الْعَمَلَ الْعَمَلَ ثُمَّ النِّهَايَةَ النِّهَايَةَ وَ الِاسْتِقَامَةَ الِاسْتِقَامَةَ ثُمَّ الصَّبْرَ الصَّبْرَ وَ الْوَرَعَ الْوَرَعَ إِنَّ لَكُمْ نِهَايَةً فَانْتَهُوا إِلَى نِهَايَتِكُمْ وَ إِنَّ لَكُمْ عَلَماً فَاهْتَدُوا بِعَلَمِكُمْ وَ إِنَّ لِلْإِسْلَامِ غَايَةً فَانْتَهُوا إِلَى غَايَتِهِ وَ اخْرُجُوا إِلَى اللَّهِ مِمَّا افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَقِّهِ وَ بَيَّنَ لَكُمْ مِنْ وَظَائِفِهِ أَنَا شَاهِدٌ لَكُمْ وَ حَجِيجٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْكُمْ أَلَا وَ إِنَّ الْقَدَرَ السَّابِقَ قَدْ وَقَعَ وَ الْقَضَاءَ الْمَاضِيَ قَدْ تَوَرَّدَ وَ إِنِّي مُتَكَلِّمٌ بِعِدَةِ اللَّهِ وَ حُجَّتِهِ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 25الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ وَ قَدْ قُلْتُمْ رَبُّنَا اللَّهُ فَاسْتَقِيمُوا عَلَى كِتَابِهِ وَ عَلَى مِنْهَاجِ أَمْرِهِ وَ عَلَى الطَّرِيقَةِ الصَّالِحَةِ مِنْ عِبَادَتِهِ ثُمَّ لَا تَمْرُقُوا مِنْهَا وَ ل تَبْتَدِعُوا فِيهَا وَ لَا تُخَالِفُوا عَنْهَا فَإِنَّ أَهْلَ الْمُرُوقِ مُنْقَطَعٌ بِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ(11/19)
النصب على الإغراء و حقيقته فعل مقدر أي الزموا العمل و كرر الاسم لينوب أحد اللفظين عن الفعل المقدر و الأشبه أن يكون اللفظ الأول هو القائم مقام الفعل لأنه في رتبته أمرهم بلزوم العمل ثم أمرهم بمراعاة العاقبة و الخاتمة و عبر عنها بالنهاية و هي آخر أحوال المكلف التي يفارق الدنيا عليها إما مؤمنا أو كافرا أو فاسقا و الفعل المقدر هاهنا راعوا و أحسنوا و أصلحوا و نحو ذلك. ثم أمرهم بالاستقامة و أن يلزموها و هي أداء الفرائض. ثم أمرهم بالصبر عليها و ملازمته و بملازمة الورع. ثم شرع بعد هذا الكلام المجمل في تفصيله فقال إن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم و هذا
لفظ رسول الله ص أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم و إن لكم غاية فانتهوا إلى غايتكم(11/20)
و المراد بالنهاية و الغاية أن يموت الإنسان على توبة من فعل القبيح و الإخلال بالواجب. ثم أمرهم بالاهتداء بالعلم المنصوب لهم و إنما يعني نفسه ع. ثم ذكر أن للإسلام غاية و أمرهم بالانتهاء إليها و هي أداء الواجبات و اجتناب المقبحات. ثم أوضح ذلك بقوله و اخرجوا إلى الله مما افترض عليكم من حقه و بين لكم شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 26من وظائفه فكشف بهذا الكلام معنى الغاية التي أجملها أولا ثم ذكر أنه شاهد لهم و محاج يوم القيامة عنهم و هذا إشارة إلى قوله تعالى يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ. و حجيج فعيل بمى فاعل و إنما سمى نفسه حجيجا عنهم و إن لم يكن ذلك الموقف موقف مخاصمة لأنه إذا شهد لهم فكأنه أثبت لهم الحجة فصار محاجا عنهم. قوله ع ألا و إن القدر السابق قد وقع يشير به إلى خلافته. و هذه الخطبة من أوائل الخطب التي خطب بها أيام بويع بعد قتل عثمان و في هذا إشارة إلى أن رسول الله ص قد أخبره أن الأمر سيفضى إليه منتهى عمره و عند انقضاء أجله. ثم أخبرهم أنه سيتكلم بوعد الله تعالى و محجته على عباده في قوله إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا... الآية و معنى الآية أن الله تعالى وعد الذين أقروا بالربوبية و لم يقتصروا على الإقرار بل عقبوا ذلك بالاستقامة أن ينزل عليهم الملائكة عند موتهم بالبشرى و لفظة ثم للتراخي و الاستقامة مفضلة على الإقرار باللسان لأن الشأن كله في الاستقامة و نحوها قوله تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا أي ثم ثبتوا على الإقرار و مقتضياته و الاستقامة هاهنا هي الاستقامة الفعلية شافعة للاستقامة القولية و قد اختلف فيه قول أمير المؤمنين ع و أبي بكر فقال أمير المؤمنين ع أدوا الفرائض و قال أبو بكر استمروا على التوحيد. شرح نهج الاغة ج : 10 ص : 27و روي أن أبا بكر تلاها و قال ما تقولون فيها فقالوا(11/21)
لم يذنبوا فقال حملتم الأمر على أشده فقالوا قل قال لم يرجعوا إلى عبادة الأوثان و رأي أبي بكر في هذا الموضع إن ثبت عنه يؤكد مذهب الإرجاء و قول أمير المؤمنين ع يؤكد مذهب أصحابنا. و روى سفيان بن عبد الله الثقفي قال قلت يا رسول الله أخبرني بأمر أعتصم به فقال قل لا إله إلا الله ثم استقم فقلت ما أخوف ما تخافه علي فقال هذا و أخذ بلسان نفسه ص
و تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ عند الموت أو في القبر أو عند النشور. و أَلَّا تَخافُوا أن بمعنى أي أو تكون خفيفة من الثقيلة و أصله أنه لا تخافوا و الهاء ضمير الشأن. و قد فسر أمير المؤمنين الاستقامة المشترطة في الآية فقال قد أقررتم بأن الله ربكم فاستقيموا على كتابه و على منهاج أمره و على الطريقة الصالحة من عبادته. لا تمرقوا منها مرق السهم إذا خرج من الرمية مروقا. و لا تبتدعوا لا تحدثوا ما لم يأت به الكتاب و السنة. و لا تخالفوا عنها تقول خالفت عن الطريق أي عدلت عنها. قال فإن أهل المروق منقطع بهم بفتح الطاء انقطع بزيد بضم الهمزة فهو منقطع به إذا لم يجد بلاغا و وصولا إلى المقصد شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 2ثُمَّ إِيَّاكُمْ وَ تَهْزِيعَ الْأَخْلَاقِ وَ تَصْرِيفَهَا وَ اجْعَلُوا اللِّسَانَ وَاحِداً وَ لْيَخْزُنِ الرَّجُلُ لِسَانَهُ فَإِنَّ هَذَا اللِّسَانَ جَمُوحٌ بِصَاحِبِهِ وَ اللَّهِ مَا أَرَى عَبْداً يَتَّقِي تَقْوَى تَنْفَعُهُ حَتَّى يَخْتَزِنَ لِسَانَهُ وَ إِنَّ لِسَانَ الْمُؤْمِنِ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِهِ وَ إِنَّ قَلْبَ الْمُنَافِقِ مِنْ وَرَاءِ لِسَانِهِ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ تَدَبَّرَهُ فِي نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ خَيْراً أَبْدَاهُ وَ إِنْ كَانَ شَرّاً وَارَاهُ وَ إِنَّ الْمُنَافِقَ يَتَكَلَّمُ بِمَا أَتَى عَلَى لِسَانِهِ لَا يَدْرِي مَا ذَا لَهُ وَ مَا ذَا عَلَيْهِ وَ لَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(11/22)
ص لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ وَ لَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ هُوَ نَقِيُّ الرَّاحَةِ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَ أَمْوَالِهِمْ سَلِيمُ اللِّسَانِ مِنْ أَعْرَاضِهِمْ فَلْيَفْعَلْ
تهزيع الأخلاق تغييرها و أصل الهزع الكسر أسد مهزع يكسر الأعناق و يرض العظام و لما كان المتصرف بخلقه الناقل له من حال قد أعدم سمته الأولى كما يعدم الكاسر صورة المكسور اشتركا في مسمى شامل لهما فاستعمل التهزيع في الخلق للتغيير و التبديل مجازا. قوله و اجعلوا اللسان واحدا نهى عن النفاق و استعمال الوجهين. قال و ليخزن الرجل لسانه أي ليحبسه فإن اللسان يجمح بصاحبه فيلقيه في الهلكة. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 29ثم ذكر أنه لا يرى التقوى نافعة إلا مع حبس اللسان قال فإن لسان المؤمن وراء قلبه و قلب الأحمق وراء لسانه و ش ذلك و بينه. فإن قلت المسموع المعروف لسان العاقل من وراء قلبه و قلب الأحمق وراء لسانه كيف نقله إلى المؤمن و المنافق. قلت لأنه قل أن يكون المنافق إلا أحمق و قل أن يكون العاقل إلا مؤمنا فلأكثرية ذلك استعمل لفظ المؤمن و أراد العاقل و لفظ المنافق و أراد الأحمق. ثم روى الخبر المذكور عن النبي ص و هو مشهور. ثم أمرهم بالاجتهاد في أن يلقوا الله تعالى و كل منهم نقي الراحة من دماء المسلمين و أموالهم سليم اللسان من أعراضهم و
قد قال النبي ص إنما المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده
فسلامتهم من لسانه سلامة أعراضهم و سلامتهم من يده سلامة دمائهم و أموالهم و انتصاب تهزيع على التحذير و حقيقته تقدير فعل و صورته جنبوا أنفسكم تهزيع الأخلاق فإياكم قائم مقام أنفسكم و الواو عوض عن الفعل المقدر و أكثر ما يجي ء بالواو و قد جاء بغير واو في قول الاعر
إياك إياك المراء فإنه إلى الشر دعاء و للشر جالب(11/23)