الذعلب في الأصل الناقة السريعة و كذلك الذعلبة ثم نقل فسمي به إنسان و صار علما كما نقلوا بكرا عن فتى الإبل إلى بكر بن وائل. و اليماني مخفف الياء و لا يجوز تشديدها جعلوا الألف عوضا عن الياء الثانية و كذلك فعلوا في الشامي و الأصل يمني و شامي. و قوله ع أ فأعبد ما لا أرى مقام رفيع جدا لا يصلح أن يقوله غيره ع. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 65ثم ذكر ماهية هذه الرؤية قال إنها رؤية البصيرة لا رؤية البصر. ثم شرح ذلك فقال إنه تعالى قريب من الأشياء غير ملامس لها لأنه ليس بجسم و إنما قربه منها علمه بها كما قال تعالى ما يُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ. قوله بعيد منها غير مباين لأنه أيضا ليس بجسم فلا يطلق عليه البينونة و بعده منها هو عبارة عن انتفاء اجتماعه معها و ذلك كما يصدق على البعيد بالوضع يصدق أفضل الصدق على البعيد بالذات الذي لا يصح الوضع و الأين أصلا عليه. قوله متكلم بلا روية الروية الفكرة يرتئي الإنسان بها ليصدر عنه ألفاظ سديدة دالة على مقصده و البارئ تعالى متكلم لا بهذا الاعتبار بل لأنه إذا أراد تعريف خلقه من جهة الحروف و الأصوات و كان في ذلك مصلحة و لطف لهم خلق الأصوات و الحروف في جسم جمادي فيسمعها من يسمعها و يكون ذلك كلامه لأن المتكلم في اللغة العربية فاعل الكلام لا من حله الكلام و قد شرحنا هذا في كتبنا الكلامية. قوله مريد بلا همة أي بلا عزم فالعزم عبارة عن إرادة متقدمة للفعل تفعل توطينا للنفس على الفعل و تمهيدا للإرادة المقارنة له و إنما يصح ذلك على الجسم الذي يتردد فيها تدعوه إليه الدواعي فأما العالم لذاته فلا يصح ذلك فيه. قوله صانع لا بجارحة أي لا بعضو لأنه ليس بجسم. قوله لطيف لا يوصف بالخفاء لأن العرب إذا قالوا لشي ء إنه لطيف أرادوا أنه صغير الحجم و البارئ تعالى لطيف لا بهذا الاعتبار بل يطلقباعتبارين(11/54)
شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 66أحدهما أنه لا يرى لعدم صحة رؤية ذاته فلما شابه اللطيف من الأجسام في استحالة رؤيته أطلق عليه لفظ اللطيف إطلاقا للفظ السبب على المسبب. و ثانيهما أنه لطيف بعباده كما قال في الكتاب العزيز أي يفعل الألطاف المقربة لهم من الطاعة العدة لهم من القبيح أو لطيف بهم بمعنى أنه يرحمهم و يرفق بهم. قوله كبير لا يوصف بالجفاء لما كان لفظ كبير إذا استعمل في الجسم أفاد تباعد أقطاره ثم لما وصف البارئ بأنه كبير أراد أن ينزهه عما يدل لفظ كبير عليه إذا استعمل في الأجسام و المراد من وصفه تعالى بأنه كبير عظمة شأنه و جلالة سلطانه. قوله بصير لا يوصف بالحاسة لأنه تعالى يدرك إما لأنه حي لذاته أو أن يكون إدراكه هو علمه و لا جارحة له و لا حاسة على كل واحد من القولين. قوله رحيم لا يوصف بالرقة لأن لفظة الرحمة في صفاته تعالى تطلق مجازا على إنعامه على عباده لأن الملك إذا رق على رعيته و عطف أصابهم بإنعامه و معروفه. قوله تعنو الوجوه أي تخضع قال تعالى وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ. قوله و تجب القلوب أي تخفق و أصله من وجب الحائط سقط و يروى توجل القلوب أي تخاف وجل خاف. و روي صانع لا بحاسة و روي لا تراه العيون بمشاهدة العيان عوضا عن لا تدركه(11/55)
شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 18167- و من كلام له ع في ذم أصحابهأَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى مَا قَضَى مِنْ أَمْرٍ وَ قَدَّرَ مِنْ فِعْلٍ وَ عَلَى ابْتِلَائِي بِكُمْ أَيَّتُهَا الْفِرْقَةُ الَّتِي إِذَا أَمَرْتُ لَمْ تُطِعْ وَ إِذَا دَعَوْتُ لَمْ تُجِبْ إِنْ أُهْمِلْتُمْ خُضْتُمْ وَ إِنْ حُورِبْتُمْ خُرْتُمْ وَ إِنِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى إِمَامٍ طَعَنْتُمْ وَ إِنْ أُجِئْتُمْ إِلَى مُشَاقَّةٍ نَكَصْتُمْ. لَا أَبَا لِغَيْرِكُمْ مَا تَنْتَظِرُونَ بِنَصْرِكُمْ وَ الْجِهَادِ عَلَى حَقِّكُمْ الْمَوْتَ أَوِ الذُّلَّ لَكُمْ فَوَاللَّهِ لَئِنْ جَاءَ يَومِي وَ لَيَأْتِيَنِّي لَيُفَرِّقَنَّ بَيْنِي وَ بَيْنِكُمْ وَ أَنَا لِصُحْبَتِكُمْ قَالٍ وَ بِكُمْ غَيْرُ كَثِيرٍ لِلَّهِ أَنْتُمْ أَ مَا دِينٌ يَجْمَعُكُمْ وَ لَا حَمِيَّةٌ تَشْحَذُكُمْ أَ وَ لَيْسَ عَجَباً أَنَّ مُعَاوِيَةَ يَدْعُو الْجُفَاةَ الطَّغَامَ فَيَتَّبِعُونَهُ عَلَى غَيْرِ مَعُونَةٍ وَ لَا عَطَاءٍ وَ أَنَا أَدْعُوكُمْ وَ أَنْتُمْ تَرِيكَةُ الْإِسْلَامِ وَ بَقِيَّةُ النَّاسِ إِلَى الْمَعُونَةِ أَوْ طَائِفَةٍ مِنَ الْعَطَاءِ فَتَتَفَرَّقُونَ عَنِّي وَ تَخْتَلِفُونَ عَلَيَّ إِنَّهُ لَا يَخْرُجُ إِلَيْكُمْ مِنْ أَمْرِي رِضًا فَتَرْضَوْنَهُ وَ لَا سُخْطٌ فَتَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ وَ إِنَّ أَحَبَّ مَا أَنَا لَاقٍ إِلَيَّ الْمَوْتُ قَدْ دَارَسْتُكُمُ الْكِتَابَ وَ فَاتَحْتُكُمُ الْحِجَاجَ وَ عَرَّفْتُكُمْ مَا أَنْكَرْتُمْ وَ سَوَّغْتُكُمْ مَا مَجَجْتُمْ لَوْ كَانَ الْأَعْمَى يَلْحَظُ أَوِ النَّائِمُ يَسْتَيْقِظُ شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 68وَ أَقْرِبْ بِقَوْمٍ مِنَ الْجَهْلِ بِاللَّهِ قَائِدُهُمْ مُعَاوِيَةُ وَ مُؤَدِّبُهُمُ ابْنُ النَّابِغَةِقضى و قدر في هذا الموضع واحد. و يروى على ما ابتلاني. و أهملتم خليتم و تركتم و يروى أمهلتم(11/56)
أي أخرتم. و خرتم ضعفتم و الخور الضعف رجل خوار و رمح خوار و أرض خوارة و الجمع خور و يجوز أن يكون خرتم أي صحتم كما يخور الثور و منه قوله تعالى عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ و يروى جرتم أي عدلتم عن الحرب فرارا. و أجئتم ألجئتم قال تعالى فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ. و المشاقة المقاطعة و المصارمة. و نكصتم أحجمتم قال تعالى فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ أي رجع محجما أي دعيتم إلى كشف القناع مع العدو و جبنتم و هبتموه. قوله لا أبا لغيركم الأفصح لا أب بحذف الألف كما قال الشاعر
أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم
و أما قولهم لا أبا لك بإثباته فدون الأول في الفصاحة كأنهم قصدوا الإضافة و أقحموا اللام مزيدة مؤكدة كما قالوا يا تيم تيم عدي و هو غريب لأن حكم شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 69لا أن تعمل في النكرة فقط و حكم الألف أن تثبت مع الإضافة و الإضافة تعرف فاجتمع فيها مان متنافيان فصار من الشواذ كالملامح و المذاكير و لدن غدوة. و قال الشيخ أبو البقاء رحمه الله يجوز فيها وجهان آخران. أحدهما أنه أشبع فتحة الباء فنشأت الألف و الاسم باق على تنكيره و الثاني أن يكون استعمل أبا على لغة من قالها أبا في جميع أحوالها مثل عصا و منه
إن أباها و أبا أباها(11/57)
قوله الموت أو الذل لكم دعاء عليهم بأن يصيبهم أحد الأمرين كأنه شرع داعيا عليهم بالفناء الكلي و هو الموت ثم استدرك فقال أو الذل لأنه نظير الموت في المعنى و لكنه في الصورة دونه و لقد أجيب دعاؤه ع بالدعوة الثانية فإن شيعته ذلوا بعد في الأيام الأموية حتى كانوا كفقع قرقر. ثم أقسم أنه إذا جاء يومه لتكونن مفارقته لهم عن قلى و هو البغض و أدخل حشوة بين أثناء الكلام و هي ليأتيني و هي حشوة لطيفة لأن لفظة إن أكثر ما تستعمل لما لا يعلم حصوله و لفظة إذا لما يعلم أو يغلب على الظن حصوله تقول إذا طلعت الشمس جئت إليك و لا تقول إن طلعت الشمس جئت إليك و تقول إذا احمر البسر جئتك و لا تقول إن احمر البسر جئتك فلما قال لئن جاء يومي أتى بلفظة دالة على أن الموضع موضع إذا لا موضع إن فقال و ليأتيني. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 70و الواو في قوله و أنا لصحبتكم واو الحال و كذلك الواو في قه و بكم غير كثير و قوله غير كثير لفظ فصيح و قال الشاعر
لي خمسون صديقا بين قاض و أميرلبسوا الوفر فلم أخلع بهم ثوب النفيرلكثير هم و لكني بهم غير كثير(11/58)