فبني عليه و لو لم يكن في معناه لاعتلت كما قالوا اجتوروا لما كان في معنى تجاوروا التي لا بد من صحة الواو فيها لسكون الألف قبلها و اعتورت الرياح رسم الدار اختلفت عليه. فإن قلت هذا يقتضي أن يقول و لم يتعاوره زيادة و نقصان لأن التعاور يستدعي الضدين معا و لا ينبغي أن يقول و لا نقصان كما لا يجوز أن تقول لم يختلف زيد و لا عمرو شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 83قلت لما كانت مراتب الزيادة مختلفة جاز أن يقال لا يعتوره الزيادة فكذلك القول في جانب النقصان و جرى كل واحد من النين مجرى أشياء متنافية تختلف على الموضع الموصوف بها. قوله ع موطدات أي ممهدات مثبتات. و العمد جمع عماد نحو إهاب و أهب و إدام و أدم و هو على خلاف القياس و منه قوله تعالى فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ و قوله تعالى خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها و السند ما يستند إليه. ثم قال دعاهن فأجبن طائعات هذا من باب المجاز و التوسع لأن الجماد لا يدعى و أما من قال إن السماوات أحياء ناطقة فإنه لم يجعلهن مكلفات ليقال و لو لا إقرارهن له بالربوبية لما فعل كذا بل يقول ذلك على وجه آخر و لكن لغة العرب تنطق بمثل هذا المجاز نحو قول الراجز
امتلأ الحوض و قال قطني مهلا رويدا قد ملأت بطني(11/69)


و منه قوله تعالى ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ. و منه قول مكاتب لبني منقر التميميين كان قد ظلع بمكاتبته فأتى قبر غالب بن صعصعة فاستجار به و أخذ منه حصيات فشدهن في عمامته ثم أتى الفرزدق فأخبره خبره و قال إني قد قلت شعرا قال هاته فأنشده شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 8بقبر ابن ليلى غالب عذت بعد ما خشيت الردى أو أن أرد على قسربقبر امرئ يقري المئين عظامه و لم يك إلا غالبا ميت يقري فقال لي استقدم أمامك إنما فكاكك أن تلقى الفرزدق بالمصرفقال ما اسمك فقال لهذم قال يا لهذم حكمك مسمطا قال ناقة كوماء سوداء الحدقة قال يا جارية اطرحي لنا حبلا ثم قال يا لهذم اخرج بنا إلى المربد فألقه في عنق ما شئت من إبل الناس فتخير لهذم على عينه ناقة و رمى بالحبل في عنقها و جاء صاحبها فقال له الفرزدق اغد علي أوفك ثمنها فجعل لهذم يقودها و الفرزدق يسوقها حتى أخرجها من البيوت إلى الصحراء فصاح به الفرزدق يا لهذم قبح الله أخسرنا فخبر الشاعر عن القبر بقوله فقال لي استقدم أمامك و القبر و الميت الذي فيه لا يخبران و لكن العرب و أهل الحكمة من العجم يجعلون كل دليل قولا و جوابا أ لا ترى إلى قول زهير
أ من أم أوفى دمنة لم تكلم(11/70)


و إنما كلامها عنده أن تبين ما يرى من الآثار فيها عن قدم العهد بأهلها. و من كلام بعض الحكماء هلا وقفت على تلك الجنان و الحيطان فقلت أيتها الجنان أين من شق أنهارك و غرس أشجارك و جنى ثمارك فإن لم تجبك حوارا أجابتك اعتبارا. و قال النعمان بن المنذر و معه عدي بن زيد في ظل شجرات مونقات يشرب شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 85فقال عدي أبيت اللعن و أراد أن يعظه أ تدري ما تقول هذه الشجرات قال ما تقول قالرب ركب قد أناخوا حولنا يشربون الخمر بالماء الزلال ثم أضحوا عصف الدهر بهم و كذاك الدهر يودي بالرجالفتنغص النعمان يومه ذلك. و المذعن المنقاد المطيع و المتلكئ المتوقف و الكلم الطيب شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا ص رسوله و العمل الصالح أداء الواجبات و النوافل و اللفظات من القرآن العزيز. و المصعد موضع الصعود و لا شبهة أن السماء أشرف من الأرض على رأي المليين و على رأي الحكماء أما أهل الملة فلأن السماء مصعد الأعمال الصالحة و محل الأنوار و مكان الملائكة و فيها العرش و الكرسي و الكواكب المدبرات أمرا و أما الحكماء فلأمور أخرى تقتضيها أصولهم(11/71)


جَعَلَ نُجُومَهَا أَعْلَاماً يَسْتَدِلُّ بِهَا الْحَيْرَانُ فِي مُخْتَلِفِ فِجَاجِ الْأَقْطَارِ لَمْ يَمْنَعْ ضَوْءَ نُورِهَا ادْلِهْمَامُ سُجُفِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ وَ لَا اسْتَطَاعَتْ جَلَابِيبُ سَوَادِ الْحَنَادِسِ أَنْ تَرُدَّ مَا شَاعَ فِي السَّمَاوَاتِ مِنْ تَلَأْلُؤِ نُورِ الْقَمَرِ فَسُبْحَانَ مَنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ سَوَادُ شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 86غَسَقٍ دَاجٍ وَ لَا لَيْلٍ سَاجٍ فِي بِقَاعِ الْأَرَضِينَ الْمُتَطَأْطِئَاتِ وَ لَا فِي يَفَاعِ السُّفْعِ الْمُتَجَاوِرَاتِ وَ مَا يَتَجَلْجَلبِهِ الرَّعْدُ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ وَ مَا تَلَاشَتْ عَنْهُ بُرُوقُ الْغَمَامِ وَ مَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ تُزِيلُهَا عَنْ مَسْقَطِهَا عَوَاصِفُ الْأَنْوَاءِ وَ انْهِطَالُ السَّمَاءِ وَ يَعْلَمُ مَسْقَطَ الْقَطْرَةِ وَ مَقَرَّهَا وَ مَسْحَبَ الذَّرَّةِ وَ مَجَرَّهَا وَ مَا يَكْفِي الْبَعُوضَةَ مِنْ قُوتِهَا وَ مَا تَحْمِلُ مِنَ الْأُنْثَى فِي بَطْنِهَا(11/72)


أعلاما أي يستدل بها و الفجاج جمع فج و هو الطريق في الجبل. ثم قال إن ادلهمام سواد الليل أي شدة ظلمته لم يمنع الكواكب من الإضاءة و كذلك أيضا لم يمنع ظلام الليل القمر من تلألؤ نوره و إنما خص القمر بالذكر و إن كان من جملة الكواكب لشرفه بما يظهر للأبصار من عظم حجمه و شدة إضاءته فصار كقوله تعالى فِيهِما فاكِهَةٌ وَ نَخْلٌ وَ رُمَّانٌ و قد روى بعض الرواة ادلهمام بالنصب و جعله مفعولا و ضوء نورها بالرفع و جعله فاعلا و هذه الرواية أحسن في صناعة الكتابة لمكان الازدواج أي لا القمر و لا الكواكب تمنع الليل من الظلمة و لا الليل يمنع الكواكب و القمر من الإضاءة. و السجف جمع سجف و هو الستر و يجوز فتح السين. و شاع تفرق و التلألؤ اللمعان و الجلابيب الثياب و الغسق الظلمة و الساجي الساكن و الداجي المظلم و المتطأطئ المنخفض و السفع المتجاورات هاهنا الجبال و سماها سفعا لأن السفعة سواد مشرب بحمرة و كذلك لونها في الأكثر. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 87و اليفاع الأرض المرتفعة و التجلجل صوت الرعد و ما تلاشت عنه بروق الغمام هذه الكلمة أهمل بناءها كثير من أئمة اللغة و هي صحيحة و قد جاءت و وردت قال ابن الأعرابي لشا الرجل إذا اتضع و خس بعد رة و إذا صح أصلها صح استعمال الناس تلاشى الشي ء بمعنى اضمحل. و قال القطب الراوندي تلاشى مركب من لا شي ء و لم يقف على أصل الكلمة و قد ظهر الآن أن معنى كلامه ع أنه سبحانه يعلم ما يصوت به الرعد و يعلم ما يضمحل عنه البرق. فإن قلت و هل يقصد الرعد بجلجلته معنى قولا ليقال إن البارئ يعلمه ثم ما المراد بكونه عالما بما يضمحل البرق عنه. قلت قد يكون تعالى يحدث في الرعد جلجلة أي صوتا ليهلك به قوما أو لينفع به قوما فعلمه بما تتضمنه تلك الجلجلة هو معنى قولنا يعلم ما يصوت به الرعد و لا ريب أن البرق يلمع فيضي ء أقطارا مخصصة ثم يتلاشى عنها فالبارئ سبحانه عالم بتلك الأقطار التي يتلاشى البرق(11/73)

83 / 151
ع
En
A+
A-