شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 105ضربا يزيل الهام عن مقيله و يذهل الخليل عن خليله أو يرجع الحق على سبيفلم أر أصحاب محمد ص قتلوا في موطن ما قتلوا يومئذ. قال و قد قال أبو مسعود البدري و طائفة لحذيفة حين احتضر و قد ذكر الفتنة إذا اختلف الناس فبمن تأمرنا قال عليكم بابن سمية فإنه لن يفارق الحق حتى يموت أو قال فإنه يزول مع الحق حيث زال. قال أبو عمر و بعضهم يجعل هذا الحديث عن حذيفة مرفوعا. قال أبو عمر و روى الشعبي عن الأحنف أن عمارا حمل يوم صفين فحمل عليه ابن جزء السكسكي و أبو الغادية الفزاري فأما أبو الغادية فطعنه و أما ابن جزء فاحتز رأسه. قلت هذا الموضع مما اختلف فيه قول أبي عمر رحمه الله فإنه ذكر في كتاب الكنى من الإستيعاب أبا الغادية بالغين المعجمة و قال إنه جهني من جهينة و جهينة من قضاعة و قد نسبه هاهنا فزاريا. و قال في كتاب الكنى إن اسم أبي الغادية يسار و قيل مسلم. و قد ذكر ابن قتيبة في كتاب المعارف عن أبي الغادية أنه كان يحدث عن نفسه بقتل عمار و يقول إن رجلا طعنه فانكشف المغفر عن رأسه فضربت رأسه فإذا رأس عمار قد ندر. و كيفية هذا القتل تخالف الكيفية التي رواها ابن عبد البر. قال أبو عمر و قد روى وكيع عن شعبة عن عبد بن مرة عن عبد الله بن سلمة شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 106قال لكأني أنظر إلى عمار يوم صفين و هو يع فاستسقى فأتي بشربة من لبن فشرب فقال
اليوم ألقى الأحبة(11/89)
إن رسول الله ص عهد إلي أن آخر شربة أشربها في الدنيا شربة من لبن ثم استسقى ثانية فأتته امرأة طويلة اليدين بإناء فيه ضياح من لبن فقال حين شربه الحمد لله الجنة تحت الأسنة و الله لو ضربونا حتى يبلغونا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق و أنهم على الباطل ثم قاتل حتى قتل. قال أبو عمر و قد روى حارثة بن المضراب قرأت كتاب عمر إلى أهل الكوفة أما بعد فإني بعثت إليكم عمارا أميرا و عبد الله بن مسعود معلما و وزيرا و هما من النجباء من أصحاب محمد فاسمعوا لهما و اقتدوا بهما فإني قد آثرتكم بعبد الله على نفسي أثرة. قال أبو عمر و إنما قال عمر هما من النجباء
لقول رسول الله ص إنه لم يكن نبي إلا أعطي سبعة من أصحابه نجباء وزراء فقهاء و إني قد أعطيت أربعة عشر حمزة و جعفرا و عليا و حسنا و حسينا و أبا بكر و عمر و عبد الله بن مسعود و سلمان و عمارا و أبا ذر و حذيفة و المقداد و بلالا
قال أبو عمر و تواترت الأخبار عن رسول الله ص أنه قال تقتل عمارا الفئة الباغية
و هذا من إخباره بالغيب و أعلام نبوته ص و هو من أصح الأحاديث. و كانت صفين في ربيع الآخر سنة سبع و ثلاثين و دفنه علي ع في ثيابه و لم يغسله. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 107و روى أهل الكوفة أنه صلى عليه و هو مذهبهم في الشهداء أنهم لا يغسلون و لكن يصلى عليهم. ل أبو عمر و كانت سن عمار يوم قتل نيفا و تسعين سنة و قيل إحدى و تسعين و قيل اثنتين و تسعين و قيل ثلاثا و تسعين
ذكر أبي الهيثم بن التيهان و طرف من أخباره(11/90)
ثم قال ع و أين ابن التيهان هو أبو الهيثم بن التيهان بالياء المنقوطة باثنتين تحتها المشددة المكسورة و قبلها تاء منقوطة باثنتين فوقها و اسمه مالك و اسم أبيه مالك أيضا ابن عبيد بن عمرو بن عبد الأعلم بن عامر الأنصاري أحد النقباء ليلة العقبة و قيل إنه لم يكن من أنفسهم و إنه من بلي بن أبي الحارث بن قضاعة و إنه حليف لبني عبد الأشهل كان أحد النقباء ليلة العقبة و شهد بدرا. قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإستيعاب اختلف في وقت وفاته فذكر خليفة عن الأصمعي قال سألت قومه فقالوا مات في حياة رسول الله ص. قال أبو عمر و هذا لم يتابع عليه قائله. و قيل إنه توفي سنة عشرين أو إحدى و عشرين. و قيل إنه أدرك صفين و شهدها مع علي ع و هو الأكثر. و قيل إنه قتل بها. ثم قال أبو عمر حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا الحسن بن رشيق قال شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 108حدثنا الدولابي قال حدثنا أبو ر الوجيهي عن أبيه عن صالح بن الوجيه قال و ممن قتل بصفين عمار و أبو الهيثم بن التيهان و عبد الله بن بديل و جماعة من البدريين رحمهم الله. ثم روى أبو عمر رواية أخرى فقال حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا عثمان بن أحمد بن السماك قال حدثنا حنبل بن إسحاق بن علي قال قال أبو نعيم أبو الهيثم بن التيهان اسمه مالك و اسم التيهان عمرو بن الحارث أصيب أبو الهيثم مع علي يوم صفين. قال أبو عمر هذا قول أبي نعيم و غيره. قلت و هذه الرواية أصح من قول ابن قتيبة في كتاب المعارف و ذكر قوم أن أبا الهيثم شهد صفين مع علي ع و لا يعرف ذلك أهل العلم و لا يثبتونه فإن تعصب ابن قتيبة معلوم و كيف يقول لا يعرفه أهل العلم و قد قاله أبو نعيم و قاله صالح بن الوجيه و رواه ابن عبد البر و هؤلاء شيوخ المحدثين
ذكر ذي الشهادتين خزيمة بن ثابت و طرف من أخباره(11/91)
ثم قال ع و أين ذو الشهادتين هو خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة الخطمي الأنصاري من بني خطمة من الأوس جعل رسول الله ص شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 109شهادته كشهادة رجلين لقصة مشهورة يكنى أبا عمارة شهد بدرا و ما بعدها من المشاهد و كانت راية بني خطمة بيده يوملفتح. قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإستيعاب و شهد صفين مع علي بن أبي طالب ع فلما قتل عمار قاتل حتى قتل. قال أبو عمر و قد روي حديث مقتله بصفين من وجوه كثيرة ذكرناها في كتاب الإستيعاب عن ولد ولده و هو محمد بن عمارة بن خزيمة ذي الشهادة و أنه كان يقول في صفين
سمعت رسول الله ص يقول تقتل عمارا الفئة الباغية(11/92)
ثم قاتل حتى قتل. قلت و من غريب ما وقعت عليه من العصبية القبيحة أن أبا حيان التوحيدي قال في كتاب البصائر إن خزيمة بن ثابت المقتول مع علي ع بصفين ليس هو خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين بل آخر من الأنصار صحابي اسمه خزيمة بن ثابت و هذا خطأ لأن كتب الحديث و النسب تنطق بأنه لم يكن في الصحابة من الأنصار و لا من غير الأنصار خزيمة بن ثابت إلا ذو الشهادتين و إنما الهوى لا دواء له على أن الطبري صاحب التاريخ قد سبق أبا حيان بهذا القول و من كتابه نقل أبو حيان و الكتب الموضوعة لأسماء الصحابة تشهد بخلاف ما ذكراه ثم أي حاجة لناصري أمير المؤمنين أن يتكثروا بخزيمة و أبي الهيثم و عمار و غيرهم لو أنصف شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 110الناس هذا الرجل و رأوه بالعين الصحيحة لعلموا أنه لو كان وحده و حاربه الناس كلهم أجمعون لكان على الحق و كانوا على الباطلثم قال ع و أين نظراؤهم من إخوانهم يعني الذين قتلوا بصفين معه من الصحابة كابن بديل و هاشم بن عتبة و غيرهما ممن ذكرناه في أخبار صفين. و تعاقدوا على المنية جعلوا بينهم عقدا و روي تعاهدوا. و أبرد برءوسهم إلى الفجرة حملت رءوسهم مع البريد إلى الفسقة للبشارة بها و الفجرة هاهنا أمراء عسكر الشام تقول قد أبردت إلى الأمير فأنا مبرد و الرسول بريد و يقال للفرانق البريد لأنه ينذر قدام الأسد. قوله أوه على إخواني ساكنة الواو مكسورة الهاء كلمة شكوى و توجع و قال الشاعر
فأوه لذكراها إذا ما ذكرتها و من بعد أرض دونها و سماء(11/93)