على الدنيا.
روى أبو سعيد الخدري عن النبي ص أنه قال يوشك أن يكون خير مال المسلم غنيمات يتبع بها شعاف الجبال و مواضع القطر يفر بدينه من الفتن
و روى عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله ص ذكر الفتن فقال إذا رأيت الناس قد مرجت عهودهم و خفت أمانتهم و كانوا هكذا و شبك شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 47بأصابعه فقلت ما تأمرني فقال الزم بيتك و املك عليك لسانك و خذ ما تعرف و دع ما تنكر و عليك بأمر الخاصة دع عنك أمر العامة
و روى ابن مسعود عنه ص أنه قال سيأتي على الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه إلا من فر من قرية إلى قرية و من شاهق إلى شاهق كالثعلب الرواغ قيل و متى ذلك يا رسول الله قال إذا لم تنل المعيشة إلا بمعاصي الله سبحانه فإذا كان ذلك الزمان كان هلاك الرجل على يد أبويه فإن لم يكن له أبوان فعلى يد زوجته و ولده و إن لم يكن فعلى يد قرابته قالوا كيف ذلك يا رسول الله قال يعيرونه بالفقر و ضيق اليد فيكلفونه ما لا يطيقه حتى يورده ذلك موارد الهلكة
و روى ابن مسعود أيضا أنه ص ذكر الفتنة فقال الهرج فقلت و ما الهرج يا رسول الله قال حين لا يأمن المرء جليسه قلت فبم تأمرني يا رسول الله إن أدركت ذلك الزمان قال كف نفسك و يدك و ادخل دارك قلت أ رأيت إن دخل علي داري قال ادخل بيتك قلت إن دخل علي البيت قال ادخل مسجدك و اصنع هكذا و قبض على الكوع و قل ربي الله حتى تموت(11/39)


و منها الخلاص من شر الناس فإنهم يؤذونك تارة بالغيبة و تارة بسوء الظن و التهمة و تارة بالاقتراحات و الأطماع الكاذبة التي يعسر الوفاء بها و تارة بالنميمة و الكذب مما يرونه منك من الأعمال و الأقوال مما لا تبلغ عقولهم كنهه فيدخرون ذلك في نفوسهم عدة لوقت ينتهزون فيه فرصة الشر و من يعتزلهم يستغن عن التحفظ لذلك. و قال بعض الحكماء لصاحبه أعلمك شعرا هو خير لك من عشرة آلاف درهم و هو شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 4اخفض الصوت إن نطقت بليل و التفت بالنار قبل المقال ليس للقول رجعة حين يبدو بقبيح يكون أو بجمالو من خالط الناس لا ينفك من حاسد و طاعن و من جرب ذلك عرف. و
من الكلام المأثور عن علي ع اخبر تقله
قال الشاعر
من حمد الناس و لم يبلهم ثم بلاهم ذم من يحمدو صار بالوحدة مستأنسا يوحشه الأقرب و الأبعد(11/40)


و قيل لسعد بن أبي وقاص أ لا تأتي المدينة قال ما بقي فيها إلا حاسد نعمة أو فرح بنقمة. و قال ابن السماك كتب إلينا صاحب لنا أما بعد فإن الناس كانوا دواء يتداوى به فصاروا داء لا دواء لهم ففر منهم فرارك من الأسد. و كان بعض الأعراب يلازم شجرة و يقول هذه نديمي و هو نديم فيه ثلاث خصال إن سمع لم ينم علي و إن تفلت في وجهه احتمل و إن عربدت عليه لم يغضب فسمع الرشيد هذا الخبر فقال قد زهدني سماعه في الندماء. و كان بعضهم يلازم الدفاتر و المقابر فقيل له في ذلك قال لم أر أسلم من الوحدة و لا أوعظ من قبر و لا أمتع من دفتر. و قال الحسن مرة إني أريد الحج فجاء إلي ثابت البناني و قال بلغني أنك تريد الحج فأحببت أن نصطحب فقال الحسن دعنا نتعاشر بستر الله إني أخاف أن نصطحب فيرى بعضنا من بعض ما نتماقت عليه. و قال بعض الصالحين كان الناس ورقا لا شوك فيه فالناس اليوم شوك لا ورق فيه. و قال سفيان بن عيينة قال لي سفيان الثوري في اليقظة في حياته و في المنام بعد شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 49وفاته أقلل معرفة الناس فإن التخلص منهم شديد و لا أحسبني رأيت ما أكره إلا ممن عرفت. و قال بعضهم جئت إلى مالك بن دينار و هو قاعد وحده و عنده كلب رابض قريبا ه فذهبت أطرده فقال دعه فإنه لا يضر و لا يؤذي و هو خير من الجليس السوء. و قال أبو الدرداء اتقوا الله و احذروا الناس فإنهم ما ركبوا ظهر بعير إلا أدبروه و لا ظهر جواد إلا عقروه و لا قلب مؤمن إلا أخربوه. و قال بعضهم أقلل المعارف فإنه أسلم لدينك و قلبك و أخف لظهرك و أدعى إلى سقوط الحقوق عنك لأنه كلما كثرت المعارف كثرت الحقوق و عسر القيام بالجميع. و قال بعضهم إذا أردت النجاة فأنكر من تعرف و لا تتعرف إلى من لا تعرف. و منها أن في العزلة بقاء الستر على المروءة و الخلق و الفقر و سائر العورات و قد مدح الله تعالى المستترين فقال يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ. و(11/41)


قال الشاعر
و لا عار أن زالت عن الحر نعمة و لكن عارا أن يزول التجمل
و ليس يخلو الإنسان في دينه و دنياه و أفعاله عن عورات يتقين و يجب سترها و لا تبقى السلامة مع انكشافها و لا سبيل إلى ذلك إلا بترك المخالطة. و منها أن ينقطع طمع الناس عنك و ينقطع طمعك عن الناس أما انقطاع طمع الناس عنك ففيه نفع عظيم فإن رضا الخلق غاية لا تدرك لأن أهون حقوق الناس شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 50و أيسرها حضور الجنازة و عيادة المريض و حضور الولائم و الإملاكات و في ذلك تضييع الأوقات و التعرض للآفات ثم يعوق عن بعضها العوائق و تستثقل فيها المعاذير و لا يمكن إظهار كل الأعذار فيقول لك قائل إنك قمت بحق فن و قصرت في حقي و يصير ذلك سبب عداوة فقد قيل إن من لم يعد مريضا في وقت العيادة يشتهي موته خيفة من تخجيله إياه إذا برأ من تقصيره فأما من يعم الناس كلهم بالحرمان فإنهم يرضون كلهم عنه و متى خصص وقع الاستيحاش و العتاب و تعميمهم بالقيام بجميع الحقوق مما لا قدرة عليه للمتجرد ليله و نهاره فكيف من له مهم يشغله ديني أو دنيوي. و من كلام بعضهم كثرة الأصدقاء زيادة الغرماء. و قال الشاعر
عدوك من صديقك مستفاد فلا تستكثرن من الصحاب فإن الداء أكثر ما تراه يكون من الطعام أو الشرابو أما انقطاع طمعك عنهم ففيه أيضا فائدة جزيلة فإن من نظر إلى زهرة الدنيا و زخرفها تحرك حرصه و انبعث بقوة الحرص طمعه و أكثر الأطماع يتعقبها الخيبة فيتأذى الإنسان بذلك و إذا اعتزل لم يشاهد و إذا لم يشاهد لم يشته و لم يطمع و لذلك قال الله تعالى لنبيه ص وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا و
قال ع انظروا إلى من دونكم و لا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم(11/42)


شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 51و قال عون بن عبد الله كنت أجالس الأغنياء فلا أزال مغموما أرى ثوبا أحسن من ثوبي و دابة أفره من دابتي فجالست الفقراء فاسترحت. و خرج المزني صاحب الشافعي من باب جامع الفسطاط بمصر و كان فقيرا مقلا فصادف ابن عبد الحكم قد أقبل في مبه فبهره ما رأى من حاله و حسن هيأته فتلا قوله تعالى وَ جَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَ تَصْبِرُونَ ثم قال نعم أصبر و أرضى. فالمعتزل عن الناس في بيته لا يبتلى بمثل هذه الفتن فإن من شاهد زينة الدنيا إما أن يقوى دينه و يقينه فيصبر فيحتاج إلى أن يتجرع مرارة الصبر و هو أمر من الصبر أو تنبعث رغبته فيحتال في طلب الدنيا فيهلك دنيا و آخرة أما في الدنيا فبالطمع الذي في أكثر الأوقات يتضمن الذل المعجل و أما في الآخرة فلإيثاره متاع الدنيا على ذكر الله و التقرب إليه و لذلك قال الشاعر
إذا كان باب الذل من جانب الغنى سموت إلى العلياء من جانب الفقر(11/43)

77 / 151
ع
En
A+
A-