وَ اعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ النَّاصِحُ الَّذِي لَا يَغُشُّ وَ الْهَادِي الَّذِي لَا يُضِلُّ وَ الْمُحَدِّثُ الَّذِي لَا يَكْذِبُ وَ مَا جَالَسَ هَذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلَّا قَامَ عَنْهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ زِيَادَةٍ فِي هُدًى أَوْ نُقْصَانٍ مِنْ عَمًى وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ الْقُرْآنِ مِنْ فَاقَةٍ وَ لَا لِأَحَدٍ قَبْلَ الْقُرْآنِ مِنْ شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 19غِنًى فَاسْتَشْفُوهُ مِنْ أَدْوَائِكُمْ وَ اسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى لَأْوَائِكُمْ فَإِنَّ فِيهِ شَاءً مِنْ أَكْبَرِ الدَّاءِ وَ هُوَ الْكُفْرُ وَ النِّفَاقُ وَ الْغَيُّ وَ الضَّلَالُ فَاسْأَلُوا اللَّهَ بِهِ وَ تَوَجَّهُوا إِلَيْهِ بِحُبِّهِ وَ لَا تَسْأَلُوا بِهِ خَلْقَهُ إِنَّهُ مَا تَوَجَّهَ الْعِبَادُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِهِ وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ وَ قَائِلٌ مُصَدَّقٌ وَ أَنَّهُ مَنْ شَفَعَ لَهُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُفِّعَ فِيهِ وَ مَنْ مَحَلَ بِهِ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُدِّقَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ كُلَّ حَارِثٍ مُبْتَلًى فِي حَرْثِهِ وَ عَاقِبَةِ عَمَلِهِ غَيْرَ حَرَثِةِ الْقُرْآنِ فَكُونُوا مِنْ حَرَثَتِهِ وَ أَتْبَاعِهِ وَ اسْتَدِلُّوهُ عَلَى رَبِّكُمْ وَ اسْتَنْصِحُوهُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَ اتَّهِمُوا عَلَيْهِ آرَاءَكُمْ وَ اسْتَغِشُّوا فِيهِ أَهْوَاءَكُمْ(11/14)
غشه يغشه بالضم غشا خلاف نصحه و اللأواء الشدة. و شفع له القرآن شفاعة بالفتح و هو مما يغلط فيه العامة فيكسرونه و كذلك تبعت كذا بكذا أتبعته مفتوح أيضا. و محل به إلى السلطان قال عنه ما يضره كأنه جعل القرآن يمحل يوم القيامة عند الله بقوم أي يقول عنهم شرا و يشفع عند الله لقوم أي يثني عليهم خيرا. و الحارث المكتسب و الحرث الكسب و حرثة القرآن المتاجرون به الله. و استنصحوه على أنفسكم أي إذا أشار عليكم بأمر و أشارت عليكم أنفسكم بأمر يخالفه. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 20فاقبلوا مشورة القرآن دون مشورة أنفسكم و كذلك مع قوله و اتهموا عليه آراءكم و استغشوا فيه أهواءكم
فصل في القرآن و ذكر الآثار التي وردت بفضله
و اعلم أن هذا الفصل من أحسن ما ورد في تعظيم القرآن و إجلاله و قد قال الناس في هذا الباب فأكثروا. و من الكلام المروي عن أمير المؤمنين ع في ذكر القرآن أيضا ما
رواه ابن قتيبة في كتاب عيون الأخبار عنه ع أيضا و هو مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها طيب و طعمها طيب و مثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة طعمها طيب و لا ريح لها و مثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب و طعمها مر و مثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن مثل الحنظلة طعمها مر و ريحها منتنة(11/15)
و قال الحسن رحمه الله قراء القرآن ثلاثة رجل اتخذه بضاعة فنقله من مصر إلى مصر يطلب به ما عند الناس و رجل حفظ حروفه و ضيع حدوده و استدر به الولاة و استطال به على أهل بلاده و قد كثر الله هذا الضرب من حملة القرآن لا كثرهم الله و رجل قرأ القرآن فبدأ بما يعلم من دواء القرآن فوضعه على داء قلبه فسهر ليله و انهملت عيناه و تسربل بالخشوع و ارتدى بالحزن فبذاك و أمثاله يسقى الناس الغيث و ينزل النصر و يدفع البلاء و الله لهذا الضرب من حملة القرآن أعز و أقل من الكبريت الأحمر شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 21و في الحديث المرفوع إن من تعظيم جلال الله إكرام ذي الشيبة في الإسلام و إكرام الإمام العادل و إكرام حملة القرآن
و في الخبر المرفوع أيضا لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو فإني أخاف أن يناله العدو
و كانت الصحابة تكره بيع المصاحف و تراه عظيما و كانوا يكرهون أن يأخذ المعلم على تعليم القرآن أجرا. و
كان ابن عباس يقول إذا وقعت في آل حم وقعت في روضات دمثات أتأنق فيهن
و قال ابن مسعود لكل شي ء ديباجة و ديباجة القرآن آل حم قيل لابن عباس أ يجوز أن يحلى المصحف بالذهب و الفضة فقال حليته في جوفه
و قال النبي ص أصفر البيوت جوف صفر من كتاب الله
و قال الشعبي إياكم و تفسير القرآن فإن الذي يفسره إنما يحدث عن الله. الحسن رحمه الله رحم الله امرأ عرض نفسه و عمله على كتاب الله فإن وافق حمد الله و سأله الزيادة و إن خالف أعتب و راجع من قريب. حفظ عمر بن الخطاب سورة البقرة فنحر و أطعم.
وفد غالب بن صعصعة على علي ع و معه ابنه الفرزدق فقال له من أنت فقال غالب بن صعصعة المجاشعي قال ذو الإبل الكثيرة قال نعم قال ما فعلت إبلك قال أذهبتها النوائب و ذعذعتها الحقوق قال ذاك خير سبلها شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 22ثم قال يا أبا الأخطل من هذا الغلامعك قال ابني و هو شاعر قال علمه القرآن فهو خير له من الشعر(11/16)
فكان ذلك في نفس الفرزدق حتى قيد نفسه و آلى ألا يحل قيده حتى يحفظ القرآن فما حله حتى حفظه و ذلك قوله
و ما صب رجلي في حديد مجاشع مع القد إلا حاجة لي أريدها
قلت تحت قوله ع يا أبا الأخطل قبل أن يعلم أن ذلك الغلام ولده و أنه شاعر سر غامض و يكاد يكون إخبارا عن غيب فليلمح. الفضيل بن عياض بلغني أن صاحب القرآن إذا وقف على معصية خرج القرآن من جوفه فاعتزل ناحية و قال أ لهذا حملتني. قلت و هذا القول على سبيل المثل و التخويف من مواقعة المعاصي لمن يحفظ القرآن.
أنس قال قال لي رسول الله ص يا ابن أم سليم لا تغفل عن قراءة القرآن صباحا و مساء فإن القرآن يحيي القلب الميت و ينهى عن الفحشاء و المنكر
كان سفيان الثوري إذا دخل شهر رمضان ترك جميع العبادة و أقبل على قراءة القرآن من المصحف.
كعب الأحبار قال الله تعالى لموسى ع مثل كتاب محمد في الكتب مثل سقاء فيه لبن كلما مخضته استخرجت منه زبدا
أسلم الخواص كنت أقرأ القرآن فلا أجد له حلاوة فقلت لنفسي يا أسلم اقرأ القرآن كأنك تسمعه من رسول الله ص فجاءت حلاوة قليلة فقلت اقرأه كأنك تسمعه من جبرئيل ع فازدادت الحلاوة فقلت اقرأه كأنك تسمعه من الله عز و جل حين تكلم به فجاءت الحلاوة كلها. شرح نهج البلاغج : 10 ص : 23بعض أرباب القلوب إن الناس يجمزون في قراءة القرآن ما خلا المحبين فإن لهم خان إشارات إذا مروا به نزلوا يريد آيات من القرآن يقفون عندها فيفكرون فيها.
في الحديث المرفوع ما من شفيع من ملك و لا نبي و لا غيرهما أفضل من القرآن
و في الحديث المرفوع أيضا من قرأ القرآن ثم رأى أن أحدا أوتي أفضل مما أوتي فقد استصغر عظمة الله
و جاء في بعض الآثار إن الله تعالى خلق بعض القرآن قبل أن يخلق آدم و قرأه على الملائكة فقالوا طوبى لأمة ينزل عليها هذا و طوبى لأجواف تحمل هذا و طوبى لألسنة تنطق بهذا(11/17)
و قال النبي ص إن القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد قيل يا رسول الله و ما جلاؤها قال قراءة القرآن و ذكر الموت
و عنه ع ما أذن الله لشي ء أذنه لنبي حسن الترنم بالقرآن و عنه ع إن ربكم لأشد أذنا إلى قارئ القرآن من صاحب القينة إلى قينته
و عنه ع أنت تقرأ القرآن ما نهاك فإذا لم ينهك فلست تقرؤه
ابن مسعود رحمه الله ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذ الناس نائمون و بنهاره إذ الناس مفطرون و بحزنه إذ الناس يفرحون و ببكائه إذ الناس يضحكون و بخشوعه إذ الناس يختالون و ينبغي لحامل القرآن أن يكون سكيتا زميتا لينا و لا ينبغي أن يكون جافيا و لا مماريا و لا صياحا و لا حديدا و لا صخابا
شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 24بعض السلف إن العبد ليفتتح سورة فتصلي عليه حتى يفرغ منها و إن العبد ليفتتح سورة فتلعنه حتى يفرغ منها قيل كيف ذاك قال إذا أحل حلالها و حرم حرامها صلت عليه و إلا لعنته. ابن مسعود أنزل الله عليهم القرآن ليعملوا به فاتخذوا دراسته عملا إن أحدهم ليقرأ القرآن من فاتحته إلى خاتمته ما يسقط منه حرفا و قد أسقط العمل به
ابن عباس لأن أقرأ البقرة و آل عمران أرتلهما و أتدبرهما أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله هذرمة
ثابت البناني كابدت في القرآن عشرين سنة و تنعمت به عشرين سنة(11/18)