لم يكن المسلمون قبل حرب الجمل يعرفون كيفية قتال أهل القبلة و إنما تعلموا فقه ذلك من أمير المؤمنين ع. و قال الشافعي لو لا علي لما عرف شي ء من أحكام أهل البغي. قوله ع و لا يحمل هذا العلم إلا أهل البصر و الصبر و ذلك لأن المسلمين عظم عندهم حرب أهل القبلة و أكروه و من أقدم عندهم عليه أقدم على خوف و حذر فقال ع إن هذا العلم ليس يدركه كل أحد و إنما له قوم مخصوصون. ثم أمرهم بالمضي عند ما يأمرهم به و بالانتهاء عما ينهاهم عنه و نهاهم عن أن يعجلوا بالحكم على أمر ملتبس حتى يتبين و يتضح. ثم قال إن عندنا تغييرا لكل ما تنكرونه من الأمور حتى يثبت أنه يجب إنكارها و تغييرها أي لست كعثمان أصر على ارتكاب ما أنهى عنه بل أغير كل ما ينكره المسلمون و يقتضي الحال و الشرع تغييره. ثم ذكر أن الدنيا التي تغضب الناس و ترضيهم و هي منتهى أمانيهم و رغبتهم ليست دارهم و إنما هي طريق إلى الدار الآخرة و مدة اللبث في ذلك الطريق يسيرة جدا. و قال إنها و إن كانت غرارة فإنها منذرة و محذرة لأبنائها بما رأوه من آثارها في شرح نهج البلاغة ج : 9 ص : 332سلفهم و إخوتهم و أحبائهم و مناداتها على نفسها بأنها فاعلة بهم ما فعلت بأولئك من الفناء و فراق المألوف.ال فدعوا غرورها لتحذيرها و ذلك لأن جانب تحذيرها أولى بأن يعمل عليه من جانب غرورها لأن غرورها إنما هو بأمر سريع مع التصرم و الانقضاء و تحذيرها إنما هو لأمر جليل عظيم فإن الفناء المعجل محسوس و قد دل العقل و الشرائع كافة على أن بعد ذلك الفناء سعادة و شقاوة فينبغي للعاقل أن يحذر من تلك الشقاوة و يرغب في تلك السعادة و لا سبيل إلى ذلك إلا برفض غرور الدنيا على أنه لو لم يكن ذلك لكان الواجب على أهل اللب و البصيرة رفضها لأن الموجود منها خيال فإنه أشبه شي ء بأحلام المنام فالتمسك به و الإخلاد إليه حمق. و الخنين صوت يرج من الأنف عند البكاء و أضافه إلى الأمة لأن الإماء كثيرا ما يضربن(10/298)
فيبكين و يسمع الخنين منهن و لأن الحرة تأنف من البكاء و الخنين و زوي قبض. ثم ذكر أنه لا يضر المكلف فوات قسط من الدنيا إذا حفظ قائمة دينه يعني القيام بالواجبات و الانتهاء عن المحظورات و لا ينفعه حصول الدنيا كلها بعد تضييعه دينه لأن ابتياع لذة متناهية بلذة غير متناهية يخرج اللذة المتناهية من باب كونها نفعا و يدخلها في باب المضار فكيف إذا انضاف إلى عدم اللذة غير المتناهية حصول مضار و عقوبات غير متناهية أعاذنا الله منها(10/299)
شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 3الجزء العاشرتتمة باب الخطب و الأوامر
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد العدل
175- و من كلام له ع في معنى طلحة بن عبيد الله
قَدْ كُنْتُ وَ مَا أُهَدَّدُ بِالْحَرْبِ وَ لَا أُرَهَّبُ بِالضَّرْبِ وَ أَنَا عَلَى مَا وَعَدَنِي رَبِّي مِنَ النَّصْرِ وَ اللَّهِ مَا اسْتَعْجَلَ مُتَجَرِّداً لِلطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ إِلَّا خَوْفاً مِنْ أَنْ يُطَالَبَ بِدَمِهِ لِأَنَّهُ مَظِنَّتُهُ وَ لَمْ يَكُنْ فِي الْقَوْمِ أَحْرَصُ عَلَيْهِ مِنْهُ فَأَرَادَ أَنْ يُغَالِطَ بِمَا أَجْلَبَ فِيهِ لِيَلْتَبِسَ الْأَمْرُ وَ يَقَعَ الشَّكُّ. وَ وَ اللَّهِ مَا صَنَعَ فِي أَمْرِ عُثْمَانَ وَاحِدَةً مِنْ ثَلَاثٍ لَئِنْ كَانَ ابْنُ عَفَّانَ ظَالِماً كَمَا كَانَ يَزْعُمُ لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُؤازِرَ قَاتِلِيهِ وَ أَنْ يُنَابِذَ نَاصِرِيهِ. وَ لَئِنْ كَانَ مَظْلُوماً لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُنَهْنِهِينَ عَنْهُ وَ الْمُعَذِّرِينَ فِيهِ وَ لَئِنْ كَانَ فِي شَكٍّ مِنَ الْخَصْلَتَيْنِ لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْتَزِلَهُ وَ يَرْكُدَ جَانِباً وَ يَدَعَ النَّاسَ مَعَهُ فَمَا فَعَلَ وَاحِدَةً مِنَ الثَّلَاثِ وَ جَاءَ بِأَمْرٍ لَمْ يُعْرَفْ بَابُهُ وَ لَمْ تَسْلَمْ مَعَاذِيرُهُ(11/1)
شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 4كان هاهنا تامة و الواو واو الحال أي خلقت و وجدت و أنا بهذه الصفة كما تقول خلقني الله و أنا شجاع. و يجوز أن تكون الواو زائدة و تكون كان ناقصة و خبرها ما أهدد كما في المثل لقد كنت و ما أخشى بالذئب. فإن قلت إذا كانت ناقصة لزم أنكون الآن بخلاف ما مضى فيكون الآن يهدد و يرهب. قلت لا يلزم ذلك لأن كان الناقصة للماضي من حيث هو ماض و ليس يشترط في ذلك أن يكون منقطعا بل قد يكون دائما كقوله تعالى وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً. ثم ذكر ع أنه على ما وعده ربه من النصر و أنه واثق بالظفر و الغلبة الآن كما كانت عادته فيما سبق. ثم شرح حال طلحة و قال إنه تجرد للطلب بدم عثمان مغالطة للناس و إيهاما لهم أنه بري ء من دمه فيلتبس الأمر و يقع الشك. و قد كان طلحة أجهد نفسه في أمر عثمان و الإجلاب عليه و الحصر له و الإغراء به و منته نفسه الخلافة بل تلبس ها و تسلم بيوت الأموال و أخذ مفاتيحها و قاتل الناس و أحدقوا به و لم يبق إلا أن يصفق بالخلافة على يده شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : ذكر ما كان من أمر طلحة مع عثمان
ذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في كتاب التاريخ قال حدثني عمر بن شبة عن علي بن محمد عن عبد ربه عن نافع عن إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم بن جابر قال قال علي ع لطلحة و عثمان محصور أنشدك الله إلا رددت الناس عن عثمان قال لا و الله حتى تعطي بنو أمية الحق من أنفسها(11/2)
و روى الطبري أن عثمان كان له على طلحة خمسون ألفا فخرج عثمان يوما إلى المسجد فقال له طلحة قد تهيأ مالك فاقبضه فقال هو لك يا أبا محمد معونة لك على مروءتك. قال فكان عثمان يقول و هو محصور جزاء سنمار. و روى الطبري أيضا أن طلحة باع أرضا له من عثمان بسبعمائة ألف فحملها إليه فقال طلحة إن رجلا يبيت و هذه عنده و في بيته لا يدري ما يطرقه من أمر الله لغرير بالله فبات و رسله تختلف بها في سكك المدينة يقسمها حتى أصبح و ما عنده منها درهم واحد. قال الطبري روى ذلك الحسن البصري و كان إذا روى ذلك يقول ثم جاء إلينا يطلب الدينار و الدرهم أو قال و الصفراء و البيضاء. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 6و روى الطبري أيضا قال قال ابن عباس رحمه الله لما حججت بالناس نيابة عن عثمان و هو محصور مررت بعائشة بالصلصل فقالت يا ابن عباس أنشدك الله فإنك قد أعطيت لسانا و عقلا أن تخذل الناس عن طلحة فقدانت لهم بصائرهم في عثمان و أنهجت و رفعت لهم المنار و تحلبوا من البلدان لأمر قد حم و إن طلحة فيما بلغني قد اتخذ رجالا على بيوت الأموال و أخذ مفاتيح الخزائن و أظنه يسير إن شاء الله بسيرة ابن عمه أبي بكر فقال يا أمه لو حدث بالرجل حدث ما فزع الناس إلا إلى صاحبنا فقالت إيها عنك يا ابن عباس إني لست أريد مكابرتك و لا مجادلتك. و روى المدائني في كتاب مقتل عثمان أن طلحة منع من دفنه ثلاثة أيام و أن عليا ع لم يبايع الناس إلا بعد قتل عثمان بخمسة أيام و أن حكيم بن حزام أحد بني أسد بن عبد العزى و جبير بن مطعم بن الحارث بن نوفل استنجدا بعلي ع على دفنه فأقعد طلحة لهم في الطريق ناسا بالحجارة فخرج به نفر يسير من أهله و هم يريدون به حائطا بالمدينة يعرف بحش كوكب كانت اليهود تدفن فيه موتاهم فلما صار هناك رجم سريره و هموا بطرحه فأرسل علي ع إلى الناس يعزم عليهم ليكفوا عنه فكفوا فانطلقوا به حتى دفنوه في حش كوكب. شرح نهج البلاغة ج : 10 ص : 7و روى(11/3)