته ألا إن في حكم الله شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 122أنه من أكرمه الله فاستهان بأمره أهانه ال السعيد من وعظ بغيره لا وعظك الله في نفسك و جعل عظتك في غيرك و لا جعل الدنيا عليك حسرة و ندامة برحمته. و
من كلام رسول الله ص لا كرم كالتقوى و لا مال أعود من العقل و لا وحدة أوحش من العجب و لا عقل كالتدبير و لا قرين كحسن الخلق و لا ميراث كالأدب و لا فائدة كالتوفيق و لا تجارة كالعمل الصالح و لا ربح كثواب الله و لا ورع كالوقوف عند الشبهة و لا زهد كالزهد في الحرام و لا علم كالتفكر و لا عبادة كأداء الفرائض و لا إيمان كالحياء و الصبر و لا حسب كالتواضع و لا شرف كالعلم و لا مظاهرة أوفق من المشورة فاحفظ الرأس و ما حوى و البطن و ما وعى و اذكر الموت و طول البلى(11/104)
وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ لِهَذَا الْجِلْدِ الرَّقِيقِ صَبْرٌ عَلَى النَّارِ فَارْحَمُوا نُفُوسَكُمْ فَإِنَّكُمْ قَدْ جَرَّبْتُمُوهَا فِي مَصَائِبِ الدُّنْيَا فَرَأَيْتُمْ جَزَعَ أَحَدِكُمْ مِنَ الشَّوْكَةِ تُصِيبُهُ وَ الْعَثْرَةِ تُدْمِيهِ وَ الرَّمْضَاءِ تُحْرِقُهُ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ بَيْنَ طَابَقَيْنِ مِنْ نَارٍ ضَجِيعَ حَجَرٍ وَ قَرِينَ شَيْطَانٍ أَ عَلِمْتُمْ أَنَّ مَالِكاً إِذَا غَضِبَ عَلَى النَّارِ حَطَمَ بَعْضُهَا بَعْضاً لِغَضَبِهِ وَ إِذَا زَجَرَهَا تَوَثَّبَتْ بَيْنَ أَبْوَابِهَا جَزَعاً مِنْ زَجْرَتِهِ أَيُّهَا الْيَفَنُ الْكَبِيرُ الَّذِي قَدْ لَهَزَهُ الْقَتِيرُ كَيْفَ أَنْتَ إِذَا الْتَحَمَتْ أَطْوَاقُ النَّارِ بِعِظَامِ الْأَعْنَاقِ وَ نَشِبَتِ الْجَوَامِعُ حَتَّى أَكَلَتْ لُحُومَ السَّوَاعِدِ فَاللَّهَ اللَّهَ مَعْشَرَ الْعِبَادِ وَ أَنْتُمْ سَالِمُونَ فِي الصِّحَّةِ قَبْلَ السُّقْمِ وَ فِي الْفُسْحَةِ قَبْلَ الضِّيقِ فَاسْعَوْا فِي فَكَاكِ رِقَابِكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُغْلَقَ رَهَائِنُهَا شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 123أَسْهِرُوا عُيُونَكُمْ وَ أَضْمِرُوا بُطُونَكُمْ وَ اسْتَعْمِلُواَقْدَامَكُمْ وَ أَنْفِقُوا أَمْوَالَكُمْ وَ خُذُوا مِنْ أَجْسَادِكُمْ فَجُودُوا بِهَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَ لَا تَبْخَلُوا بِهَا عَنْهَا فَقَدْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ وَ قَالَ تَعَالَى مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَ لَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ فَلَمْ يَسْتَنْصِرْكُمْ مِنْ ذُلٍّ وَ لَمْ يَسْتَقْرِضْكُمْ مِنْ قُلٍّ اسْتَنْصَرَكُمْ وَ لَهُ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَ اسْتَقْرَضَكُمْ وَ لَهُ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ(11/105)
الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ وَ إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا فَبَادِرُوا بِأَعْمَالِكُمْ تَكُونُوا مَعَ جِيرَانِ اللَّهِ فِي دَارِهِ رَافَقَ بِهِمْ رُسُلَهُ وَ أَزَارَهُمْ مَلَائِكَتَهُ وَ أَكْرَمَ أَسْمَاعَهُمْ أَنْ تَسْمَعَ حَسِيسَ نَارٍ أَبَداً وَ صَانَ أَجْسَادَهُمْ أَنْ تَلْقَى لُغُوباً وَ نَصَباً ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَ اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى نَفْسِي وَ أَنْفُسِكُمْ وَ هُوَ حَسْبُنَا وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ(11/106)
الرمضاء الأرض الشديدة الحرارة و الرمض بالتحريك شدة وقع الشمس على الرمل و غيره و قد رمض يومنا بالكسر يرمض رمضا اشتد حره و أرض رمضة الحجارة و رمضت قدمه من الرمضاء احترقت. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 124و الطابق بالفتح الآجرة الكبيرة و هو فارسي معرب. و ضجيع ر يومئ فيه إلى قوله تعالى وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ قيل إنها حجارة الكبريت. و قرين شيطان يومئ فيه إلى قوله تعالى قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ. و حطم بعضها بعضا كسره أو أكله و الحطمة من أسماء النار لأنها تحطم ما تلقى و منه سمي الرجل الكثير الأكل حطمة. و اليفن الشيخ الكبير و لهزه خالطه و يقال له حينئذ ملهوز ثم أشمط ثم أشيب و لهزت القوم خالطتهم و دخلت بينهم. و القتير الشيب و أصله رءوس المسامير في الدروع تسمى قتيرا. و التحمت أطواق النار بالعظام التفت عليها و انضمت إليها و التصقت بها. و الجوامع جمع جامعة و هي الغل لأنها تجمع اليدين إلى العنق. و نشبت علقت و السواعد جمع ساعد و هو الذراع. و في من قوله في الصحة قبل السقم متعلقة بالمحذوف الناصب لله و هو اتقوا أي اتقوه سبحانه في زمان صحتكم قبل أن ينزل بكم السقم و في فسحة أعماركم قبل أن تبدل بالضيق. و فكاك الرقاب بفتح الفاء عتقها قبل أن تغلق رهائنها يقال غلق الرهن بالكسر إذا استحقه المرتهن بألا يفكه الراهن في الوقت المشروط و كان ذلك من شرع الجاهلية فنهى عنه النبي ص و قال لا يغلق الرهن. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 125و خذوا من أجسادكم أي أتعبوها بالعبا حتى تنحل. و القل القلة و الذل الذلة. و حسيس النار صوتها و اللغوب النصب
طرف و أخبار(11/107)
و نظير قوله ع استقرضكم و له خزائن السماوات و الأرض ما رواه المبرد في الكامل عن أبي عثمان المازني عن أبي زيد الأنصاري قال وقف علينا أعرابي في حلقة يونس النحوي فقال الحمد لله كما هو أهله و أعوذ بالله أن أذكر به و أنساه خرجنا من المدينة مدينة الرسول ص ثلاثين رجلا ممن أخرجته الحاجة و حمل على المكروه و لا يمرضون مرضاهم و لا يدفنون ميتهم و لا ينتقلون من منزل إلى منزل و إن كرهوه و الله يا قوم لقد جعت حتى أكلت النوى المحرق و لقد مشيت حتى انتعلت الدم و حتى خرج من قدمي بخص و لحم كثير أ فلا رجل يرحم ابن سبيل و فل طريق و نضو سفر فإنه لا قليل من الأجر و لا غنى عن ثواب الله و لا عمل بعد الموت و هو سبحانه يقول مَنْ ذَا الَّذِي شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 126يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً ملي وفي ماجد واجد جواد لا يستقرض من عوز و لكنه يبلو الأخيار. قال المازني فبلغني أنهم يبرح حتى أخذ ستين دينارا. و من كلام علي بن عبيدة الريحاني الأيام مستودعات الأعمال و نعم الأرضون هي لمن بذر فيها الخير و العمل الصالح. و خطب الحجاج فقال أيها الناس إنكم أغراض حمام و فرص هلكة قد أنذركم القرآن و نادى برحيلكم الجديدان ها إن لكم موعدا لا تؤخر ساعته و لا تدفع هجمته و كان قد دلفت إليكم نازلته فتعلق بكم ريب المنون و علقت بكم أم اللهيم الحيزبون فما ذا هيأتم للرحيل و ما ذا أعددتم للنزيل من لم يأخذ أهبة الحذر نزل به مرهوب القدر
خطبة لأبي الشخباء العسقلاني(11/108)