الطبري نحو ذلك إلا أنه لم يذكر طلحة بعينه و زاد فيه أن معاوية لما ظهر على الناس أمر بذلك الحائط فهدم حتى أفضى به إلى البقيع و أمر الناس أن يدفنوا موتاهم حول قبره حتى اتصل ذلك بمقابر المسلمي و روى المدائني في هذا الكتاب قال دفن عثمان بين المغرب و العتمة و لم يشهد جنازته إلا مروان بن الحكم و ابنة عثمان و ثلاثة من مواليه فرفعت ابنته صوتها تندبه و قد جعل طلحة ناسا هناك أكمنهم كمينا فأخذتهم الحجارة و صاحوا نعثل نعثل فقالوا الحائط الحائط فدفن في حائط هناك. و روى الواقدي قال لما قتل عثمان تكلموا في دفنه فقال طلحة يدفن بدير سلع يعني مقابر اليهود. و ذكر الطبري في تاريخه هذا إلا أنه روى عن طلحة فقال قال رجل يدفن بدير سلع فقال حكيم بن حزام و الله لا يكون هذا أبدا و أحد من ولد قصي حي حتى كاد الشر يلتحم فقال ابن عديس البلوي أيها الشيخ و ما يضرك أين دفن قال لا يدفن إلا ببقيع الغرقد حيث دفن سلفه و رهطه فخرج به حكيم بن حزام في اثني عشر رجلا منهم الزبير بن العوام فمنعهم الناس عن البقيع فدفنوه بحش كوكب.(11/4)
شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 8و روى الطبري في التاريخ أن عثمان لما حصر كان علي ع بخيبر في أمواله فلما قدم أرسل إليه يدعوه فلما دخل عليه قال له إن لي عليك حقوقا حق الإسلام و حق النسب و حق ما لي عليك من العهد و الميثاق و و الله أن لو لم يكن من هذا كله شي ءكنا في جاهلية لكان عارا على بني عبد مناف أن يبتزهم أخو تيم ملكهم يعني طلحة فقال له ع سيأتيك الخبر ثم قام فدخل المسجد فرأى أسامة بن زيد جالسا فدعاه فاعتمد على يده و خرج يمشي إلى طلحة فدخل داره و هي دحاس من الناس فقام ع فقال يا طلحة ما هذا الأمر الذي وقعت فيه فقال يا أبا أحسن أ بعد ما مس الحزام الطبيين فانصرف علي ع و لم يحر إليه شيئا حتى أتى بيت المال فنادى افتحوا هذا الباب فلم يقدروا على فتحه فقال اكسروه فكسر فقال أخرجوا هذا المال فجعلوا يخرجونه و هو يعطي الناس و بلغ الذين في دار طلحة ما صنع علي ع فجعلوا يتسللون إليه حتى بقي طلحة وحده و بلغ الخبر عثمان فسر بذلك ثم أقبل طلحة يمشي عامدا إلى دار عثمان فاستأذن عليه فلما دخل قال يا أمير المؤمنين أستغفر الله و أتوب إليه لقد رمت أمرا حال الله بيني و بينه فقال عثمان إنك و الله ما جئت تائبا و لكن جئت مغلوبا و الله حسيبك يا طلحة. ثم قسم ع حال طلحة فقال لا يخلو إما أن يكون معتقدا حل دم عثمان أو حرمته أو يكون شاكا في الأمرين فإن كان يعتقد حله لم يجز له أن ينقض البيعة لنصرة إنسان حلال الدم و إن كان يعتقد حرمته فقد كان يجب عليه أن ينهنه عنه الناس أي يكفهم. شرح نهج البلاغة : 10 ص : 9و أن يعذر فيه بالتشديد أي يقصر و لم يفعل ذلك و إن كان شاكا فقد كان يجب عليه أن يعتزل الأمر و يركد جانبا و لم يعتزل و إنما صلي بنار الفتنة و أصلاها غيره. فإن قلت يمكن أن يكون طلحة اعتقد إباحة دم عثمان أولا ثم تبدل ذلك الاعتقاد بعد قتله فاعتقد أن قتله حرام و أنه يجب أن يقتص من قاتليه. قلت لو اعترف بذلك لم يقسم علي(11/5)
ع هذا التقسيم و إنما قسمه لبقائه على اعتقاد واحد و هذا التقسيم مع فرض بقائه على اعتقاد واحد صحيح لا مطعن فيه و كذا كان حال طلحة فإنه لم ينقل عنه أنه قال ندمت على ما فعلت بعثمان فإن قلت كيف قال أمير المؤمنين ع فما فعل واحدة من الثلاث و قد فعل واحدة منها لأنه وازر قاتليه حيث كان محصورا. قلت مراده ع أنه إن كان عثمان ظالما وجب أن يؤازر قاتليه بعد قتله يحامي عنهم و يمنعهم ممن يروم دماءهم و معلوم أنه لم يفعل ذلك و إنما وازرهم و عثمان حي و ذلك غير داخل في التقسيم(11/6)
شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 17610- من خطبة له يأَيُّهَا النَّاسُ غَيْرُ الْمَغْفُولِ عَنْهُمْ وَ التَّارِكُونَ وَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ مَا لِي أَرَاكُمْ عَنِ اللَّهِ ذَاهِبِينَ وَ إِلَى غَيْرِهِ رَاغِبِينَ كَأَنَّكُمْ نَعَمٌ أَرَاحَ بِهَا سَائِمٌ إِلَى مَرْعًى وَبِيٍّ وَ مَشْرَبٍ دَوِيٍّ وَ إِنَّمَا هِيَ كَالْمَعْلُوفَةِ لِلْمُدَى لَا تَعْرِفُ مَا ذَا يُرَادُ بِهَا إِذَا أُحْسِنَ إِلَيْهَا تَحْسَبُ يَوْمَهَا دَهْرَهَا وَ شِبَعَهَا أَمْرَهَا وَ اللَّهِ لَوْ شِئْتُ أَنْ أُخْبِرَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَخْرَجِهِ وَ مَوْلِجِهِ وَ جَمِيعِ شَأْنِهِ لَفَعَلْتُ وَ لَكِنْ أَخَافُ أَنْ تَكْفُرُوا فِيَّ بِرَسُولِ اللَّهِ ص أَلَا وَ إِنِّي مُفْضِيهِ إِلَى الْخَاصَّةِ مِمَّنْ يُؤْمَنُ ذَلِكَ مِنْهُ وَ الَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ وَ اصْطَفَاهُ عَلَى الْخَلْقِ مَا أَنْطِقُ إِلَّا صَادِقاً وَ لَقَدْ عَهِدَ إِلَيَّ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَ بِمَهْلِكِ مَنْ يَهْلِكُ وَ مَنْجَى مَنْ يَنْجُو وَ مَآلِ هَذَا الْأَمْرِ وَ مَا أَبْقَى شَيْئاً يَمُرُّ عَلَى رَأْسِي إِلَّا أَفْرَغَهُ فِي أُذُنِي وَ أَفْضَى بِهِ إِلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي وَ اللَّهِ مَا أَحُثُّكُمْ عَلَى طَاعَةٍ إِلَّا وَ أَسْبِقُكُمْ إِلَيْهَا وَ لَا أَنْهَاكُمْ عَنْ مَعْصِيَةٍ إِلَّا وَ أَتَنَاهَى قَبْلَكُمْ عَنْهَا(11/7)
خاطب المكلفين كافة و قال إنهم غافلون عما يراد بهم و منهم و ليسوا بمغفول عنهم بل أعمالهم محفوظة مكتوبة. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 11ثم قال و التاركون أي يتركون الواجبات. ثم قابل ذلك بقوله و المأخوذ منهم لأن الأخذ في مقابلة الترك و معنى الأخذ منهم انتقاص مارهم و انتقاض قواهم و استلاب أحبابهم و أموالهم. ثم شبههم بالنعم التي تتبع نعما أخرى. سائمة أي راعية و إنما قال ذلك لأنها إذا اتبعت أمثالها كان أبلغ في ضرب المثل بجهلها من الإبل التي يسيمها راعيها و المرعى الوبي ذو الوباء و المرض و المشرب الدوي ذو الداء و أصل الوبي اللين الوبي ء المهموز و لكنه لينه يقال أرض وبيئة على فعيلة و وبئة على فعلة و يجوز أوبأت فهي موبئة. و الأصل في الدوي دو بالتخفيف و لكنه شدده للازدواج. ثم ذكر أن هذه النعم الجاهلة التي أوقعت أنفسها في هذا المرتع و المشرب المذمومين كالغنم و غيرها م النعم المعلوفة. للمدى جمع مدية و هي السكين لا تعرف ما ذا يراد بها و تظن أن ذلك العلف إحسان إليها على الحقيقة. و معنى قوله تحسب يومها دهرها أي تظن أن ذلك العلف و الإطعام كما هو حاصل لها ذلك اليوم يكون حاصلا لها أبدا. و شبعها أمرها مثل ذلك أي تظن أنه ليس أمرها و شأنها إلا أن يطعمها أربابها لتشبع و تحسن و تسمن ليس يريدون بها غير ذلك. ثم خرج ع من هذا الفن إلى فن آخر فأقسم أنه لو شاء أن يخبر كل واحد منهم من أين خرج و كيفية خروجه من منزله و أين يلج و كيفية ولوجه و جميع شأنه من مطعمه و مشربه و ما عزم عليه من أفعاله و ما أكله و ما ادخره في بيته و غير ذلك من شئونه و أحواله لفعل. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 12و هذا كقول المسيح ع وَ أُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَ ما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ. قال إلا أني أخاف أن تكفروا في برسول الله ص أي أخاف عليكم الغلو في أمرو أن تفضلوني على رسول الله ص بل أخاف عليكم أن تدعوا في الإلهية كما(11/8)