و كان يقال ينبغي للعاقل أن يتمسك بست خصال فإنها من المروءة أن يحفظ دينه و يصون عرضه و يصل رحمه و يحمي جاره و يرعى حقوق إخوانه و يخزن عن البذاء لسانه و
في الخبر المرفوع من كفي شر قبقبه و ذبذبه و لقلقه دخل الجنة
شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 30فالقبقب البطن و الذبذب الفرج و اللقلق اللسان. و قال بعض الحكماء من علم أن لسانه جارحة من جوارحه أقل من اعتمالها و استقبح تحريكها كما يستقبح تحريك رأسه أو منكبه دائماوَ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَسْتَحِلُّ الْعَامَ مَا اسْتَحَلَّ عَاماً أَوَّلَ وَ يُحَرِّمُ الْعَامَ مَا حَرَّمَ عَاماً أَوَّلَ وَ أَنَّ مَا أَحْدَثَ النَّاسُ لَا يُحِلُّ لَكُمْ شَيْئاً مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَ لَكِنَّ الْحَلَالَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ وَ الْحَرَامَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَقَدْ جَرَّبْتُمُ الْأُمُورَ وَ ضَرَّسْتُمُوهَا وَ وُعِظْتُمْ بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَ ضُرِبَتِ الْأَمْثَالُ لَكُمْ وَ دُعِيتُمْ إِلَى الْأَمْرِ الْوَاضِحِ فَلَا يَصَمُّ عَنْ ذَلِكَ إِلَّا أَصَمُّ وَ لَا يَعْمَى عَنْهُ إِلَّا أَعْمَى وَ مَنْ لَمْ يَنْفَعْهُ اللَّهُ بِالْبَلَاءِ وَ التَّجَارِبِ لَمْ يَنْتَفِعْ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْعِظَةِ وَ أَتَاهُ التَّقْصِيرُ مِنْ أَمَامِهِ حَتَّى يَعْرِفَ مَا أَنْكَرَ وَ يُنْكِرَ مَا عَرَفَ فَإِنَّ النَّاسَ رَجُلَانِ مُتَبِعٌ شِرْعَةً وَ مُبْتَدِعٌ بِدْعَةً لَيْسَ مَعَهُ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بُرْهَانُ سُنَّةٍ وَ لَا ضِيَاءُ حُجَّةٍ(11/24)


يقول إن الأحكام الشرعية لا يجوز بعد ثبوت الأدلة عليها من طريق النص أن تنقض باجتهاد و قياس بل كل ما ورد به النص تتبع مورد النص فيه فما استحللته عاما أول فهو في هذا العام حلال لك و كذلك القول في التحريم و هذا هو مذهب أكثر أصحابنا أن النص مقدم على القياس و قد ذكرناه في كتبنا في أصول الفقه. و أول هاهنا لا ينصرف لأنه صفة على وزن أفعل. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 31و قال إن ما أحدث الناس لا يحل لكم شيئا مما حرم عليكم أي ما أحدثوه من القياس و الاجتهاد و ليس هذا بقادح في القياس و لكنه مانع من تقديمه على النص و هكذيقول أصحابنا. قوله و ضرستموها بالتشديد أي أحكمتموها تجربة و ممارسة يقال قد ضرسته الحرب و رجل مضرس. قوله فلا يصم عن ذلك إلا أصم أي لا يصم عنه إلا من هو حقيق أن يقال عنه إنه أصم كما تقول ما يجهل هذا الأمر إلا جاهل أي بالغ في الجهل. ثم قال من لم ينفعه الله بالبلاء أي بالامتحان و التجربة لم تنفعه المواعظ و جاءه النقص من بين يديه حتى يتخيل فيما أنكره أنه قد عرفه و ينكر ما قد كان عارفا به و سمى اعتقاد العرفان و تخيله عرفانا على المجاز. ثم قسم الناس إلى رجلين إما متبع طريقة و منهاجا أو مبتدع ما لا يعرف و ليس بيده حجة فالأول المحق و الثاني المبطل. و الشرعة المنهاج و البرهان الحجة(11/25)


فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَعِظْ أَحَداً بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَ سَبَبُهُ الْأَمِينُ وَ فِيهِ رَبِيعُ الْقَلْبِ وَ يَنَابِيعُ الْعِلْمِ وَ مَا لِلْقَلْبِ جَلَاءٌ غَيْرُهُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ الْمُتَذَكِّرُونَ وَ بَقِيَ النَّاسُونَ أَوِ الْمُتَنَاسُونَ فَإِذَا رَأَيْتُمْ خَيْراً فَأَعِينُوا عَلَيْهِ وَ إِذَا رَأَيْتُمْ شَرّاً فَاذْهَبُوا عَنْهُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص كَانَ يَقُولُ يَا ابْنَ آدَمَ اعْمَلِ الْخَيْرَ وَ دَعِ الشَّرَّ فَإِذَا أَنْتَ جَوَادٌ قَاصِدٌ
شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 32إنما جعله حبل الله لأن الحبل ينجو من تعلق به من هوة و القرآن ينجو من الضلال من يتعلق به. و جعله متينا أي قويا لأنه لا انقطاع له أبدا و هذه غاية المتانة و القوة. و متن الشي ء بالضم أي صلب و قوي و سببه الأمين مثل حبله المتين نما خالف بين اللفظين على قاعدة الخطابة. و فيه ربيع القلب لأن القلب يحيا به كما تحيا الأنعام برعي الربيع. و ينابيع العلم لأن العلم منه يتفرع كما يخرج الماء من الينبوع و يتفرع إلى الجداول و الجلاء بالكسر مصدر جلوت السيف يقول لا جلاء لصدأ القلوب من الشبهات و الغفلات إلا القرآن. ثم قال إن المتذكرين قد ذهبوا و ماتوا و بقي الناسون الذين لا علوم لهم أو المتناسون الذين عندهم العلوم و يتكلفون إظهار الجهل لأغراض دنيوية تعرض لهم و روي و المتناسون بالواو. ثم قال أعينوا على الخير إذا رأيتموه بتحسينه عند فاعله و بدفع الأمور المانعة عنه و بتسهيل أسبابه و تسنية سبله و إذا رأيتم الشر فاذهبوا عنه و لا تقاربوه و لا تقيموا أنفسكم في مقام الراضي به الموافق على فعله ثم روى لهم الخبر. و الجواد القاصد السهل السير لا سريع يتعب بسرعته و لا بطي ء يفوت الغرض ببطئه شرح نهج البلاغة ج 0 ص : 33(11/26)


أَلَا وَ إِنَّ الظُّلْمَ ثَلَاثَةٌ فَظُلْمٌ لَا يُغْفَرُ وَ ظُلْمٌ لَا يُتْرَكُ وَ ظُلْمٌ مَغْفُورٌ لَا يُطْلَبُ فَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لَا يُغْفَرُ فَالشِّرْكُ بِاللَّهِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ أَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي يُغْفَرُ فَظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ عِنْدَ بَعْضِ الْهَنَاتِ وَ أَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لَا يُتْرَكُ فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً الْقِصَاصُ هُنَاكَ شَدِيدٌ لَيْسَ هُوَ جَرْحاً بِاْلمُدَى وَ لَا ضَرْباً بِالسِّيَاطِ وَ لَكِنَّهُ مَا يُسْتَصْغَرُ ذَلِكَ مَعَهُ فَإِيَّاكُمْ وَ التَّلَوُّنَ فِي دِينِ اللَّهِ فَإِنَّ جَمَاعَةً فِيمَا تَكْرَهُونَ مِنَ الْحَقِّ خَيْرٌ مِنْ فُرْقَةٍ فِيمَا تُحِبُّونَ مِنَ الْبَاطِلِ وَ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يُعْطِ أَحَداً بِفُرْقَةٍ خَيْراً مِمَّنْ مَضَى وَ لَا مِمَّنْ بَقِيَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ وَ طُوبَى لِمَنْ لَزِمَ بَيْتَهُ وَ أَكَلَ قُوتَهُ وَ اشْتَغَلَ بِطَاعَةِ رَبِّهِ وَ بَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ فَكَانَ مِنْ نَفْسِهِ فِي شُغُلٍ وَ النَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ(11/27)


قسم ع الظلم ثلاثة أقسام أحدها ظلم لا يغفر و هو الشرك بالله أي أن يموت الإنسان مصرا على الشرك و يجب عند أصحابنا أن يكون أراد الكبائر و إن لم يذكرها لأن حكمها حكم الشرك عندهم. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 34و ثانيها الهنات المغفورة و هي صغائر الذنوب هكذا يفسأصحابنا كلامه ع. و ثالثها ما يتعلق بحقوق البشر بعضهم على بعض فإن ذلك لا يتركه الله هملا بل لا بد من عقاب فاعله و إنما أفرد هذا القسم مع دخوله في القسم الأول لتميزه بكونه متعلقا بحقوق بني آدم بعضهم على بعض و ليس الأول كذلك. فإن قلت لفظه ع مطابق للآية و هي قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ و الآية و لفظه ع صريحان في مذهب المرجئة لأنكم إذا فسرتم قوله لمن يشاء بأن المراد به أرباب التوبة قيل لكم فالمشركون هكذا حالهم يقبل الله توبتهم و يسقط عقاب شركهم بها فلأي معنى خصص المشيئة بالقسم الثاني و هو ما دون الشرك و هل هذا إلا تصريح بأن الشرك لا يغفر لمن مات عليه و ما دونه من المعاصي إذا مات الإنسان عليه لا يقطع له بالعقاب و لا لغيره بل أمره إلى الله. قلت الأصوب في هذا الموضع ألا يجعل قوله لمن يشاء معنيا به التائبون بل نقول المراد أن الله لا يستر في موقف القيامة من مات مشركا بل يفضحه على رءوس الأشهاد كما قال تعالى وَ يَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ. و أما من مات على كبيرة من أهل الإسلام فإن الله تعالى يستره في الموقف و لا يفضحه بين الخلائق و إن كان من أهل النار و يكون معنى المغفرة في هذه الآية الستر و تغطية حال العاصي في موقف الحشر و قد يكون من أهل الكبائر ممن يقر بالإسلام شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 35لعظيم كبائره جدا فيفضحه الله تعالى في الموقف كما يفضح المشرك فهذا معنى قوله وََغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ. فأما الكلام المطول في تأويلات(11/28)

74 / 151
ع
En
A+
A-